كُلّ المعطيات الراهنة تكشف عن اكتساح الإرهاب لمعظم دول العالم، واتَّخاذه أشكالاً متعددة، وتمدّده فى فضاءات مفتوحة ومغلقة، وهو فيروس يصعب الوقاية منه، وكل الأساليب التى تبنَّتها الدول لمواجهته لم تقض عليه نهائيا، سواء تلك التى استعملت القوة، أو تلك التى حاولت تطويقه من خلال إيجاد نوع من التوازن عبر المصالحة والعفو والوئام، أو تلك التى زاوجت بين الأسلوبين، وإن كانت قد قلَّلت منه. لقد عايشت الإرهاب عن قرب، واكتويت مثل غيرى من الجزائريين بناره، ولذلك أحمل داخلى تجاه الفعل الإرهابى ودعاته بالفكر أو القائمين به، ثأرا شخصياًّ ودينياًّ ووطنياًّ وقومياًّ وإنسانياًّ، وهناك سؤال يقضُّ مضجعى مثل كثيرين، لم يفارقنى من ربع قرن، ويعود للظهور من جديد كلما وقعت عملية إرهابية جديدة، مضمونة: هل من سبيل للقضاء على الإرهاب وجودياًّ؟.. واليوم يطرح بحدة بعد العملية الدموية التى وقعت يوم الجمعة الماضى بمسجد الروضة فى مركز بئر العبد بمحافظة شمال سيناء. أودّ التذكير بثلاث حقائق أساسيّة، أولاها: أن الإرهاب قد يًعطل مسار الدولة ويُرهقها لسنوات، ويتسبَّب فى ضعفها اقتصادياًّ واجتماعياًّ وسياسياًّ، وقد يُسْهم فى ضعفها على المستوى الدولي، ولكن لا يمكن أن تحلّ جماعاته بديلاً عن الدولة، خاصة إذا كان لديها جيش قوي، والحالة الوحيدة وتعدُّ استثناءً هى سيطرة الحوثيين, وهى جماعة إرهابية فى بدايتها حين حملت السلاح فى وجه الدولة, على الحكم فى اليمن، ويعود ذلك إلى ثلاثة عوامل، الأول: أنها تمكّنت من الوصول إلى السلطة عبر المدخل السياسى وليس العسكري، والثاني: أن الدولة اليمنية كانت ضعيفة وفى مرحلة انتقالية بعد تسليم السلطة ل«عبد ربه منصور هادي» والثالث: أنها دعمت بالغالبية من الجيش التى تدين بالولاء للرئيس السابق على عبد الله صالح، أى أن هناك تحالفا بين الجيش النظامى والجماعات الإرهابية. الحقيقة الثانية: الإرهاب حالة عابرة مهما طالت، ليس فقط لأنه ضدّ طبيعة الخلق، ولكن لأنه فى المجتمعات الإسلامية تحديداً يُدثَّر بعباءة الدين، وجماعاته لا تختلف من الناحية الأيديولوجية عن عناصر من النخب المثقفة المتطرفة، أو بعض القيادات السياسية التى نصّبت نفسها حاملة للتغيير، وإذا بها تتطرَّف فى رفض الدين على المستويين الاجتماعى والسياسي، لذلك فإن فشل الإرهاب مؤكد لأنه يواجه بمرجع دائم وثابت وواضح يدينه ويحكم عليه بالزوال هذا على مستوى النص المكتوب، وعلى مستوى الفعل يحارب من إيمان العامة الصامدة والحاملة لما يعرف بالتديّن الشعبي، والدليل على ذلك أن الإرهاب لمدة عشر سنوات فى الجزائر مثلا، لم يجعل أحدا يكفر بالدِّين، بل على العكس من ذلك أن الجماعات التى فشلت أمام قوة الدولة والجيش خرجت عن الملة وسمّت نفسها «الغاضبون من الله». الحقيقة الثالثة: أن الإرهاب فى بدايته، يتلمَّس طريقه من تراكم الظلم والفقر والمعاناة، وحين يلقى تجاوباً من البعض وترفضه الغالبية، يدفع بالمجتمع نحو صراع داخلى من خلال مسارين، الأول: نزع الثقة من الدولة وكل مؤسساتها، خاصة الأمنية والشرطية والعسكرية، والمسار الثاني: تعميم ثقافة العنف والكراهية والخوف، وكل هذا يتكشف مع الوقت، ويُقضى عليه، ولكن بعد أن يدفع المجتمع تكلفة عالية، ومنها فقدانه السلم والأمن الاجتماعيين. الحقائق الثلاث السابقة، يجب أن تكون واضحة لدينا، لان الإيمان الراسخ بزوال الإرهاب، هو بداية الطريق لمكافحته، علما بأن قتل شخص واحد، أو سقوط الآلاف فى تفجير كالذى حدث فى مسجد الروضة يثبت أن الإرهابيين يسعون إلى إبراز قوتهم بالمعنى الوجودي، والهدف من كل ذلك هو زعزعة استقرار مصر، وما يتبع ذلك من إعلان فشلها وعدم قدرتها على المواجهة، وبالتالى التأثير على دورها المحلى والإقليمى والعربى والدولي، وذلك بما يخدم مصالح قوى الشّر فى الداخل والخارج. لا ينتظر فى المستقبل القريب القضاء على الإرهاب فى مصر، لأن كل امتدادات مصر الخارجية الأمنية، والجيو استراتيجية ملتهبة، ولكن بكل تأكيد ستقضى عليه رويدا، هنا لابد من توافر الصبر والدعم المتواصل للدولة المصرية من شعبها ومن إخوانها العرب، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالترويج للعنف والخوف ومحاولة التركيع، وأنها بالوصول إلى التشكيك فى دور الجيش المصري، تلك القوة الضاربة التى حاربت لسنوات من أجل قضايا الأمة، ومحاولة تقديمها على أنها مؤسسة فاشلة، عاجزة عن حماية جبهتها الداخلية. إن الوعى بدور مصر الحضارى والتاريخي، وحتى الإيماني، يدفعنا إلى القول: يا مَنْ تعتقدون أنكم بإيلام شعب مصر وقتل أبنائه، والوقوف ضد أحلامه ومشاريعه ستكسبون المعركة، عليكم أن تتنبهوا أن هناك جروحا مصرية أكبر من هذه اندملت، ولم يبق إلا ذكرها السيئ، وأن كل شواهد التاريخ تؤكد أن مصر تتجدد ولا تتبدد، وتقع ولا تتحطم، بل وتقوم من جديد، وستسمو فوق مصائب الزمان.. إنها قادمة، أراها رأى العين محملة بأنوار التغيير، لا يضرها ممن لم يكن معها فى أوقات الشدة مع أنها كانت معه وقت الرخاء والشّدة. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;