أكتب إليك من أسوان بعد تردد طويل، وكلى أمل فى أن تشير علىّ بما أفعله فى مأساتى التى لا أجد لها حلا، فأنا سيدة ولدت لأبوين طيبين، وترتيبى الكبرى بين خمسة أبناء «بنتين وثلاثة أولاد»، ونحن جميعا معروفون بالطيبة والاحترام والالتزام الخلقى بين أبناء قريتنا، وقد تغرّب والدى بالكويت لتوفير متطلبات الحياة والمعيشة نظرا لظروف أسرته الصعبة فى ذلك الوقت، واحترف عدة مهن لأنه لم يكمل تعليمه بعد رحيل جدى المبكر، فعمل طباخا وبوابا، وقبل سفره إلى الخارج عمل بالقاهرة «كومبارسا»، وتنقل بين الأعمال التى لا تحتاج إلى شهادة علمية، ولذلك حرص على تعليمنا حرصا شديدا، وكبرت والتحقت بكلية التربية، أما أشقائى الاربعة فقد التحقوا بالمدارس التجارية والفنية، واكتفوا بشهادة الدبلوم بعد غزو الكويت، واضطرار أبى للعودة إلى مصر كغيره ممن كانوا يعملون هناك، ثم سافر إليها بعد تحريرها هو وشقيقى الذى يصغرنى، فاستقرت حياتنا من جديد، والحقيقة أن المتاعب التى واجهناها عودتنى على تحمل الظروف مهما تكن صعوبتها، إلى جانب ما ورثناه من طيبة أبوينا وإيمانهما ورضائهما بالأقدار. فى هذا الجو الأسرى نشأت، وسعدت بأهلى، ومضيت فى دراستى بكل عزيمة وإصرار على النجاح والتفوق فاحتللت المراكز الأولى دائما، وقبل التحاقى بالجامعة زارنا أحد أقارب أمى، وكان يدرس وقتها الفقه وعلوم اللغة فى جامعة القاهرة، ويكبرنى بتسعة أعوام، ولم أره منذ كنت طفلة، فحدث انجذاب بيننا، وبصراحة فإننى أعجبت به، واستجبت له، ورددت على رسائله بتشجيع من ابنة خالتى، وهى فى مثل سنه، وعرفت أنه فاتح أمى فى رغبته الارتباط بى، وأنها وافقت عليه وشجعتنى على قبوله بدافع حبها له، وحدثنى فى أن أكتفى بمؤهل متوسط، وأتفرغ لشئون المنزل، لكنى أصررت على الإلتحاق بالجامعة، فلم يمانع وتقدم لخطبتى، فأمهله أبى بعض الوقت، ثم قال لى إنه لا يميل إلى تزويجى لأى شاب من أقارب أمى لأنهم معروفون بطباعهم القاسية، وسوء تعاملهم مع الناس، بل إن أمى غيّرت موقفها منه، ونصحتنى هى الأخرى بعدم قبوله، برغم أنه ابن عمتها التى تحبها حبا شديدا، كما أنها تحبه، وسبق أن شجعتنى على الإرتباط به، أما الحجة التى تذرعوا بها لرفضه، فهى أنه سيىء الظن بالآخرين، وأن أخوالى الذين يقيمون معه بالقاهرة يقولون عنه إنه مريض ب «الظن»!، فاعتبرت ذلك مبالغة منهم، ولم أستجب لكلامهم، واضطروا فى النهاية إلى الموافقة عليه، وخطبت له وكان وقتها قد تخرج فى كليته، وسافر إلى دولة خليجية، وعمل مدرسا بها، وبعد ستة أشهر فقط تم زفافى إليه، وكنت وقتها فى السنة الثانية بالكلية، وعمرى عشرون عاما وبلا خبرة، وانتابنى خوف شديد، ورفضت الاستجابة له، فضربنى ضربا مبرحا، واغتصبنى بمعنى الكلمة، وحدث لى نزيف، وحملونى إلى الوحدة الصحية لإسعافى، وسافرنا إلى الإسكندرية لقضاء شهر العسل، وهناك ضربنى بعصا «المقشة» حتى تورم جسمى كله لشكه فى أننى على علاقة بأحد أقربائنا الذين استضافونا فى إحدى شققهم، وعندما عدنا إلى قريتنا لم أخبر أمى أو أى فرد من عائلتى بما فعله بى لأننى كنت أحبه حبا شديدا ولا أرغب فى أن أغضبه فيتركنى، وعشت مع والدته فى بيت واحد بلا ضيق ولا ضجر، إذ كان ذلك أمرا عاديا ومقبولا فى مجتمعنا الصعيدى خصوصا فى ذلك الوقت، كما أن ضرب الرجل زوجته أيضا شىء طبيعى جدا، لكن ضربى لم يقتصر عليه وحده، إذ أذاقتنى والدته وأخته شتى صنوف العذاب، ولم أشتك لأحد حتى لا يطلقنى، وأصبح فى نظر الآخرين فاشلة. واستمرت حياتى على هذه الصورة.. هو يضربنى ويبهدلنى خلال فترات وجوده معنا، وعندما يسافر إلى الخارج تتسلمنى أمه وأخته بالسباب والمضايقة وسرقة كل ما أحضره بالمنزل من لحوم وخضراوات وبقالة، وعندما أشتكى لأمى من هذه السرقات المشينة تطلب منى السكوت التام، وترسل لى ما أحتاجه من طعام ونقود لأكمل الشهر، وعندما أخبرت زوجى بهذه السرقات فى إحدى مكالماتى معه، طلب منى أن ألتزم الصمت، وأكد أنه سيرسل لى نقودا بدلا منها، وللأسف فى كل مرة يكتفى بالوعود، ولا يرسل أى مبلغ إضافى، وكل ما كان يبعث به هو مبلغ بسيط قدره مائة وخمسون جنيها، والمضحك أن رسوم الكلية وقتها كانت ستين جنيها، وتستنزف الكتب والمواصلات أكثر من هذا المبلغ، وتولت أمى إطعامنا طول الشهر حتى أرهقت ماديا، فطلبت منى بعد عام كامل أن النقود لا تكفينا، وعاودت إلحاحى عليه، وتفضل مشكورا هذه المرة بزيادتها، ولكن الأمر لم يتغير كثيرا، واستمرت أمى فى مساعدتى حتى تخرجت من الكلية، واشتغلت بالتدريس، وأرحتها من عبئى، وظننت أن حماتى وابنتها سوف تحسنان معاملتهما لى، ولكنهما للأسف ظلتا على حالهما، ولم أرد عليهما أبدا ولو بكلمة واحدة، وكان ذلك مدعاة لاحترام الجيران الذين كانوا شهودا فى مواقف عديدة، فكما تعلم فإن أبواب منازل الجيران فى كل قرية مصرية مفتوحة دائما لبعضهم، ويعرفون كل صغيرة وكبيرة تخص أيا منهم. واستمر تعذيبى بالورديات .. زوجى فى إجازتى نصف العام وآخره، وأحيانا إجازة عيد الأضحى المبارك بالضرب والإهانة، وأهله فى الفترات التى يسافر فيها بالسباب وسوء الظن، ففاض بى الكيل، وتحطمت أعصابى، ولم أعد أتمالك نفسى، فأصبحت أرد على حماتى وابنتها دون إساءة الأدب، وأدعو عليهما الله بأن يرد ما تفعلاه معى فى أبنائهما، وأنا نادمة على ذلك الآن، إذ أشعر أن دعوتى هذه كانت من أسباب حرمان بنات أخت زوجى من الإنجاب حتى الآن، ولم أكن راغبة فى إيذاء أحد مهما بلغت إساءته لى وتنكيله بى. ومضت حياتى بحلوها ومرها بدافع حبى القديم لزوجى الذى اخترته بإرادتى، وكان كلما تصرف معى بشكل لا يليق، أو عرف أن أمه وأخته تؤذيانى فإنه يغمرنى بالهدايا والكلمات المعسولة حتى لا أخبر أهلى بتصرفاتهم معى، ويقنعنى انه شديد الغيرة علىّ لأنه يحبنى، وكثيرا ما ناقشته فى أن ما يعتقده ليس غيرة، بل هو ظن سيئ، إذ يشك فى أى رجل يدخل منزلنا لأى غرض بأننى على علاقة جسدية معه حتى لو كان هذا الشخص مجرد عامل جاء لاصلاح شئ فى المنزل، وكلما واجهته بشكوكه يغير الموضوع الذى نتحدث فيه!