يتغافل بعضُ منتقدى مشروع تطوير قناة السويس من حاملى الجنسية المصرية أن اكتمال المشروع وتشغيل الأنفاق الستة الجديدة تحت القناة سوف يُحطِّم أهم بند قام عليه تصور إسرائيل العسكرى عن أن سيناء معزولة عن مصر بقناة السويس، وهو ما اعتبره قادة الحرب الإسرائيليون من هبات الجغرافية لهم، وتوهموا أنه قائم إلى الأبد، مما جعلهم يضعون تصورهم العسكرى الذى أصرّوا على فرضه فى اتفاقيات كامب ديفيد، وهو التصور الذى افترضوا فيه استحالة عبور القوات المصرية إلى سيناء إلا عبر القناة مما يجعل الجيش المصرى مكشوفاً للطائرات والصواريخ الإسرائيلية التى ظنوا أنها يمكنها أن تسحق المصريين. لذلك لم يُصرّوا فى المفاوضات على المساس بأوضاع الجيش المصرى غربى القناة، وركزوا كل طاقتهم على تقييد حجم القوات المصرية بدءاً من أول شبر شرقى القناة إلى داخل سيناء، وكان فى حساباتهم الاستراتيجية أن الأخطار والخسائر التى سيكبدونها للجيش المصرى المكشوف فوق القناة سوف تجعل حسابات صاحب القرار المصرى شديدة التعقيد فى مجرد التفكير فى العبور بالطريقة الوحيدة التى كانت متاحة عبر القناة. لقد التزمت مصر من جانبها التزاماً كاملاً بكامب ديفيد. ولكن السياسة لا تعرف الارتكان إلى مبادئ أو أوضاع مطلقة، وفى حالة نشوب حرب فى المستقبل القريب أو البعيد لأى سبب، فإن مصر، شأنها شأن أى دولة فى العالم وفى التاريخ، يجب أن تستغل كافة الممكنات لحماية شعبها وأرضها وأمنها الوطنى، لذلك فإنه، وبعد انتهاء المشروع، لن تكون القوات المصرية مضطرة إلى اختراق عازل القناة المكشوف والكاشف، وإنما يصير أمامها أن تنتقل بسلاسة من خلال الأنفاق الساترة الحامية، التى هى موضوعة أصلاً للاستخدامات المدنية المصرية فى ظل الحياة الطبيعية. ما لا تستطيع إسرائيل أن تغفل أو تتغاضى عنه أن هذه الأنفاق تعطى مصر إمكانية فريدة تُعظِّم من قوة الجيش المصرى، بأفضل، بما لا يُقاس، مما كانت توفره القناة التى كان يُشترَط للاستفادة منها أن يتم تعزيزها بقوات وأسلحة هائلة، كما حدث فى حرب أكتوبر 37، تمنع القوات الإسرائيلية من الاقتراب، بما يعنيه من تكاليف باهظة كان الإسرائيليون يعلمون أنها تؤثر بشدة فى الميزانية المصرية. أما عبر الانفاق فسوف يكون انتقال القوات المصرية برياً تحت القناة بطول عشرات الكيلو مترات دون حاجة إلى غطاء جوى، لأنها محمية بالفعل تحت غطاء القناة! المؤكد أن إسرائيل تدرس الآن ماذا تفعل بعد هذا التغيير الجوهرى فى صالح الجيش المصرى والذى قلب الأوضاع رأساً على عقب، بعد أن أضاف إمكانيات هائلة للقوات المصرية لم تكن متاحة قبل هذا المشروع، كما أنه يبدد الاطمئنان الذى عاشت فيه إسرائيل منذ كامب ديفيد. هذه الأوضاع الجديدة بعد تشغيل الأنفاق تجعل كل القيود على الجيش فى سيناء مجرد حبر على ورق، وتحطِّم ركناً ركيناً فى اتفاقيات كامب ديفيد كان السبب فى أهم ما واجهه السادات من انتقادات ضارية، لأن عبور القوات من الغرب إلى سيناء، من خلال الأنفاق، يمكن أن يتم فى أقصر وقت، بل إن هذه الأنفاق فى حالة الحرب هى أفضل مأوى للقوات بطول الأنفاق البالغ عشرات الكيلومترات وتحت ساتر القناة الرهيب الذى لا تستطيع ضربات الطائرات والصواريخ أن تخترقه أو تُهدِّده. فكرة الأنفاق العبقرية لا تتعارض مع التزامات مصر فى أى اتفاقيات مع إسرائيل أو مع غيرها، وهذا ما يكبِّل أى طرف من الاعتراض، كما أنها مخصصة أصلاً لخدمة مدنية ولمشروعات مدنية صرف تتعلق بتطوير القناة بتوفير الخدمات اللوجيستية للمشروعات الاستكمالية المخطط لها، والخاصة بترسانات إصلاح السفن وغيرها. ستكون هذه الأنفاق سلاح ردع ضد الآخرين، لأن عليهم أن يدركوا أنه فى حالة الحرب التى قد تتعرض لها مصر فى المستقبل، فإن الأوضاع لن تكون كما كانت مصر قبل الأنفاق. أما أن يهزل البعض الآن، فى ظل اعتراضاتهم الأوتوماتيكية مع كل ما يحدث فى مصر منذ الإطاحة بحكم الإخوان، ويظنون أنهم يدمرون المشروع بالاستظراف أنها ليست قناة وإنما هى ترعة أو تفريعة أو طشت..إلخ، ويحسبون كم سفينة سوف تعبر خلال خمسة أعوام، وإغلاق عيونهم عن كل البنود والتفاصيل الأخرى المهمة، فهذا لا يؤثر فى قيمة المشروع العملاق وإنما ينال من صدقيتهم ومن قدراتهم على الفهم والاستيعاب، خاصة إنهم، وبينما هم يهاجمون المشروع الترعة والتفريعة والطشت..إلخ، يقولون إنه مسروق من رئيسهم مرسى! فهل كان مرسى يخطط لترعة أو تفريعة أو طشت؟ ثم إن مشروع مرسى كان تحت عنوان «إقليم»، وكان ينوى أن يسلمه لدولة أخرى يعطيها سلطة مطلقة فى الإدارة ويعفيها من الالتزام بالقانون المصرى ومن المساءلة بالقانون المصرى أمام المحاكم المصرية..إلخ ثم، هل كان فى مشروع مرسى أنفاق؟ ومَن، فى مشروع مرسى، صاحب القرار فى تشغيل الأنفاق وفى منح حق المرور فى مرفق له هذه الأهمية؟ لقد كان الرئيس السيسى موفقاً فى منح الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مسئولية الإشراف على إنجاز المشروع، وفى أن يكون التمويل مصرياً بالكامل، وفى أن يكون التنفيذ أيضاً بسواعد مصرية، وفى أن تكون الملكية عامة لمصر، دون مشارَكة مع طرف آخر. لأنه مشروع وطنى عملاق ينشئ صناعات مدنية تستهدف أن تكون على أفضل مستوى فى العالم، كما أنه ينطوى على جوانب أخرى تتعلق بالأمن القومى لمصر، لا يمكن معه أن يكون فى يد أخرى أو أن يشارك فيه صاحب قرار آخر. وهذا يفسر اللوثة التى أصابت الأطراف التى خسرت من القضاء على طريقة مرسى فى انجاز المشروع، وأحَلَّت محلها رؤية أخرى قطعت الشوط الأول ولا يزال هناك الكثير. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب