ثمة ترقب لقرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن القدسالمحتلة، وما إذا كان سيعلن فيه اعترافه بها عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده فى تل أبيب إليها الأمر الذى يعنى إن حدث تغييراً في الموقف الأمريكي التاريخي باعتبار القدس مدينة فلسطينية محتلة وجزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وفى الوقت ذاته والكلام للسفير سعيد أبو على الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشئون فلسطين والأراضى المحتلة يكون تدميراً كاملاً لعملية السلام وحل الدولتين، وتجسيدا سافرا اضافيا للانحياز الأمريكى الكامل تجاه إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال)، وانتهاكاً جسيماً للقرارات ومواثيق الشرعية الدولية. وحسبما قال السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية للشئون العربية ومندوب مصر لدى الجامعة العربية (الأسبق) ل «الأهرام», فإنه تسود الأوساط الفلسطينية والعربية توجسات ومشاعر مضطربة إزاء احتمال إقدام ترامب على خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وما يصحب ذلك من قرار بنقل السفارة الأمريكية اليها, وفى صدارة أسباب الانزعاج والاضطراب خيبة الأمل التى يمكن أن تقع لدي أطراف عربية عديدة, كانت ولا تزال تأمل فى دور إيجابي وجرئ يمكن أن تقوم به ادارة الرئيس ترامب فى حلحلة المعضلة الفلسطينية بعد الركود الطويل الذى أحاط بها. ومن المؤكد – كما يضيف - فإن الإقدام على مثل هذه الخطوة الجزئية والمنفردة، والتى لا تصحبها خطوة أخري لصالح الفلسطينيين، من شأنه تعريض العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدة والأطراف العربية لحرج واهتزاز بالغين، إلى جانب تعريض المصالح الأمريكية فى المنطقة لأخطار أمنية غير محدودة . ومما يضيف أبعاداً أخري الى انزعاج الاطراف العربية إزاء هذه الخطوة الأمريكية المحتملة حالة الانقسام والضعف التى تمر بها العلاقات العربية العربية ذاتها لأسباب شتى مما قد لا يسمح باتخاذ موقف عربي جماعي حاسم ، بل قد يتيح الفرصة لإضافة انقسامات ومزايدات جديدة . ولكن ماذا عن حقيقة الدوافع التى يمكن أن تحرك واشنطن نحو هذه الخطوة فى ظل الظروف الراهنة ، وطبيعة ردود الفعل التى يمكن أن تحدث عربياً واسلامياً ودولياً ازاء هذه الخطوة لو تمت؟ يقول خلاف: فيما يتعلق بالسؤال الأول فإن البعض يشير الى أن لدى الرئيس ترامب رغبة فى تقديم جزرة دبلوماسية لإسرائيل تجعله قادرا على تطوير الموقف الأمريكي التقليدى من إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولكن أخطر ما يتجاهله هذا التخمين هو رد الفعل الأولي لدى الفلسطينيين والعرب إذا لم يتم الربط فوراً و بوضوح بين هذه الخطوات فى طرح متكامل ومتوازن، بالاضافة الى ما قد يثيره البدء بمسألة القدس من إشكاليات وتداعيات تتسع دوائرها لتشمل دول وشعوب العالم الاسلامي ايضا الى جانب بعض المنظمات الجهادية والإرهابية. ويخطئ من يظن (والكلام مازال للسفير خلاف) أن مثل هذه المحاولة المنقوصة من جانب الرئيس الامريكى لحلحلة جمود القضية الفلسطينية من شأنها تخفيف الضغوط التى يواجهها ترامب داخل المجتمع الأمريكى أو تفريغ الجهود الأمريكية لمواجهة الأخطار الواردة من إيران ومنظمات الإرهاب العالمية، حيث أن اللعب بوضعية القدس ومخالفة القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن بشأن هذه المدينة ذات القداسة متعددة الاطراف يؤدى الى تعاظم المواجهات الأمريكية الخارجية، وتوسيع دوائرها مع أطراف عديدة قد يكون من بينها بعض حلفاء أمريكا التقليديين والجدد. أما فيما يتعلق بردود الفعل العربية المتوقعة فإن السفير خلاف يلفت الى أنه فى ضوء الواقع العربي الراهن يمكن تصور ثلاثة انواع من ردود الفعل العربية على الخطوة. السيناريو الأول: (التحرك الدبلوماسي) ويشمل عقد جلسة عاجلة لمجلس وزراء خارجية دول الجامعة العربية لشجب وإدانة القرار الأمريكي والدعوة الى تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن كخطوة أولي يمكن التصعيد بعدها وسوف يشمل التحرك أيضا طلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي . السيناريو الثاني : (الهياج الشعبي) ويشمل قيام بعض الأحزاب السياسية والمنظمات القومية والنقابية بتنظيم مظاهرات شعبية فى بعض العواصم العربية للتنديد بالخطوة الأمريكية ، وقد تستثمر بعض الأحزاب والقوى المعارضة هذا الحدث فى بعض الدول العربية لإحراج حكومات تلك الدول، وخاصة تلك التى تربطها بالولاياتالمتحدة علاقات تحالف استراتيجي وعسكري . السيناريو الثالث : ( أعمال العنف ) وفيه قد تلجأ بعض المليشيات الفلسطينية المسلحة إلى بعض الأعمال الفدائية العنيفة داخل الأراضي المحتلة ، وقد تستهدف منظمات إسلامية أخري بعض المصالح والشركات والمقار الأمريكية الموجودة فى المنطقة وسوف يكون المحرك والمستفيد الأكبر من هذا السيناريو إيران والقوى الموالية لها فى المنطقة العربية. أما الدكتور حيدر طارق الجبورى الباحث فى الشئون السياسية فيقول: إن قرار «ترامب» ينطوي على عواقب عدة ، اذ ستفقد مثل هذه الخطوة إذا ما أقدمت عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية مصداقية واشنطن كوسيط محايد وراعٍ نزيه لعملية السلام في الشرق الأوسط، وهو ما ستكون له انعكاسات تهدد أمن واستقرار المنطقة وتعزز خطاب الكراهية والإرهاب والتطرف والعنف. وعلى الصعيد الفلسطيني، سيؤدي مثل هذا الموقف إلى تصاعد مشاعر الغضب لدى الجمهور الفلسطيني، الذي أثبت في الانتفاضات السابقة، أنه رقم لا يستهان به. أما عربياً فإن إجراء الجانب الأمريكي سيدفع العرب لتفعيل قرارات جامعة الدول العربية ومنها قرار قمة عمان لعام 1980 الذي يقضي بقطع الدول العربية لعلاقاتها مع أى دولة تقدم على نقل سفارتها إلى القدس.