، وخلال مشوارى معه أنجبت بنتين وثلاثة أولاد، وكلهم يخافونه وينافقونه حتى يعيشوا معه فى سلام خلال فترة الإجازة، ومات والداى، وكبر أولادى، وأصبحت الكبرى فى السنة الأخيرة فى كليتها، واخوها فى السنة الثالثة بأحد المعاهد العليا، والثالث فى الثانوية العامة، أما الصغيران اللذان رزقت بهما بعد سن الأربعين لإصرار زوجى على الانجاب، فهما فى الإبتدائى والحضانة. ومضت سنوات العمر على هذه الحال، وخلال السنة الاخيرة وفى إحدى أجازات زوجى اكتشفت أنه على علاقة حب بصديقة عمرى، وهى سيدة متزوجة وأبناؤها فى الجامعات ومنقبة وزوجها رجل طيب ومعروف لنا، ولك أن تتخيل صدمتى فى الإثنين.. صحيح أننى ضبطته عدة مرات، وهو يعاكس صاحباتى، لكنى لم أتصور أن يصل به الفجور إلى هذا الحد، وقد نفى بشدة أى علاقة من هذا النوع عندما واجهته بأفعاله، واقتنعت برده، لكنه سرعان ما كررها، وتذكرت أن أهلى حذرونى من الزواج منه، لكننى أصررت عليه، فمن يرتكب الخطأ هو الذى يشك فى الآخرين. إن سمعتى هى حياتى والحمد لله أن كل من حولى يشهدون لى بقوة التحمل والصبر، وانعكس ذلك على ابنتى الكبرى التى تقدم لها عرسان كثيرون محترمون، لكنها تخشى الإرتباط، وتصر على استكمال تعليمها أولا لكى تعمل ولا تحتاج لرجل، وآخر من رفضتهم طبيب من جيراننا، وابن زميلتى فى العمل. لقد فقدت الرغبة فى الاستمرار مع زوجى منذ لحظة اكتشافى خيانته، وأتحمله من أجل أولادى، وجرت فى نهر حياتى مياه كثيرة، فلقد ماتت أمه، وسافرت أخته إلى القاهرة لتعيش مع ابنتها المتزوجة هناك، ولم يعد يضربنى بعد أن تقدمت بى السن، وحدثت مشادة بينه وبين شقيقى الذى حذره من مد يده علىّ، وقال له: كفاك ما فعلته بها بلا ذنب ولا جريرة، والحق أن إخوتى وزوجاتهم يحبوننى وأولادى، لكنى بصراحة لم أعد قادرة على تحمل خيانته لى، وكلما تخيلت أنه مع إحداهن ينتابنى الهلع، ولذلك أفكر فى الطلاق، فهل تنصحنى به طلبا للراحة والهدوء، أم أصبر على ما أنا فيه؟. إن زوجى ينوى شراء قطعة أرض مبان، لإقامة بيت عليها لأولادنا، ولو انفصلت عنه، سوف يتزوج بما يدخره من مال، وأكتب إليك هذه الرسالة، وأنا فى بيت أهلى، وهو يبعث إلىّ برسائل اعتذار كثيرة، ويعتبر أن اعتذاره هذا كاف لنسيان ما يفعله، فكيف لى أن انساه؟.. لقد تحملت الضرب والإهانة طول عمرى، لكنى لا أستطيع تحمل الخيانة، ولم أعد أطيق هذه الحياة، لكن خوفى من المجهول هو الذى يجعلنى مستمرة فى هذا الجحيم، فبماذا تنصحنى؟. ولكاتبة هذه الرسالة أقول : لقد أحببت زوجك برغم كل ما فعله بك من ضرب وإهانة وسكوته على موقف أمه وأخته منك، وأنجبت منه خمسة أبناء، ولم تبالى بالمتاعب التى تتعرضين لها، ووسط كل هذه الأنواء والأعاصير، رحت تبحثين عن السعادة، فلم تجديها بعد أن تاهت منك فور علمك بخيانة زوجك لك، وتأكدك من أن علاقاته العابرة أو معاكساته التى لم تغب عنك، والتى حاول دائما تبريرها لم تكن سوى غطاء لإخفاء حقيقته المرة وسلوكه المشين، فالسعادة مشاعر داخلية تنبعث من الروح، وتؤثر على جميع نواحى حياة الإنسان، ولذلك لابد من ترويض النفس على المشاعر الإيجابية كالثقة، والحفاظ على جمال المظهر الخارجى، والاعتناء بالجانب الثقافى لتعزيز سبل الحوار مع الزوج أو غيره، ونسيان الماضى بكل تجاربه الفاشلة، والابتعاد عن جلد الذات، والإنطلاق من قناعة أن كل يوم فى الحياة، فرصة للبدء من جديد. والحقيقة التى غابت عنك يا سيدتى، وأرجو أن تغرسيها فى أبنائك، ومنهم إبنتك التى ترى أن السعادة فى الثراء، ولذلك سوف تعمل لكى تستغنى عن زوج المستقبل هى أن السعادة ليست فى الممتلكات والمقتنيات، ولا فيما يشتريه لك الزوج من هدايا ومشغولات ذهبية، ولكنها فى الرضا والاكتفاء والثقة بالله، وأسوق إليك هذه الواقعة لكى تتبينى منها هذا المعنى الجميل للسعادة، فلقد وقفت سيدة فى شرفة بيتها التى تطل على حديقة بها ما تشتهى الأنفس من الفاكهة اللذيذة، والورود الجميل بألوانه البديعة ورائحته العطرة، وراحت تنظر بعيدا بعينين دامعتين، فبرغم كل ما تملكه من أسباب الرفاهية فإنها غير سعيدة، وينقصها شىء ما، ربما راحة البال، أو الإحساس بالحب، والرضا والثقة بالنفس، وبينما كانت على هذه الحال، مرت عربة فاكهة يجرها حمار، وكان البائع رجلا بسيطا ترافقه ابنتاه على العربة، وقد جعل من الأقفاص الفارغة مظلة تحميهما من حرارة الشمس، وكانت إحداهما تغنى بصوت خافت، وتدق على كفة ميزان يستخدمها والدها فى وزن الفاكهة، وترقص الثانية على دقات أختها، ولما وقع نظر السيدة على الرجل وابنتيه أشفقت عليهم، ودعتهم إلى حديقتها، وقالت لهم: «كلوا واحملوا معكم ما أردتم من حديقتى لكم ولتجارتكم»، فشكرها الأب، ودخلوا إلى الحديقة، ولاحظت الفتاتان الدموع فى عينى السيدة، فنظرت إليها البنت الصغرى، وسألتها عن سبب حزنها؟.. أما الكبرى فأسرعت إلى قطف بعض الزهور وبوجه مبتسم قالت لها: سيدتى الجميلة: «إقبلى منى هذه»، ثم شبكت الفتاتان أيديهما ببعضها، وذهبتا إلى والدهما الذى أثنى على تصرفهما، وقبل أن يغادروا الحديقة سألت السيدة الرجل كيف يستطيع وهو فقير إلى هذا الحد أن يهتم بابنتيه، وما سر السعادة والروح المحبة التى تشع منهما؟! فأجابها: «لنا رب يهتم بنا، عندما أطلبه أجده، وإذا سألته يعطينى، فأصبحت سعيدا ومكتفيا وواثقا من أنه عز وجل كما اهتم بى اليوم، سوف يهتم بى غدا، ولذلك أترك هم اليوم لرب الغد».. هكذا تتحقق الراحة والطمأنينة، وأذكر هنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم، كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتعود بطانا»، فالسعادة هى أن نثق فى أن لنا ربا يهتم بنا، وجاء فى الكتاب المقدس: «ملقين كل همكم عليه أى على الله لأنه هو الذى يعتنى بكم». من هنا كان ينبغى عليك منذ البداية ألا تطلبى السعادة فى المال، ولا فى الهدايا، وألا تلقى