يأتى الشتاء ومعه موجات قاسية من الحزن والألم. كلنا نشعر بالحزن المفاجئ احيانا فى الشتاء ولا نجد سبيلا سريعا للتخلص منه. نغلق على بابنا آلامنا غير المفهومة أحيانا- ونظل نتألم ببطء كأنما نمضغ أرواحنا. نلوك أنفسنا حتى نعتصرها من الضيق، و نحاول ان نجد فى الكون علاجا لحزننا البالغ. نقاوم أشياء كثيرة فى رحلة الحياة من تعثر لمرض لحروب آخرين، لكن الحزن المفاجئ وحده يجتاحنا. هل هناك حلول حقيقية للخروج من الحزن؟ حتى ضحكة الاطفال و طبطبة أيادى المحبين وطموح العمل قد لا تستطيع اخراجنا بسهولة من الحزن. انه ليس حزن الاكتئاب لكنه الحزن النبيل. ربما نعرف له الف سبب و قد لا نفسر له سببا واحدا. تحزننا قسوة الانسان فى الارض، ويحزننا البؤس الذى يعانيه الملايين. تحزننا أنانية الجنس البشرى و تحزننا خيانة العهد. يحزننا الطمع ويحزننا الجور على حقوق الآخرين، واللدد والعنف فى الخصومة. يحزننا الاذى و اضطرارنا الى الدفاع عن أنفسنا. يحزننا الخوف من الغد ، والخوف من غضب الله و الخوف من العقاب. يحزننا ان حال الدنيا هكذا، وشكل الحياة كذلك. نتمنى ألا يكون هناك انشغال بالغد أو قلق على مصير الاحباب و الابناء. كلما أحببت الآخرين، خفت عليهم وحزنت بشأنهم. يحزننا حتى إن نحزن أصلا رغم أن بعضنا مؤمن بالتفاؤل والإيجابية والحب والتسليم لله والسخرية من كل شىء. ماذا لحق بأرواحنا لكى تتآسى مع الحزن المفاجئ؟ الكثير منا أقوياء لا تهزمهم بسهولة الأحداث ولا الأهوال. يخوضون المعارك بقوة وفجأة يصبحون كائنات هشة ؟ هل هو الخوف على أشياء أو بشر ان يضيعوا منا بسبب الحزن؟ أين ايماننا بالخالق وبمعجزة الدنيا ؟ هل الحزن فوق قدرتنا على الاحتمال، أم هل اصبحنا مرهفين الى الدرجة التى لا تجعلنا نطرد الحزن بمجرد أن يقرع بابنا؟ هل نحن كبشر نحتاج الى الحزن كى تنصلح ارواحنا قليلا. هل الحزن احتياج ملح يذكرنا بأننا لسنا فولاذا بل كائنات رقيقة؟ الحزن يشبه جبلا من السحاب الثقيل فى أرواحنا، يثقل أنفسنا ولا نجد يدا تمتد لنا لترفع هذا الحمل. لابد ان نمارس تدريبات التخفف من الحزن كأن نكتب مثلا فنخرج بعضا مما فى داخلنا فى صورة كلمات. أحيانا فى الحزن يصعب علينا حتى إن نحكى لأحد، فالكلمات ثقيلة و مجرد التلفظ بها وإلقائها على مسامعنا حمل فوق الحمل. قد تعالجنا الموسيقى كما عالجتنا دوما و كانت ترياقا لنا فى لحظاتنا الصعبة. لكن أحيانا يجئ الحزن فى توقيت سيئ تماما ونحن نحتاج لكل نشاطنا وحيويتنا لنحقق أمورا جليلة، كأن أحدا قذفنا بجردل ماء مثلج ونحن نتأهب للذهاب لسهرة أو لحفل بهيج. كأنه دخل بدون استئذان فى عروقنا ونحن نهيئ انفسنا لمسابقة مهمة. بعض الناس يسمون هذا حزنا وجوديا، يزداد كلما ازداد كشفنا لحقائق الدنيا والبشر، ويتضاعف كلما اكتشفنا ماهية الاشياء. أنت تعرف أن الحب قليل والآخرين على اختلاف درجاتهم يعانون، والنور قليل ونحاول ان نجعله يتضاعف، وأن الحكمة فى الكتب و تجارب الحياة ولا أحد يقربها. نحن نعرف ان الزيف كبير ومتضاعف والمشاعر الحقيقية قليلة، وانك وحيد فى هذا الكون مهما أحبك المقربون. صحيح الاختلاف نعمة بينك وبين الآخرين، والخلاف فى الآراء ثراء للموضوعات و القضايا.لكن قلوبنا تنوء فى أوقات كثيرة بما تحمل، ويفيض بها من وعثاء السفر فى الدنيا. كثيرا ما أتامل حالى وحال الآخرين حولى، وأسال نفسى مرار لماذا نتأثر بدرجة كبيرة بكلمات الآخرين الحادة، ونحن نستطيع ان نتجاهلها و نرميها فى عرض البحر مادامت ضمائرنا نظيفة. لماذا نحزن من التقليل من قدر بعض البشر مادامت رحلة الحياة تثبت لنا أن الله عادل و قادر على تعويضنا بأفضل الصور. هل الحزن يغسل ارواحنا كما تغسل الأمطار المدينة لتنظف الشوارع من الاتربة والميكروبات؟ هل الحزن هو المطهر لجروح وندبات صغيرة وكبيرة بأرواحنا لحقت بنا فى معتركات الدنيا. وهل الحزن يأتى منفردا أم له أخوة. كأن يأتى مع البرد، أو يأتى مع البكاء أو يأتى مع الانعزال؟ هل خلق الله لنا الحزن لنعرف الفرق بينه وبين السعادة لنعلى من قيمة الاخيرة ونرفع من شأنها و نثمنها، انطلاقا من مبدأ: بضدها تتمايز الاشياء. هل الحزن عارض مثل المرض، لابد أن نشعر به لكى نعرف قيمة الصحة. احزن يا صديقى لكن اجعل الحزن لا يطول حتى لا يخرب روحك و تقع فى فخ الاكتئاب. مثال ذلك مثل الاستاذ الذى جاء تلاميذه بقارورة مملوءة بالماء وسألهم عنها فاحتاروا فى وزنها. فرد قائلا ان وزنها ليس هو المهم بل كم من الوقت سنحملها. لابد ألا تحمل حزنك فى قلبك لمدة طويلة، تخلص منه فى اقرب فرصة و عد للحياة. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف