بالتوازى مع ظهور الوجه «القبيح» للإرهاب الذى يطل علينا بين الحين والآخر فى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، تطل علينا وجوه لشباب وفتيات تبعث الأمل فى النفوس، وتعطى دروسا لمن يتسرب اليأس إلى نفوسهم بأن مصر قوية بأبنائها. فتاة العريش، واحدة من الفتيات اللاتى يحاربن الإرهاب والتطرف بطريقتهن الخاصة، بالعمل والتفوق ورفع أسم مصر عاليا، بتحقيق البطولات إفريقيا وعالميا، بعدم الاستسلام للإعاقة، وصناعة التحدى من فوق كرسى متحرك.
فتاة العريش، صاحبة قصة اليوم هى فادية سمير (39 عاما)، تعلنها قوية أن الإرهاب لن يمنعها من تحقيق أحلامها، وتحلم بتحسين تصنيفها فى رياضة تنس الطاولة عالميا.. فادية روت لنا كيف تحدت إعاقتها وانتصرت على الوضع الإرهابى فى مدينتها. تقول فادية: رفض أهلى ألتحاقى بالمدرسة لأتعلم مثل بقية أخوتى، خوفا على واعتقادا منهم أن إصابتى بشلل الأطفال وجلوسى على كرسى متحرك يشكل معاناة تجعل فكرة ذهابى إلى المدرسة رحلة مؤلمة، لذلك حرمت من التعليم، وكنت أشاهد أخى يقرأ ويكتب وهو يذاكر دروسه، فأنظر إليه منبهرة، وسرعان ما يتبدل شعورى إلى حسرة لعجزى عن القيام بما يفعله، وطلبت منه كثيرا أن يعلمنى القراءة والكتابة، وكل مرة كان الرد واحدا لا يتغير، وهو أنه ليس لديه وقت لانشغاله بدروسه، ورغم ذلك لم أيأس، وعندما سمعت عن فصول محو الأمية وكنت وقتها فى العاشرة من عمرى تقدمت فورا وحرصت على الحضور حتى أتقنت القراءة والكتابة. رحلة التعليم من المنزل وتكمل فتاة العريش: بعد ذلك تمنيت أن التحق بالمدرسة، فتقدمت إلى إحدى مدارس المرحلة الإعدادية وتم قبولى باعتبار شهادة محو الأمية تعادل الشهادة الابتدائية، وحصلت على الشهادة الإعدادية «منازل»، بعدها عملت مشرفة أمن بالمدرسة، وبعد فترة شعرت بأن ذلك غير كاف، وأنى أرغب فى المزيد من العلم والعمل، فتقدمت مرة أخرى للحصول على دبلوم التجارة إلى جانب عملى ومرت الأيام حتى حصلت عليه، وتركت عملى بالأمن والتحقت بقسم السكرتارية، وقتها شعرت بأنى حققت أول حلم فى حياتى. مارست الرياضة بالصدفة تضيف فادية: علمت والدتى بوجود نا لذوى الإعاقة بمدينة العريش، فتقدمت بأوراقى، وتم قبولى، واعتبرته متنفسا لى يخرجنى من عالم العزلة، وأصبحت أذهب ثلاث مرات أسبوعيا إلى النادى، حيث يمر الأتوبيس الخاص بالأعضاء على المنزل، يأخذنى إلى النادى، وكانت أول لعبة جذبت انتباهى هى الكرة الطائرة، ولكن لم أستمر بها نظرا لأنها لعبة جماعية وبقية اللاعبات كن يلعبن دون اهتمام بتحقيق بطولات، لذلك توقفت، ثم اختارنى مدرب لعبة تنس الطاولة، وطلب منى الانضمام إلى الفريق، وانتظمت فى أداء التمرينات المختلفة، وبعد أكثر من خمس سنوات من التمرين المنتظم حققت الفوز بالمركز الثالث فى بطولة الجمهورية، وبعدها بعام حصلت على المركز الأول فى بطولة الجمهورية أيضا. الانضمام للمنتخب وتذكر فادية : فى عام 2011 تم اختيارى ضمن فريق منتخب مصر لتنس الطاولة لذوى الإعاقة، وأصبحت أذهب كل يوم جمعة من العريش إلى المركز الأوليمبى بالمعادى للمشاركة فى معسكر التدريب، وأعود يوم الأربعاء، وبعد شهرين من التدريب الجاد شاركت فى بطولة أفريقيا وحصلت على المركز الأول، وكنت ضمن أربعة أشخاص هم فقط من كتب لهم الفوز فى البطولة، كان أصعب تحد واجهنى فى هذه البطولة هو منافستى لبطلة جنوب إفريقيا «روز» التى تزيد خبرتها عنى بنحو عشرين عاما، ورغم ذلك انتصرت عليها. وتضيف: ثم تأهلت للمشاركة فى أوليمبياد لندن عام 2012، وأصبح التصنيف الخاص بى هو بطلة إفريقيا ورابع عالم، كما سافرت إلى 6 دول مختلفة ضمن الاستعداد للمشاركة فى الأوليمبياد من أهمها، إيطاليا، فرنسا، كوريا والأرجنتين، وقبل بدء فعاليات البطولة بيومين سقطت على الأرض فى أثناء التمرين، وحدث لى قطع فى ثلاثة أوتار بالذراع اليسرى، ورغم ذلك لم انسحب، بل شاركت معتمدة على اللعب بالذراع اليمنى، لكن لم يكن الفوز من نصيبى، وبعد فترة علاج عدت مرة أخرى إلى التمرين والبطولات المختلفة التى كان أخرها بطولة كأس مصر منذ ثلاثة أشهر وحصلت فيها على المركز الأول. العريش الحزينة بمجرد أن سألتها، كيف تأثرت العريش بالإرهاب؟ قالت بعيون باكية، وقلب أكثر بكاء وألما: أهل العريش مسالمون إلى أقصى درجة، فالمدينة كلها تتكون من قبائل وعائلات، وأنا أنتمى إلى عائلة الجبالي، ولم نكن نسمع عن حادثة قتل واحدة أو شجار من قبل، ولكن تغيرت الأحوال تماما وأصبح الموت والدماء مسيطرين على المدينة. وأكملت: العريش الآن لا تعرف غير الحزن على أبنائها شهداء مسجد الروضة، ولكن أقولها قوية، الإرهاب لن يمنعنى من تحقيق أحلامى، ولن يسلب مدينتا الحياة، وقد تأثرت بشكل شخصى من الناحية النفسية بعد الحادث، ولكن بمجرد فتح باب النادى للتدريب قريبا سوف أنزل من بيتى وأنتظم فى التدريبات استعدادا لبطولة الجمهورية المقبلة التى يعتبر الفوز بها حلما صغيرا من أحلامى الكثيرة التى اسعى لتحقيقها. وفى النهاية تقول فادية: أتمنى أن ينال أبطال الأشخاص ذوى الإعاقة اهتماما مثل نجوم الكرة المصرية، حيث إنه لم يتم تكريمى من وزارة الشباب والرياضة أو أى جهة معنية حتى الآن، رغم كل ما حققته من بطولات دولية، أما الدعم المادى فهو قليل، وأكبر مكافأة حصلت عليها هى 150 جنيها بعد حصولى أخيرا على بطولة كأس مصر.