تعد مرحلة ما بعد الستين لكثير من الناس مرحلة السعادة الحقيقية، بعد أن يتحرر الإنسان من قيود وروتين العمل والتخلص من أعباء كثيرة، فيقبل على الحياة بصورة أكثر شبابا وحيوية، فالخبراء يسمون هذه المرحلة: «ربيع العمر الحقيقي»، وهى فرصة للإنسان لالتقاط الأنفاس، فيجد الوقت والمتسع لإنجاز أحلامه والتواصل مع الأهل والأصدقاء، والتفرغ لهواياته ويكتشف نفسه بعد تأمل الإمكانات الداخلية، كما أنها فرصة أيضا لصلة الرحم من الأقارب لربطهم وتعارف الأجيال الجديدة والأسر، إضافة للتفرغ لتنظيم شئون الأسرة فلا يتوقف المسن عن العطاء. د. محمد حسن غانم أستاذ ورئيس قسم الصحة النفسية بجامعة حلوان أكد أن هذه المرحلة تعد أهم وأخصب مرحلة فى حياة الإنسان من حيث الخبرة وسهولة تسيير الظروف، ولكن الأهم ألا يسمح هذا التغيير للتأثير السلبى على التفكير والمعيشة والعلاقات مع الآخرين، بل يصبح صاحب المعاش أكثر فاعلية وعطاء للمجتمع والإسهام بجهده وخبرته فى مواقع الأنشطة، فيتجه للعمل فى أى مجال يتقنه، أو إقامة مشروع خاص يستطيع إدارته أو يتجه للعمل التطوعى بالجمعيات الأهلية أو المدارس التى تعانى عجزا فى مجال تخصصه، مع وضع برنامج يومى ثابت لممارسة الرياضة العضلية أو المشى لمدة نصف ساعة على الأقل، ولقاء الأصدقاء وارتياد دور العبادة، وكذلك الاتجاه للأعمال الأدبية بالقراءة والتأمل ومتابعة الأحداث والأخبار، وإشباع رغبة الكتابة والتأليف ومحاولة إتقانهما، وليبدأ مثلا بكتابة العناصر المهمة والإيجابية فى حياته وخبراته المفيدة للأجيال، فقد تزوج الأبناء وانصرفوا لحياتهم، وأصبحوا أصدقاء، وربما رحل أحدهم أو رفيق العمر، ومع ذلك يطالبنا الله بأن نؤدى رسالة إعمار الأرض وننشر الخير والسعادة على الآخرين مدى حياتنا، فسنة الحياة لا تعرف اليأس أو الضعف ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لذلك ليست الشيخوخة عقبة فى ممارسة الحياة الطبيعية مع ظروف التقدم فى العمر والراحة وعلاج الأمراض المرتبطة بها أيضا . وأضاف: إن أهم ما يجب أن يراعيه كبير السن هو عدم القلق الشديد المرتبط بهذه المرحلة، مثل القلق على الصحة وتوهم الإصابة بالأمراض أو مضاعفاتها بما يثير التوتر دائما، وكذلك القلق من مرحلة الانفصال عن العمل والزملاء، والاتجاه للمقاهى لإضاعة الوقت والاستغراق فى الماضى والذكريات، ويمكنه أن يكتشف أن ظروفه الحالية أفضل من حيث تربية الأولاد وأداء رسالته وسعادة أسرته وتوافر وتقدم وسائل الراحة والرعاية والعناية والعلاج. ويرى أستاذ الصحة النفسية أن المحيطين بالمسن عليهم واجبات أساسية أيضا فى رعايته، بإشعاره بقيمته وأنه عضو مهم فى الأسرة والمجتمع، وتوفير الرعاية الصحية والجسدية والنفسية، فإذا كان لايجد من يرعاه فى السن المتأخرة يتجه لدور رعاية خاصة مناسبة لحالته وتنشيط دوره بالنوادي, وتخصيص نواد أخرى خاصة بالمسنين لممارسة حياة طبيعية من عقد ندوات وممارسة أنشطة ورحلات وتنمية مواهبهم فى صناعة أدوات فى مشروعات مثل الأسرة المنتجة، وتنظيم برامج إرشادية لهم لتقبل فكرة التقاعد والتكيف معها، والحرص على الحماية الصحية لحواسه التى تتأثر بفعل السن.