في يونية من عام2003 صدر قرار بإنشاء المجلس القومي للأجور, تفعيلا لنص مادة واحدة في قانون العمل تحمل رقم34, فتشكل المجلس.. وحتي الآن عقد ثماني اجتماعات كان آخرها في3 فبراير الماضي. بحضور6 وزراء أو من ينوبون عنهم, وثلاث قيادات نقابية عمالية, واثنين من ممثلي أصحاب الأعمال وستة من كبار الخبراء, واعتذر رئيس اتحاد الغرف التجارية, وغاب اثنان من كبار المسئولين في التشكيل الرسمي للمجلس عن الجلسة, وكان القرار الأول هو اعتماد نسبة السبعة في المائة العلاوة السنوية. كما ناقش المجلس أزمة الأجور في مصر, وانتهي حسب نص محضر الاجتماع إلي أنه ليست هناك مشكلة في الحد الأدني للأجور, وأن هناك خلطا بين تحديد حد أدني للأجور باعتباره مسئولية المجلس وبين متوسطات الأجور في مصر بشكل عام. وفي مكتب الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية الأول في الوزارة الأحدث في تاريخ الوزارات المصرية.. يبدو الهدوء السمة السائدة بينما علي الجانب الآخر يعم الصخب الشديد وتتحرك عشرات الاحتجاجات إزاء ملف الأجور في مصر! الوزير الذي يرأس بحكم موقعه الوزاري المجلس القومي للأجور, وبرغم أننا ذهبنا إليه باعتباره صاحب القول الفصل في ملف الأزمة, إلا أنه تعامل بشكل هادئ علي اعتبار أن هذا الملف لا يعنيه, فالمجلس حسب كلامه غير معني بما يتحدثون عنه, فهو لا علاقة له بموظفي الحكومة سواء موظفي مركز معلومات مجلس الوزراء أو غيرهم, وانما فقط ملف عمال القطاع الخاص, وحتي داخل هذا الملف وتلك مفاجأة أخري من رئيس المجلس القومي للأجور هو فقط يتكلم في العلاوة الدورية, أما تحديد الحد فهو حق لصاحب العمل! فجأة.. بدت اليافطة البراقة التي اعتقدنا جميعا أن تحتها مجلسا يستطيع أن يحسم الملف, بلا مضمون برغم أن الدكتور عثمان كان لديه الكثير ليقوله في هذا الملف, ولكن كوزير للتنمية الاقتصادية وأستاذ للاقتصاد فقط. * أين أنتم من الأزمات الحالية عن الحد الأدني للأجور؟.. ولماذا لم نسمع للمجلس القومي للأجور صوتا؟ ** لأننا لسنا معنيين بما يحدث, وهناك حالة خلط رهيبة للأوراق والملفات, فالمجلس حسب نص المادة34 من قانون العمل الموحد, يضع الحد الأدني للأجور وليس المتوسطات, كما أننا نعني فقط بالعاملين في القطاع الخاص, بينما موظفو الدولة يخاطبهم قانون العاملين المدنيين بالدولة, وهو خارج إطار مسئوليتنا كمجلس.. أما الأمر الآخر فهو أن دورنا الأساسي هو إقرار نسبة العلاوة السنوية للعمال وهي ال7% وضمان تنفيذها وتلقي الشكاوي الخاصة بتنفيذها سواء من العمال أو أصحاب الأعمال. * وهل المجلس جهة تلقي للشكاوي العمالية.. وكم شكوي وردت لكم, خاصة أن العديد من المراصد العمالية وجمعيات حقوق الإنسان تؤكد أن عدد الاحتجاجات العمالية عام2009 تخطي رقم700 احتجاج, وهو الأكثر في تاريخ الاحتجاجات العمالية؟ ** وردنا العام الماضي غشر شكاوي فقط, معظمها من شركات صغيرة وأغلبها عن رفض أصحاب تلك الشركات دفع العلاوة السنوية للعاملين, ونقوم بدورنا بمخاطبة أصحاب تلك الشركات لمعرفة سبب امتناعهم أو رغبتهم في عدم صرف العلاوة, وقد يكون الموقف المالي للشركة لا يسمح بهذا.. وبناء علي دراسة الموقف, نقرر إذا ما كان من حقه هذا أم لا.. وأيضا نحاول الوصول لصيغة ترضي الجميع كأن نخفض العلاوة للنصف مثلا والعمال وصاحب العمل عليهم قبول ما نصل له باعتبارهم لجأوا إلينا كجهة لها حق إقرار أو تخفيض العلاوة. هذا دورنا * ماذا عن أجور العمال وحقوقهم المادية التي أظهرت عشرات الاحتجاجات أن أصحاب الأعمال يتلاعبون فيها بما لا يتفق مع حقوق العمال لدرجة أن الدولة اضطرت كما حدث مع عمال طنطا للكتان مثلا, لرفعها.. أليس لكم دور في تحديد تلك الأجور وحمايتها؟ ** نحن يقتصر دورنا علي تحديد حد أدني للأجر وتحديد نسبة العلاوة, وليس لنا وصاية علي أحد, بمعني أن العلاقة بين صاحب العمل والعمال علاقة تعاقدية بين طرفين قد تكون مكتوبة أو مجرد اتفاق هو من حقه أن يحدد قيمة الأجر الذي يري أن العامل يستحقه وللعامل أن يقبل أو يرفض.. ولكن في ضوء أننا حددنا أن الحد الأدني للأجور يجب ألا يكون أقل من450 جنيها شهريا, وهذا الرقم لجميع العاملين سواء في القطاع الإداري للدولة أو القطاع الخاص. * ومن لا يطبق هذا الحد.. هل للمجلس صلاحيات محاسبته أو إجباره علي هذا؟ ** نحن مجلس استشاري نضع قواعد يسترشد بها الناس, وذلك من خلال دراسات اقتصادية وقواعد دولية متعارف عليها, ولكن لا يوجد لنا حق إلزام أحد, فالقانون نفسه لا يلزم أصحاب الأعمال بهذا ولصاحب العمل إقرار الأجر الذي يراه مناسبا لمن يعمل عنده في ضوء ما يحققه من إنتاج وللعامل الحق أن يقبل أو يرفض, ولا ننسي أن هناك حالة بطالة وكساد في العالم كله, والبديل الوحيد هو أن يصبح العامل عاطلا لو لم يقبل وأعتقد أن أجرا منخفضا أفضل من لا شيء, ونحن بدأنا نري العمالة الآسيوية الرخيصة والجيدة أيضا تحل محل العمالة المصرية لأنها تحقق لصاحب العمل الإنتاج الذي يريده بالأجر الذي لا يكون عبئا عليه, ولابد أن نعترف بأن العمالة المصرية تكلفتها أعلي من إنتاجها والبطالة لدينا جزء كبير منها, هو رفض فرص العمل التي يراها الشخص غير مناسبة, ومثلا وجدنا أن نصف العاطلين جاءتهم فرص عمل ورفضوها, إما لأن الأجر غير مناسب أو المكان غير مناسب كالبعد عن المنزل خاصة في المناطق الصناعية الجديدة مما يستهلك جزءا كبيرا من أجر العامل. حسبة خاطئة * أين أنتم من الأزمة لحالية للأجور التي تفجرت وسط قطاعات متعددة من العاملين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص وصدور حكم القضاء الإداري بتحديد الحد الأدني للأجور ب1200 جنيه؟ ** لابد أن نعرف أن تلك الأزمة تخص شريحة ليست واسعة كما يبدو فنحن لدينا20 مليون مصري يعملون في سوق العمل ثلثهم في القطاع الحكومي اي نحو ستة ملايين موظف, وهؤلاء لديهم قواعد محددة للأجور متعارف عليها بقوانين ودرجات وظيفية محددة وهناك نحو4.5 مليون عامل لانعرف عنهم شيئا, وهؤلاء يمارسون حرفا وأعمالا حرة ولكن خارج الإطار الرسمي الذي يمكن قياسه حسابيا والقطاع الخاص الذي يثير الأزمة الآن لايزيد علي15% فقط من عدد العاملين أما مايتعلق بقصة الحد الأدني1200 فهذه حسبة خاطئة تماما ومن قدروها لم يتعلموا اقتصادا ولم يقرأوا التقارير الدولية بصورةكاملة فالبنك الدولي الذي وضع قاعدة الحد الأدني تم حسابها علي اساس أنها لأسرة مكونة من أربعة أفراد يكون دخل الفرد2 دولار كحد أدني في اليوم وتكون الحسبة كالتالي إثنين في أربعة يساوي8 دولارات في قيمة الدولار مقابل الجنيه وهو5 جنيهات يكون الحد الأدني1200 جنيه وهي حسبة خاطئة لأن قيمة الدولار حسب توصيات البنك تساوي مايعادله في القوة الشرائية في كل بلد فليست كل الدول تتعامل بالدولار وبالحسبة الاقتصادية وجدنا أن مايعادل قيمة اتنين دولار الشرائية هي نحو185 قرشا أي أن مايشتريه الدولار في أمريكا مثلا نشتريه نحن في مصر بنحو185 قرشا ولو رفعناها الي اثنين جنيه يصبح الحد الأدني450 جنيها فقط. * وهل450 جنيها في رأيك يمكن أن توفر تلك الأساسيات الآن حتي لو افترضنا أن صاحبهاسيؤجر شقة مساحتها63 مترا في إسكان الشباب, ولن يشتريها؟ ** انا لا أحسب المسألة هكذا فنحن نضع معايير اقتصادية محددة طبقا لدراسات دولية متخصصة أما تفاصيل كيف يمكن أن يعيش هؤلاء فهذه يحددها هم كما أن الدولة بالتأكيد تراعي ذلك تمام فنحن مثلا ليس لدينا فقر كالذي يوجد في بنجلاديش أو بعض مناطق الهند كما أننا نتابع هذا بشكل دائم فنحن نجري بحوثا كل خمس سنوات عن واقع الحياة في مصر بالاستعانة بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وتستعين بها الدولة في تحديد مايمكن أن تقدمه لدعم هؤلاء وأخيرا تقرر أن تكون تلك التقارير كل عامين فقط, وكما قلت نحن لدينا سوق عمل هي التي تحدد مستويات الأجور وليس نحن والحكومة نفسها أصبحت تخضع لحركة السوق فيما تقدمه لموظفيها من دعم سنوي ممثل في العلاوة السنوية. * هل هذا يعني أنكم كحكومة وأنت كوزير للتنمية الاقتصادية تري أن متوسط الأجور الموجود الآن لن يتغير, ويكفي الناس لكي تعيش حتي لو كان علي الحد الأدني للدخل حسب البنك الدولي؟ ** نحن ليس بيدنا شيء ظروفنا الاقتصادية هي التي تحدد مستوي الاجور ولايمكن أن نقارن أنفسنا بأمريكا أو اليابان مثلا الولاياتالمتحدة مثلا دخلها القومي تريليون و100 مليار دولار نحن دخلنا نحو200 مليار فقط لو قسمناه علي80 مليون مصري سيكون هو نفسه المتوسط السنوي الذي حددناه حسب المعايير الدولية مانحتاجه الآن قبل الكلام عن متوسط أجور يتضاعف ثلاث مرات هو الكلام عن مضاعفة هذا الدخل خلال5 سنوات فقط لابد أن نضاعف دخلنا القومي لينعكس هذا علي الدخل الفردي. نحن ننفق أكثر من طاقتنا لتحسين مستويات الحياة وليس الأجر فقط هو ما تتكلفه الدولة هناك عشرات الخدمات التي تقدم للمواطن تتكلف فيها الدولة مليارات الجنيهات سنويا وبصراحة مايحدث الآن لا تفسير له عندي سوي أنها مجرد ضغوط يمارسها البعض علي الدولة قبل أن يتم إقرار العلاوة السنوية المقبلة لرفعها عن الحد المقرر لها, ولكن ظروفنا لن تسمح بهذا.