لا اعتراض على أن يعزز السودان علاقاته مع مَن يشاء أو أن يؤجِّر جزءاً من أراضيه اوحتى يبيعها لمن يريد فهذه مسألة سيادية طالما لا تلحق ضرراً بجيرانه أو أشقائه،لكن الاعتراض على تحويل جزيرة سواكن الاستراتيجية بالبحر الأحمر إلى قاعدة عسكرية تركية تهدد الأمن القومى العربى خاصةً الأمن المصرى والسعودى فى ضوء تحالف تركيا مع قطر ضد السعودية والإمارات والبحرين ومصر فضلاً عن أن سودانيين كثيرين اعتبروا تسليم الجزيرة لأنقرة بطلب من اردوغان لتديرها لفترة زمنية غير محددة بمثابة عودة للاطماع التركية حيث لم ينسوا المجازر التى ارتكبها العثمانيون ضد أجدادهم خلال احتلالها منذ غزاها السلطان سليم الأول فى القرن السادس عشر. تركيا زعمت أن الهدف هو تأمين أمن البحر الأحمر لكن قول اردوغان عقب التوقيع على 12 اتفاقية خلال زيارته الخرطوم الأسبوع الماضى من بينها تعاون عسكرى استراتيجى إن هناك ملحقاً لاتفاقية حق استغلال جزء من ميناء سواكن لن يتحدث عنه الآن،أثار الريبة والمخاوف فى الداخل السودانى ودول الجوار.وعزز المخاوف قول وزير الخارجية السودانى إبراهيم غندور:وقَّعنا على اتفاقية يمكن أن ينجم عنها أى نوع من التعاون العسكرى وهو ما يمكن تفسيره بموافقة الخرطوم على قاعدة عسكرية تركية أوتحالف عسكرى بين البلدين أوبينهما وبين قطر التى شارك رئيس أركان جيشها مع رئيسى أركان الجيشين السودانى والتركى على هامش الزيارة فى خطوة غريبة ومثيرة للقلق. ولا أدرى ما الذى دفع الرئيس البشير للمخاطرة بإثارة مشاكل مكلفة مع دول الخليج حيث يعمل مئات الآلاف من السودانيين وحصل منها على مساعدات كبيرة منذ مشاركة السودان فى التحالف العربى ضد استيلاء الحوثيين المدعومين من إيران على الحكم باليمن لأجل مساعدات تركية لا تتجاوز 650 مليون دولار وزيادة حدة التوتر أكثر مع مصر التى على خلاف شديد مع تركياوقطر لتدخلهما السافر فى شئونها الداخلية وإيوائهما ودعمهما قيادات وعناصر من جماعة الإخوان المحظورة.وما ضرورة عقد اجتماع لرؤساء أركان الجيوش رغم أن آلاف الأميال تفصل بين البلدان الثلاثة وليس هناك ما يجمعها سوى الاستقواء ببعضها البعض على الدول التى تعترض على سياساتها فى دعم وتمويل التطرف والإرهاب أوعلى الأقل الكيد لها وإثارة مخاوفها؟!.ومن هو العدو المشترك الذى اقتضت مواجهته عقد اجتماع مستفز لا نتيجة له سوى توتير العلاقات السودانية مع السعودية والإمارات والبحرين وقطع الطريق على أى جهود لإخراج العلاقات المصرية-السودانية من حالتها المتردية؟. لقد اعتبر البعض زيارة أردوغان تمهيداً لتقارب بين إسلاميى السودان وتركيا لزعزعة استقرار المنطقة خاصةً إذا نتج عنها تنسيق أكبر لدعم قيادات الإخوان وعناصرها أوجماعات إرهابية أخرى ضد مصر ودول الخليج،وقد لا تتغير الظروف والدوافع أويعمل النظام السودانى على تصحيح الأوضاع إلاَّ بإجراءات مضادة لابد أن الدول المتضررة تبحث فيها الآن. -------------- لا أتوقع أن ترد إثيوبيا بالموافقة على الإقتراح المصرى بمشاركة البنك الدولى كجهة محايدة فى مباحثات اللجنة الثلاثية الخاصة بسد النهضة ليكون له القول الفصل فى الخلافات بين الدول الثلاث وأحدثها حول مضمون التقرير المبدئى للمكتب الإستشارى بشأن نقطة الأساس التى ستنطلق منها الدراسة التى ستحدد ما إذا كانت للسد أضرار مائية وبيئية على مصر والسودان أم لا.فمشاركة البنك ستلزمها بأحكامه وقواعده الخاصة بإنشاء وإدارة المشروعات التى تقيمها أي دولة على نهر تشاركها فيه دول أخرى وبضرورة أن تحصل على موافقتها قبل البدء فى المشروع وهو مالم تفعله أديس أبابا قبل بدء العمل بالسد. لذلك يجب على القاهرة ألاّ تعوِّل كثيراً على الرد فى ضوء ما تعودناه من مماطلات إثيوبية لاستهلاك الوقت حتى يكتمل بناء السد ويبدأ تشغيله كأمر واقع وأن نبحث عن البدائل اللازمة للضغط عليها للتخلى عن تعنتها ولاحترام ما نص عليه اتفاق إعلان المبادئ الموقع فى مارس 2015 من عدم البدء فى ملء بحيرة السد إلاَّ بالتوافق مع مصر والسودان وتنفيذ تعهدها بعدم الإضرار بالمصالح المائية المصرية وباحترام قواعد القانون الدولى بهذا الشأن.وهذا يمكن أن يتم بطلب وساطة دولة أوجهة لها علاقات طيبة بالدولتين مثل الصين وتقديم شكاوى لمحكمتى العدل الدولية والإفريقية ولمجلس الأمن الدولى والقيام بحملة دبلوماسية مكثفة لدى دول الخليج التى لها استثمارات كبيرة فى إثيوبيا ولديها مئات الآلاف من العاملين الإثيوبيين وكذلك لدى الدول والهيئات التى تشارك فى تمويل بناء السد أو إنشائه لتذكيرها بضرورة احترام قواعد القانون الدولى وبأن تحافظ على حق شعب يعتمد فى حياته على مياه النيل بنسبة 95%.فلعلَّ وعسى أن تدفع تلك الضغوط النظام الإثيوبى لإبداء المرونة،لأنه حتى لو تمت زيارة رئيس وزراء إثيوبيا المرتقبة للقاهرة فمن غير المحتمل أن تسفر عن انفراجة كبيرة فى الموقف وإنما عن وعود وتطمينات غير قاطعة بعدم الإضرار بمصالح مصر المائية وهو ما سمعناه كثيراً ويخالف ما يجرى على أرض الواقع. لمزيد من مقالات ◀ عطية عيسوى