«البنت حتة من أمها».. و»الواد طالع لأبوه».. «واللى خلف مامتش».. جميعها أمثلة شعبية تشير ببساطة شديدة إلى التشابه بين الآباء وأبنائهم والتى تصل أحياناً إلى صورة طبق الأصل، عندما يتشابه الإنسان فى الشكل، ويكون التوءم مثل أخيه،.. والبنت نسخة من أمها..، والابن صورة من أبيه.. وعندما يكتسب نفس الطباع والصفات أيضاً. تري.. هل التشابه فى الشكل وفى الصفات والطباع سببه ارتفاع درجة الحب بين الزوجين.. أم مجرد جينات وراثية؟... علماء الطب الوراثى يؤكدون أن للعوامل الوراثية دوراً كبيراً فى تحقيق الشبه بين أفراد العائلة الواحدة فى معظم الكائنات الحية.. ولا ينطبق ذلك على الشكل فقط بل يشمل حتى السلوك أو التصرف إذ أن تلك الصفات تتوارث من جيل إلى جيل بفعل انتقال الجينات وغالباً ما يحدث أن يطرأ على الكائن تغييرات واختلافات تتسبب فيها عوامل بيئية.. د. ليلى حسين استشارى الطب الوراثى تؤكد أن كل طفل له طباعه الخاصة التى تميزه عن أصحابه وغالباً ما تكون هذه الطباع متوارثة عن الأب والأم. والطفل عندما يولد يحمل فى جيناته مجموعة من الصفات الوراثية تصل فى مجموعها إلى نحو مائة ألف جين فضلاً عن مجموعة الجينات الخاصة به وحده مما يجعل من كل طفل فرداً مميزاً عن الآخر. وهذا يعنى أن الوراثة لا تقتصر على ما يتعلق بالتكوين الجسمى من صفات وملامح.. كشكل الوجه والطول والقصر ولون البشرة.. إلخ بل يمتد تأثيرها ليشمل أموراً تتصل بالتكوين العقلى كالذكاء وقوة العزيمة والإرادة ومقومات الشخصية كما قد يمتد تأثير الوراثة أيضاً ليشمل أموراً تتعلق بالفضائل مثل الكرم والبخل والشجاعة والجبن والتقوى أو عدمها. البيئة.. والوراثة أما د. محمود عبد الرحمن حمودة، أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة الأزهر فيقول: هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية تفسر السلوك الإنسانى وأسبابه وهى اتجاه يؤكد أهمية العوامل البيئية فى تشكيل السلوك.. أى أن الإنسان لايكون منذ الولادة ذكياً أو غبياً.. طيباً أو خبيثاً، بل هو صفحة بيضاء تنقش عليها البيئة مجموعة من الصفات، فعن طريق البيئة تظهر الإمكانات والصفات الجيدة وغير الجيدة. أما الاتجاه الثانى فيؤكد أهمية العوامل الوراثية فى تشكيل السلوك، وأنصاره يعتقدون أن أى فرد يولد بسمات وقدرات ثابتة غير متغيرة، وهذه العوامل جعلت بعض الأشخاص أذكياء والبعض بلداء. والاتجاه الثالث يؤكد أهمية تفاعل عاملى الوراثة والبيئة فى تشكيل السلوك إلا أنهم اختلفوا فى الكيفية التى يحدث فيها التفاعل. وكثيراً ما نسمع فى محيط عوائلنا وفى البيئة الاجتماعية أن فلاناً يشبه أمه فى صفات ما، أو أنه يشبه أباه فى صفات أخري.. لفظة الشبه هنا تستعمل لتدل على وجود صلة أكيدة تصل بين الابن وأبويه أى أنه ورث صفات والديه أو اتصف بها.. إن مثل هذه الأقوال لا تخلو من الصحة خصوصاً بعد أن أستندت علمياً وأن الشيء الذى يصل بين كل من الأبوين وأبنائهم هو الخلايا الجنسية وكل منهم يحمل نصف جينات الأم والنصف الآخر جينات الأب حيث تنقل الجينات إلى الوليد. العواطف الدافئة وتضيف د. زينب شاهين أستاذة علم الاجتماع قائلة: هناك حقيقة عامة يجب معرفتها وهى أن تبنى الطفل لقيم ومعايير والده يعتمد على مقدار الدفء والحب اللذين يحاط بهما فى علاقته بوالديه, ومن خلال هذه الحقيقة نستطيع أن نرى أن الطفل الذى يوجد بقوة مع الوالد يكون أسرع بالطبع فى تبنى المعايير السلوكية لذلك الوالد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الطفل الذى يتمتع بعلاقة دافئة مع والده يكون حريصاً على الاحتفاظ بهذه العلاقة ويخشى بدون شك من فقدانها، فمعظم الأطفال يقلقهم بالطبع احتمال فقدان العطف والحب اللذين يتمتع بهما مع والديه ولذلك فهو يحافظ على معاييره السلوكية حتى يقلل من حدة ذلك القلق. وبعبارة أخري، فإن الطفل الذى لايشعر بحب والديه لا يكون لديه ما يخشى على فقدانه وبالتالى فإنه يصعب أن نتصور فى هذه الحالة كيف يمكن أن يتمثل الطفل معايير وقيم المجتمع الذى ينتمى إليه.