بحسبة بسيطة يكتشف الواحد أن ثلث عمره مر فى انتظار أشياء كثيرة. فى انتظار فوران كنكة القهوة فوق النار، فى انتظار أن يمتلئ السخان الكهربائى بقدر ما من الماء الدافى يكفى للإستحمام، فى إنتظار أن ينتهى العامل من ملء «تانك» البنزين، فى إنتظار الميكروباص « يحمِّل» ، فى انتظار الإشارة تفتح، فى إنتظار دورك فى طابور تحصيل النقود او دفعها، دورك فى الشهر العقارى أو فى شركة المحمول، دورك أمام باب الحمام فى محطة بنزين على طريق السفر، أو دورك ك «نيكست» فى ملعب الخماسى. فى انتظار أن ينضج الطعام، أن تبرد «الشوربة»، أن ينتهى تحميل الفيلم، أن يتحرك «المحور»، أن يأتى موعد الإمتحان، أو النتيجة،أى نتيجة، التحاليل و مقابلة العمل و العرض الذى قدمته أو الفويس نوت على «واتس آب»، أن ينتهى فيلم رديء تشاهده فى السينما مع شلة، أن يقوم الموبايل من غفلته بعد أن أغلقته لسبب ما، أن يحضر طبق «الشطة و الكمون» الذى طلبته من الكبابجى لتبدأ فى التهام الأكل «اللى نزل قدامك فعلا»، ان ياتى الجرسون ب «المنيو» أو «الشيك» أو «الباقى»، أن ينتهى شخص ما تحبه من سرد حكاية سمعتها قبل ذلك مئة مرة، أن تجف قطعة ملابس مغسولة تحتاج إليها هى بالذات فى هذه اللحظة، أن ينتهى المؤلف من الإسهاب فى الوصف حتى تصل فى الحكاية إلى الحدث، أن تنتهى الإعلانات التجارية التى تقطع المسلسل، أن تخرج العروس من عند «الكوافير». أن ينتهى المقرئ فى الجنازة من قراءة « ربع « اتدبست فيه» لأنك تلكعت فى مصافحة شخص ما قابلته فى العزاء صدفة، أن يؤذن المغرب عليك كصائم يحتضر يراقب الساعة و هى تقطع المسافة بين الثانية و الرابعة فى ست ساعات، أن تخلو إحدى غرف قياس الملابس فى محل ما فى موسم التخفيضات بينما تقف تحمل بنطلونا أعجبك سعره «لقطة»، أن يصل الأسانسير بك أو إليك، أن تجد موضعا أسفل دش الشاطئ عقب الخروج من البحر، أن تصعد « أنغام» إلى خشبة المسرح، أن يخرج «العيش» من الفرن، أن تخرج «الطعمية» من الطاسة، أن يخرج السمك من البحر، أن يمر نصف الوقت فى امتحان لم تكتب فيه حرفا حتى تغادر اللجنة، أن ينتهى الإمام من قراءة التشهد فى نهاية الصلاة بعد أن قرأته بينك و بين نفسك مرتين، أن تنتهى المقدمة الموسيقية حتى تعرف من المطرب و ما هى الاغنية؟، أن يصل عامل «الدليفرى»، أن يصل الأتوبيس الذى سينقل ابنك إلى المدرسة، ان يسقط طفلك فى النوم حتى تتفرغ لأمر ما. فى انتظار أن يضع الصنايعى لمساته الأخيرة حتى تستلم ما يخصك من الترزى إلى الميكانيكى، فى انتظار البحث عن «فكة»، أن يهبط عليك رزق الأفكار الصالحة للكتابة، أن يخرج كتابك من المطبعة، فى إنتظار أن يأتى النوم حتى تنجو من الأفكار التعيسة التى تحاصرك مهما خبات رأسك بين وسادتين، فى إنتظار الساعات التى حددها لك طبيب الاسنان حتى يمكنك أن تعود بعدها إلى الأكل و الشرب، فى إنتظار أن يغلى الماء بينما تقف أمام «الكاتل» تتأمل حبيبات الشاى الخرز المتراصة فى الكوب الفارغ، أن تذهب رائحة «البيروسول» حتى تدخل إلى غرفتك لتنام، فى انتظار فتاة الأحلام، فى انتظار أن تحل فتاة الأحلام عن «سماك»، فى انتظار إنتهاء «الهرى» فى الاستوديو التحليلى حتى تنتقل الكاميرا إلى ملعب المباراة المهمة التى تنتظرها، أن تنتهى فقرة السيوف المشتعلة فى الفرح، أن تنصرف الناس التى أوصلتك حتى منزلك ليلة فرحك أنت و العروس، أن يمر سريعا الوقت الذى تقضيه أمام باب الشقة بعد أن نسيت مفتاحك فى انتظار شريكك الذى يحمل مفتاحا، فى انتظار أن يفتح باب الطائرة عقب الوصول، فى انتظار أن تنزل الحقائب على « السير»، فى انتظار أن يجف «المانيكير»، و يذوب قرص الفوار، فى إنتظار «الفرخة تفك» و البطيخة «تسقع». يقضى الواحد هذه اللحظات ما بين ملل و وسواس قهرى وأحلام يقظة، قد تتحول الوقفة فى إشارة مرور إلى وقفة مع النفس، و قد تفور كراهية ما بداخلك قبل أن تفور كنكة البن، قد تتعسك مراقبة عقارب الساعة وهى تبهت فى عينيك، و ربما تقودك قلة الصبر إلى كل ما هو حماقة. الإنتظار قد يهلك الواحد إذا تجول فيه ب «الضجر»، وقد يكون هدهدة رائقة وشرطها الوحيد أمل ما فيما ننتظر.