تعرفت على الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل صاحب «دعاء الشرق» عندما كان عضواً فى لجنة النصوص بإذاعتنا المصرية فى مبناها القديم بشارع الشريفين التى كان يرأسها الشاعر الكبير أحمد رامى ويمثل جيل الشباب فيها الشاعر فاروق شوشة – رحم الله الثلاثة – وكانت تستقبل القصائد والأغنيات لشعرائنا الكبار الواعدين الذين صنعوا النهضة الغنائية فى مصر والوطن العربى وتوافق على بعضها وتطلب تعديل البعض الأخر وترفض مالا يرقى إلى المستوى المطلوب وفى حالة الموافقة تعرض النصوص على مراقب الموسيقى والغناء الموسيقار محمد حسن الشجاعى الذى يملك بقدرته وخبرته أن يقول هذا النص يصلح لأن يلحنه فلان ويغنيه فلان أو فلانة، وأذكر من هذه القصائد والأغنيات التى نسجها أصحابها عن الشرق وعن مصر رمانة الميزان فى الشرق كله – ويعترف جيلنا بقدرة من سبقوه من كبار الشعراء الذين انطلقت قصائدهم وأغانيهم من هذه الإذاعة العريقة فى حب مصر ومازلنا نرددها حتى الآن – رائعة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب التى لحنها وغناها بنفسه للشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل واستمعنا إليها بعد ثورة 23يوليو1952 من هذه الإذاعة العريقة التى يقول مطلعها: «يا سماء الشرق طوفى بالضياء.. وانشرى شمسك فى كل سماء.. كانت الدنيا ظلاماً حوله وهو يهدى بخطاه الحائرينا .. أرضهم لم تعرف القيد ولا خفضت إلا لبارئها الجبينا» فكانت هذه القصيدة من أروع ما غناه عبدالوهاب ورددته معه الملايين فى مصر والوطن العربى، ويتجلى عبدالوهاب أكثر ويبلغ قمة أدائه فى المقطع الذى يقول – وكأنه مكتوب الآن وليس بالأمس البعيد -: «كيف يمشى فى ثراها غاصب.. يملا الأفق جراحاً وأنيناً.. كيف من جناتها يجنى المنى ونرى فى ظلها كالغرباء» ويواصل عبد الوهاب غناءه إلى أن نصل إلى نهاية المقطع «نحن شعب عربى واحد.. ضمه فى حومة البعث طريق.. الهدى والحق من أعلامه.. وإباء الروح والعهد الوثيق.. أذن الفجر على أيامنا.. وسرى فوق روابيها الشروق» وقد ذكرنى دعاء الشرق لمحمود حسن إسماعيل وعبدالوهاب برائعة شاعر النيل حافظ إبراهيم التى نضعها فى مكانها اللائق تليفزيونياً وإذاعياً وأقصد هنا «مصر تتحدث عن نفسها» التى يقول فيها حافظ «وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبنى قواعد المجد وحدى» ويبلغ قمة تعبيره عن مصر ومكانتها «أنا إن قدر الإله مماتى .. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى.. ما رمانى رامٍ وراح سليماً .. من قديم عناية الله جندى» وأتمنى أن يأخذ دعاء الشرق لعبدالوهاب نفس اهتمام الإذاعة والتليفزيون برائعة حافظ ابراهيم التى تغنت بها أم كلثوم تلحين رياض السنباطى، وبذلك يكون لدينا رائعتان عظيمتان لقمتين كبيرتين أم كلثوم وعبدالوهاب، وأعود فأقول أن هذه النهضة الغنائية خاصة فى الجانب الوطنى منها لم تقف عند القطبين الكبيرين المذكورين ولكن أسهم فيها جيل عظيم من كتاب القصيدة والأغنية انطلقت إبدعاتهم من هذا المبنى العريق وانتقلت إلى مبناها العظيم فى ماسبيرو ليشارك فيها حسين السيد ومرسى جميل وشفيق كامل وصلاح جاهين وعبد الفتاح مصطفى واسماعيل الحبروك ومأمون الشناوى وكامل الشناوى صاحب «على باب مصر تدق الأكف.. ويعلو الضجيج أنا الشعب لا يعرف المستحيلا.. ولا أرتضى للخلود بديلا.. بلادى بلادى مرفوعة كالسماء» والتى أبدعها الثلاثى الخالد أم كلثوم وعبد الوهاب والشناوى وغيرهم الذين تغنى بأشعارهم عندليب الغناء عبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وشادية ووردة وغيرهم من ألحان كمال الطويل والموجى وبليغ والشريف ومكاوى وصدقى وغيرهم، فكل هؤلاء وهؤلاء أفنوا حياتهم فى حب هذا الوطن ومنحوا مصر هذا التراث الثرى من الغناء الوطنى الذى تردده الأجيال جيلاً بعد جيل.