كلنا شاربون من كأس المنايا، وماضون إلى دار حق لا تستثنى أحدا، ولكن إذا جاء الموت الذى تعددت أسبابه من فلذات الأكباد وفراشات صغيرة كنا نهدهدها وتحظى بخالص رعايتنا وحبنا وتنتزع العطف كله، عندها يكون للنهاية مرارة أخرى وأحزان لا تنتهي. هكذا كان لسان الجد الثمانينى الذى أنهكته الأيام وحنت الليالى ظهره، فهو كان موظفا فى السكة الحديد سنوات طويلة، ويقيم بحى البستان حتى يبنى مستقبلا لابنه وبناته ويفرح بالأحفاد. حرم نفسه من متع الدنيا، وجمع المال ليحافظ لأسرته على ما يمنعهم من غدر الدهر ومحنة الحاجة. و ظل الجد الذى ضعف بصره وظهرت أمارات الزمن على وجهه المحفور بالشقاء والتعب يحتفل بأحفاده ويدخل السرور عليهم ولا يبخل عليهم بالهدايا والعطايا، لكن حسام (19 سنة) ومحمد (17 سنة) العاطلين عن العمل واللذين تركا التعليم إلى الشارع وأصدقاء السوء، وابن عمتهم فتحى (19 سنة) نظروا إلى جدهم نظرة أخري، وبدلا من رد المعروف إليه فى الكبر ومساعدته وتلبية احتياجاته الضرورية شفقة عليه ورحمة به حيث يعيش بمفرده ، فقد خططوا لسرقة أمواله بالقوة . هو فى خيالهم ذلك الرجل الذى يملك ثروة كبيرة وأموالا لا تحصي، حيث يمتلك أراضى زراعية ويحصل على عائدها، وعمارة خمسة طوابق يحصل عائدا شهريا منها، وهو فى رأيهم تمتع كثيرا بملذات الدنيا وعليه أن يعطيهم الفرصة ليخرجوا من تحت الأنقاض . يدبر الشقيقان الأمر وشجعهما ابن عمتهما لأنه يحتاج إلى 50 ألف جنيه للتجارة ورفض أصدقاؤه إقراضه المبلغ . فى ليلة مظلمة نفذ الثلاثة خطتهم الماكرة، تسللوا إلى شقة الجد بهدوء وظلوا يعبثون فى حقائبه وكل مكان يمكن أن يخبئ فيه المال، وفجأة ظهر لهم الجد الذى عاد من الخارج فجأة وحاول الإمساك بخشبة ليدافع عن نفسه فعاجله فتحى بضربة على مؤخرة رأسه بحديدة كانت معه، وأكمل الشقيقان ضرب جدهم حتى سقط على الأرض مضرجا فى دمائه، وأكملوا بحثهم الهستيرى عن الأموال والمقتنيات لكنهم لم يجدوا شيئا سوى خيبتهم، وجريمة ودم ينزف ومستقبل ضاع . هربوا من المكان وبعد ساعات وصل الابن الأكبر للجد أحمد (47 سنة) لتفقد أحوال والده، وبسرعةأسعفه إلى مستشفى الطوارئ بالمنصورة بينما كان العجوز فى غيبوبة طويلة، اكتملت بصمته الأبدى بعد يومين . لم يسدل الستار على الحادثة لأن تقرير الطبيب الشرعى أكد كسر الجمجمة بضربة وإصابة العجوز بجرح قطعى بالرأس، متوقعا أن يكون هناك شبهة جنائية وراء الحادث، فتم القبض على الابن للتحقيق معه ثم أفرج عنه، وتمكن الرائد أحمد فريد رئيس مباحث السنبلاوين، والنقيب حسام صديق، من تشكيل فريق بحث لكشف غموض الحادثة بإشراف اللواء أيمن الملاح مدير أمن الدقهلية، و العميد محمد شرباش رئيس قسم مباحث المديرية، حيث تم ضبط الأحفاد القتلة الذين كانوا يمارسون حياتهم باعتياد، وشاركوا فى تشييع جثمان جدهم بدموع كاذبة وحزن مصطنع . حكايات الجيران كانت تثير الشكوك بأن الجريمة لم تخرج من بيت العجوز لأنه كتب قطعة أرض باسم نجله الأكبر فرفضت الشقيقات، وعندما قرر الرجل التراجع فى موقفه وإعادة الوضع إلى نصابه الشرعي، اشتعلت الأوضاع فى منزل الابن الأكبر وعند زوجته، فقرر الأبناء منع الجد من أن يمضى فى خطته بإلغاء منحه الأرض . واعترف الثلاثة أمام اللواء محمود خليل مساعد مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الامن العام، بتفاصيل جريمتهم وبرروا فعلتهم النكراء بمرورهم بأزمة مالية، وكانوا فى حاجة إلى الأموال، فأمرت نيابة السنبلاوين بإشراف المستشار أيمن عبد الهادى المحامى العام لنيابات جنوبالدقهلية، بحبسهم 4 أيام على ذمة التحقيق .