خسرت إسرائيل أهم ورقة كانت لصالحها عسكرياً وفق اتفاقيتى كامب ديفيد، وهى الخاصة بالقيود على وجود وانتشار الجيش المصرى وتسليحه فى سيناء! ذلك أن الإسرائيليين لم يدركوا فى أثناء المفاوضات فى كامب ديفيد إلا ما كانت تراه عيونهم تحت أقدامهم، وعجزوا عن افتراض أن المستقبل ينطوى دائماً على احتمالات غير مرصودة ولا متوقعة. لذلك انطلقوا آنذاك مما توهموا أنه راسخ على الأرض، واعتبروا الطريقة الوحيدة الممكنة لعبور القوات المصرية إلى سيناء لا تكون إلا عبر سطح القناة المكشوف، وتخيلوا أن هذا يمنحهم اليد العليا فى السيطرة بسلاحهم الجوى الذى ظنوا أنه سيردع المصريين إلى الأبد من مجرد التفكير فى العبور. ولكن هذه النظرية الوهمية التى فرضوا مضمونها فى الاتفاقيات جرى نسفها نسفاً هذه الأيام بفضل الأنفاق الرائعة تحت القناة التى يُحتَفَى الآن بقطع الشوط الأكبر فى إنشائها. وبات على إسرائيل أن تفكر بجدية، وبغض النظر عن نوايا مصر، فى أن الجيش المصرى صار بإمكانه أن ينتقل إلى سيناء عبر الأنفاق، بأسرع وقت وبأى أعداد وبأى عتاد، فى حالة إذا وقعت الواقعة ورأت مصر أن هذا فى مصلحتها الوطنية، وأن قرار مصر صار مُتَخَفِّفاً من الحسابات العسكرية المعقدة التى تَوَهَّم الإسرائيلون أنها أبدية. فقد صارت القناة الآن للقوات المصرية ساتراً حامياً بعد أن ظن الإسرائيليون أنها حاجز مانع، بل بات من الممكن للقناة، كغطاء هائل فوق الأنفاق، أن تُشكِّل أضخم وأفضل خندق تتمترس فيه القوات المصرية قبل أن تعبر إلى سيناء بكل طاقتها البدنية والنفسية ودون أى خسائر فى الأرواح والعتاد. بهذه الأنفاق، التى يُؤمَل أن تزداد أعدادُها، ومع التعجيل بالأنفاق المخصصة للسكك الحديدية، يتحقق لمصر تطور نوعى فى وضعيتها العسكرية ولا يستطيع أحد أن يوجِّه لها أدنى نقد بانتهاك الاتفاقيات المُلزِمة. وهكذا، نَقَلَ هذا الوضع الجديد الحسابات المعقدة من على كاهل مصر إلى الناحية الأخري. وهذه مكاسب تُضاف إلى ما يشيد به الجميع عن حق لما سوف تقوم به الأنفاق فى الحياة المدنية من وصل أطراف الوطن، والمساعدة فى تنمية سيناء..إلخ.