◙ كل هذه القرارات وافقت عليها الولاياتالمتحدةالامريكية ،وهي تؤكد بوضوح أن القدسالشرقية أرض عربية محتلة ،ولا يجوز تغيير الأوضاع الديموجرافية أو السياسية فيها ، وأن أي تغيير يعتبر باطلاً ولا يعتد به . في سابقة خطيرة تنذر بحقبة جديدة من الصراع في الشرق الأوسط ،ورغم تحذيرات ورفض عربي ودولي واسع النطاق، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب، من جانب واحد، اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالقدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، وتنفيذ قرار الكونجرس الأمريكي السابق صدوره في عام 1995 بنقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب الي القدس .وكان «ترامب» قد استبق إعلان قراره بتصريح يبرر فيه أسباب اتخاذ القرار ، ويزعم أنه تأخر كثيرا. ولا شك أن إعلان هذا القرار وفي التوقيت الراهن، وفي ظل التوترات والصراعات وأعمال العنف الشديدة التي تشهدها المنطقة، وبعدما أحجم الرؤساء الأمريكيون السابقون منذ عام 1995عن تنفيذه، ينسف جهوداً كثيرة تم بذلها لإقرار الأمن والاستقرار والتعاون في المنطقة، ويضع بذور صراع مستمر فيها. ذلك أن لمدينة القدس وضعية خاصة في الصراع العربي الإسرائيلي منذ نشأته .وقد اعترفت كل القرارات الصادرة عن الأممالمتحدة بهذه الوضعية ورفضت الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلي تغييرها. الوضع الخاص لمدينة القدس: بموجب قرار الجمعية العامه للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947 بالموافقة علي مشروع تقسيم فلسطين، والقرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11ديسمبر1948 الذي يقضي بتدويل منطقة القدس، تم وضع نظام للإدارة الدولية لمدينة القدس نظراً لاحتوائها علي الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود. ويشمل النظام الدولي بلدية القدس، أي مدينة القدس بأكاملها بما فيها من أحياء قديمة وحديثة وقري محيطة بها والتي تشكل معها وحدة واحدة، تم تحديد مشتملاتها في خريطة ألحقت بقرار التقسيم، إلا أن النظام الدولي للقدس لم ير النور نتيجة لمعارضة كل من البلاد العربية وإسرائيل لتدويل القدس، فبقي النظام المقترح حبراً علي ورق. وخلال الخمسينيات كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت مدينة القدس الجديدة بأحيائها العربية، وسيطرت القوات الأردنية علي مدينة القدسالشرقية بما فيها الأماكن المقدسة كلها. وفي 7 يونيو 1967 احتلت إسرائيل مدينة القدس بأكاملها ،عقب عدوانها الذي بدأ في 5 يونيو . وفي اغسطس عام 1980 أقدمت إسرائيل علي ضم القدسالمحتلة واعتبرتها عاصمتها الموحدة .وكان هذا العمل من جانب إسرائيل تحديا للمجتمع الدولي بأسرة ، وإنتهاكاً لمبادئ القانون الدولي ، الذي أخذت جميع دول العالم علي عاتقها احترامها والالتزام بها، ومن ضمنها إسرائيل نفسها. وكان الهدف من لجوء إسرائيل الي هذه الإجراءات تثبيت أقدامها تدريجياً في الأراضي العربية المحتلة، متبعة في ذلك سياسة إقامة المستوطنات الإسرائيلية، لتكون في المستقبل بمنزلة أمر واقع تفرضه علي الدول العربية ، كما فعلت في عام 1948. ولم يكن أمام دول العالم إلا أن ترفض نقل سفاراتها الي ما اعتبرته إسرائيل عاصمتها الأبدية، وإن كان بعضها قد أقام بعثات قنصلية هناك. عدم شرعية تغيير الوضع القانوني للقدس: عكست مواقف دول العالم من احتلال القدسالشرقية في عام 1967 الوضع الخاص للمدينة. وفي هذا الصدد، أعلنت الولاياتالمتحدة في 14 يوليو 1967 علي لسان ممثلها في الجمعية العامة «أرثر جولد برج» انها زتعتبر القدسالشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 هي منطقة محتلة تخضع لقانون الاحتلال الحربي، ولا يجوز لإسرائيل أن تدخل عليها أي تغييرات، ولذلك فإن التغييرات التي أدخلتها إسرائيل علي المدينة تعتبر باطلة ولا تمثل حكما مسبقاً علي الوضع النهائي والدائم للمدينة. وفي 14 يوليو 1967 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً استنكرت فيه عدم إذعان إسرائيل إلي تنفيذ قرارها رقم 2253، الذي كانت قد أكدت فيه عدم شرعية الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع المدينة، وكررت دعوتها لها لإلغاء كل الإجراءات التي اتخذت والامتناع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس. وفي الأول من يوليو 1969 أكدت