للماديات بالا، فالهدايا التى كان يغمرك زوجك بها لم تحقق لك راحتك النفسية، ولم تزل آثار الضرب والإهانة التى كان يذيقك إياها، فإذا كنت تخشين الانفصال عنه خشية أن يتزوج أخرى بالمال المتوافر لديه، ولذلك سوف تتحملين رزائله من أجل أن يبنى بيتا جديدا يجمع شمل الأبناء، فإنك مخطئة تماما، لأنه لو أراد الزواج بأخرى لفعل، ولما انتظر كل هذه السنين!.. أما إذا كان حبه القديم عالقا فى قلبك وأظنه كذلك بدليل كلامك عنه فعليك تجاوز ما فات، وبدء صفحة جديدة معه، وعليه أن يراجع نفسه، فيبتعد عن العلاقات المحرمة، ولتتقى السيدة التى تربطها به علاقة آثمة، الله فى تصرفاتها، وتحفظ زوجها، وتعلم أنها ترتكب واحدة من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، التى نهانا الله عنها فى قوله تعالى «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا» (الإسراء 32)، وعليهما أن يخلصا التوبة إلى الله، وأن يقلعا إقلاعا تاما عن هذا الذنب وعدم الرجوع إليه. أيضا حاولى أن تفتحى معه حوارا إيجابيا، وأن تقربى المسافات بينكما، فالرجل دائما فى حاجة إلى أن تحتويه زوجته، وأظنك قادرة على ذلك بالكلام الطيب، واستغلى رسائل الاعتذار التى يبعث بها إليك لتكون منطلقا نحو استعادته، وذكريه بأن الله قد يعجّل للمرء حسابه فى الدنيا، فيجازيه لأفعاله السيئة، وبالطبع فإنه لا يغيب عنه وهو خريج كلية تدرس علوم اللغة والفقه أن سلوكه مع تلك السيدة أو غيرها ذنب كبير، واسأليه: هل يرضى ذلك لابنته أو لك أو لأخته، وستكون اجابته بالنفى، فكيف يرضاه لنفسه ولهذه السيدة التى لم تحفظ زوجها، ولم تراع ربها، وسيكون جزاؤها هى الأخرى عسيرا؟ إن النصيحة التى ستؤتى ثمارها معك يا سيدتى هي، أن تفوضى الأمر لله، وأن تكونى على يقين من أن اختيار الله لك أحسن من اختيارك لنفسك، فنحن لفرط جهلنا لا ننظر إلا فى الحاضر من الأقضية التى يقضيها الله تبارك وتعالي، حتى إذا توالت الأيام، وانكشف لنا بعض المكنون فى مستقبلها، قلنا الحمد لله على ذلك القضاء الذى كنا له كارهين، وأجدنى أردد مع الشاعر قوله: لا أستطيع لنفسى جلب منفعة ولا عن النفس لى دفع المضرات وليس لى دونه مولى يدبرنى ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتى والعاقل هو الذى يعلم أن دوام الحال من المحال، وأن المرء متقلب بين الضراء والسراء، والواقع يشهد أنه ما من نازلة إلا وارتفعت عن أصحابها، فلماذا هذا اليأس، والقنوط الجاثم على قلبك؟.. فلقد تحملت الكثير من تعنت زوجك، وقضيت معظم سنوات العمر وأنت محافظة على بيتك، وذقت الأمرين دفاعا عن استقراره، وأراك مازلت تحملين الحب له، فدعى له فرصة جديدة لإثبات حسن نياته، وسوف يتراجع مع الأيام عن الطريق السائر فيه، ووقتها سوف تكسبينه، واننى أحذره من غضب الله، ومن أنه قد يفقد زوجته المحبة الشريفة، وأبناءه الناجحين إذا استمر فى طريق الضلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.