فى أعقاب إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب فى فلسطينالمحتلة، تسابق بعض الحنجوريين العرب لإلصاق سبب ضياع القضية الفلسطينية بمصر، متجاهلين ما قدمته ولا تزال تقدمه من تضحيات من أجل القضية على امتداد 70 عامًا كلفتها ثمنًا غاليًا، تمثل فى إنهيار اقتصادها ومرافق بنيتها التحتية وتعرقل خططها التنموية، وقبل هذا وبعده 100 ألف شهيد من أبنائها. الغريب أن بعض هؤلاء يشيرون بأصبع الاتهام إلى رئيسين مصريين، كانا أكثر مَنْ دعم الحق العربى فى فلسطين، هما الرئيسان جمال عبد الناصر وأنور السادات. وبرغم أنى لست من محبى عهد عبد الناصر، إلا أن الحق يوجب الاعتراف أن قضية فلسطين كانت شغله الشاغل، ضابطًا ثم رئيسًا، ففى بداية حرب 1948م تطوع للخدمة فى اللجنة العربية العليا بقيادة الحاج محمد أمين الحسيني، وحين أرسل الملك فاروق الجيش المصرى إلى فلسطين فى مايو من العام نفسه، خدم ناصر فى كتيبة المشاة السادسة، وكان نائب قائد القوات المصرية المسئولة عن تأمين الفالوجة. وجرح فى القتال يوم 12 يوليو، وبحلول شهر أغسطس، حوصر مع فرقته من قبل العصابات الصهيونية المسلحة، ورفض الاستسلام وقاوم بضراوة، حتى أدت مفاوضات الهدنة إلى انسحاب الفرقة، واستيلاء الصهاينة على الفالوجة. ونتيجة لتبنيه القضية فى شتى المحافل الدولية، شارك الصهاينة فى العدوان الثلاثى عام 1956م، لكسر شوكة مصر، والقضاء على القوة العربية الوحيدة التى تقف حجر عثرة أمام المشروع الصهيوني، ومع ذلك واصل ناصر تبنى قضية فلسطين، وكان له الدور الأكبر فى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة أحمد الشقيرى فى أعقاب القمة العربية التى دعا إليها بالقاهرة فى يناير 1964م، وأدى موقفه الصلب إلى حرب 1967م، وبرغم النكسة لم تهن عزيمته ورفض كل عروض عودة سيناء مقابل السلام مع الكيان المحتل، وأشعل حرب استنزاف استمرت ما تبقى من حياته وبعدها، وكانت آخر أعماله لصالح القضية والتى كلفته حياته، حمايته للمقاومة وقادتها من التصفية فى معركتهم مع الجيش الأردني، بدعوته لقمة عربية طارئة فى 27 سبتمبر 1970م، أسفرت عن وقف إطلاق النار. ومع الرئيس أنور السادات انتقلت القضية إلى مرحلة جديدة، مرحلة إجبار الصهاينة على التفاوض من موقف قوة، وكان نصر أكتوبر 1973م. ومع ذلك خوّن بعض الفلسطينيين السادات بتحريض من قادة عرب، ورفضوا الفرصة الذهبية التى قدمها لهم للجلوس والتفاوض، مع تعهدات أمريكية بإلزام إسرائيل بما يتفق عليه، ويوضح خطاب السادات الثالث إلى الرئيس الأمريكى كارتر مدى التزامه بحل قضية فلسطين وتمسكه بعودة القدس للسيادة العربية، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وبالذات القراران 242 و338، اللذين ينصان على انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة عام 1967م، وبالرفض العربى ضاعت على الفلسطنيين فرصة حل يسعون اليوم لنيل جزء منه، وفى يقينى أن مسار قضية فلسطين كان سيتغير لو أمهل الأجل السادات، إذ برحيله عادت القضية لنقطة الصفر. لمزيد من مقالات أسامة الألفى