الولاياتالمتحدة أمام مجلس الأمن مرة أخرى علي لسان السفير «شارلز يوست» مندوبها الدائم لدي المنظمة العالمية «ان القدس التي وقعت تحت سيطرة إسرائيل في حرب عام 1967 مثلها مثل مناطق أخري احتلتها إسرائيل «تعتبر منطقة محتلة تخضع لقواعد القانون الدولي الذي ينظم حقوق والتزامات دول الاحتلال ، والتي تقضي بأن دولة إسرائيل لا يحق لها أن تحدث تغييرات في القوانين أو الإدارة». وفي إطار الخطابات المتبادلة الملحقة بوثائق «كامب ديفيد» حول القدس، ورد برسالة الرئيس «جيمي كارتر» إلي الرئيس انور السادات بتاريخ 22 سبتمبر 1978 «ان موقف الولاياتالمتحدة بشأن القدس يظل هو نفس الموقف الذي أعلنه السفير «جولد بيرج» امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 يوليو 1967 وهو ما أكده من بعده السفير «يوست» امام مجلس الأمن في أول يوليو 1969». كذلك جاء في رسالة التطمينات الامريكية الي الفلسطينيين بتاريخ 18 أكتوبر 1991 «ان الولاياتالمتحدة تفهم الأهمية التي يعلقها الفلسطينيون علي مسألة القدسالشرقية، ولهذا نريد أن نطمئنكم إلي أن لا شيء مما سيقوم به الفلسطينيون لاختيار أعضاء وفدهم في هذه المرحلة من العملية سيؤثر علي مطالبتهم بالقدسالشرقية او يشكل حكماً مسبقاً أو سابقة لما سينتج عن المفاوضات. ويبقي الموقف الثابت للولايات المتحدة متمثلا ًفي أنه لا يجب أن تعود مدينة القدس مقسمة مرة أخري، وأن وضعها النهائي يجب أن يتم تحديده بالمفاوضات. ولهذا لا نعترف بضم إسرائيل للقدس الشرقية أو توسيع حدودها البلدية ونشجع كل الأطراف علي تجنب الإجراءات من جانب واحد، والتي قد تزيد من حدة التوتر المحلي او تصعب من المفاوضات أو تستبق تقرير نتائجها النهائية...وبالإضافة لذلك فإن موقف الولاياتالمتحدة يتمثل ايضا في انه بإمكان فلسطينييالقدسالشرقية المشاركة بالتصويت في انتخابات سلطة حكم ذاتي انتقالية ...وتساند الولاياتالمتحدة كذلك حق الفلسطينيين في طرح أي مسألة ، بما في ذلك مسألة القدسالشرقية ،علي مائدة المفاوضات». وفي وضوح شديد أكد إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي الموقع في واشنطن في 13سبتمبر1993 في المادة 5/3 الخاصة «بالفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم انه» من المفهوم ان هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية بما فيها القدس، واللاجئين، والمستوطنات ،والترتيبات الأمنية ،والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين، والمسائل الأخري ذات الاهتمام المشترك». كما نصت الفقرة الرابعة من نفس المادة علي اتفاق الطرفين علي أن «لا تجحف او تخل اتفاقيات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم». كذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار لها في 3 ديسمبر 2003شجب قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية الي القدس . وفي قرار لها في 7 ديسمبر 2007 تشير إلي أن محكمة العدل الدولية قد خلصت إلي أن إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدسالشرقية ،تمثل خرقاً للقانون الدولي. وفي 6 فبراير 2016 تعيد الجمعية العامة تأكيد انطباق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949 علي الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بما فيها القدسالشرقية . وفي قرارات أخري لها صادرة في 10 ديسمبر 2009، 9 ديسمبر 2015، أول ديسمبر 2017 تؤكد الجمعية العامة من جديد رفضها بناء اسرائيل مستوطنات في القدسالشرقية ، وأنها تعتبر أي خطوات تتخذها إسرائيل لفرض قوانينها وولاياتها القضائية وإدارتها علي مدينة القدس غير مشروعة ولاغية، ودعت دولة الاحتلال الي «احترام الوضع القائم تاريخياً في المدينة». قرارات مجلس الأمن تدين ضم القدسالشرقية ولا تعترف بها عاصمة لإسرائيل: يمثل قرار الرئيس الأمريكي الأخير بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس تحدياً صارخاً للشرعية الدولية ، وتعارضاً صريحاً مع أحكام القانون الدولي، وجميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في هذا الشأن ، وفي مقدمتها قرار رقم 250 عام 1968 الذي أبدي الأسف لإقامة العرض العسكري الإسرائيلي في القدس في 2 مايو 1968 والقرار رقم 253 لعام 1968 الذي اعتبر جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها اسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي الي تغيير في الوضع القانوني في القدس إجراءات باطلة ولا يمكنها تغيير الوضع فيها ، والقرار 267 لعام 1969 الذي أكد أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل من أجل تغيير وضع المدينة هي اعمال باطلة ، والقرار 298 لعام 1971 الذي اكد فيه المجلس ذ بأوضح العبارات الممكنه أن جميع الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس لاغية تماما ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع بأي حال من الأحوال ، والقرار 465 لعام 1980 الذي دعا إلي إزالة المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الأرض المحتلة ومن بينها القدسالشرقية ، والقرار 478 لعام 1980 الذي دعا جميع الدول الي عدم نقل بعثاتها الدبلوماسية الي مدينة القدس ، والقرارات 672 لعام 1990 ، 673 لعام 1990 ، 904 لعام 1994 التي أدانت إسرائيل لارتكابها اعمال عنف ضد الفلسطينيين بمناسبة المذبحة التي شهدتها ساحة المسجد الأقصي في أكتوبر 1990 ، ووصفت القدس بأنها أرض محتلة. وتتوالي القرارات الصادرة من مجلس الأمن في نفس الاتجاه عاماً بعد عاماً، ونراه يؤكد من جديد في القرار رقم 2334 بتاريخ 23 ديسمبر 2016 أنه يعتبر أن إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة ، بما فيها القدسالشرقية ليس له أي شرعية قانونية . وكل هذه القرارات وافقت عليها الولاياتالمتحدةالامريكية ،وهي تؤكد بوضوح أن القدسالشرقية أرض عربية محتلة ،ولا يجوز تغيير الأوضاع الديموجرافية أو السياسية فيها ، وأن أي تغيير يعتبر باطلاً ولا يعتد به . فالأممالمتحدة إذ تقرر عدم شرعية التغييرات الإقليمية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي علي الدول العربية وتقرر عدم شرعية الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل نتيجة احتلالها أقاليم هذه الدول ، فإنها تؤكد بطلان هذه التصرفات التي تصدر بالمخالفة لقواعد القانون الدولي ، وتدعم مبدأ الشرعية . ولما كانت هذه القواعد تتعلق بالمصلحة العليا والأساسية للمجتمع الدولي، فإن المخاطبين بها لا يملكون إلا الانصياع لأحكامها ، ولا يجوز اتخاذ أي إجراء يخالفها بالإرادة المنفردة لأي دولة من الدول، لأنها قواعد مضمونة بجزاء حاسم ، يتمثل في بطلان كل تصرف يحدث انتهاكاً لها بطلاناً مطلقاً. وفي ضوء ما تقدم يتضح أن ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي من نقل السفارة الأمريكية الي القدس يمثل تراجعاً صريحا عن الأسس التي أقرتها الحكومة الأمريكية للتسوية وفق صيغة مدريد ، كما أنه يتناقض مع مبادئ التسوية السياسية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يفترض أن ترعاه الولاياتالمتحدةالأمريكية بمشاركة من روسيا الاتحادية ودول الاتحاد الأوروبي ، علي أساس أن صيغ الاتفاقات التي تم التوصل إليها وضعت قضية القدس في إطار مرحلة القضايا النهائية التي لا يمكن تغيير الأوضاع القائمة بشأنها في الوقت الراهن. كما أنه يتناقض مع الضمانات التي قدمتها الولاياتالمتحدة للدول الأطراف في عملية السلام بعدم اعترافها بضم القدسالشرقية. وعليه فإن القرار الأمريكي يشكل استباقاً لمفاوضات الوضع النهائي لمدينة القدس، كما يشكل محاولة لفرض واقع جديد، مما يجعله يتسم بالإجحاف والاستهانة بمشاعر العرب والمسلمين والمسيحيين، فضلا عما يمثله من مخالفة صارخة لكل المواثيق والأعراف الدولية . وهو بهذا يتضمن دعوة صريحة لتصعيد أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية بل وفي المنطقة بأسرها مما يؤثر حتماً علي عملية السلام، ولا يمكن إلا أن تكون له آثار سلبية علي أي حديث أو ترتيبات تتعلق بالتعاون الإقليمي. وقد جاء الموقف المصري، علي المستويين الرسمي والشعبي ، حاسما في رفض قرار الرئيس الأمريكي ، وداعياً الي وحدة الصف والخروج من حالة التمزق التي يعيشها عالمنا العربي الآن ، واتخاذ موقف حازم تجاه إلغائه، مؤكداً أن الاستمرار في تنفيذ القرار قد تترتب عليه نتائج وخيمة علي التسوية السلمية لمشكلة الشرق الأوسط . إن الحق لا يبني علي الخطأ. وحين يكون هذا الخطأ متعلقا بمحاولة التغيير الإقليمي بين الدول، فإننا نصبح أمام حالة من حالات الانتهاك الصارخ للقواعد القانونية للنظام الدولي العام، وهو ما ينبغي ان تتكاتف كل الجهود ضده والتحذير من مخاطره ووقفه. لمزيد من مقالات ◀ بقلم د. مفيد شهاب