وضع أسس محاسبية لربط الضريبة على خدمات توريد العمالة عبر شركات التعهيد    البورصة المصرية تربح 16.8 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 23 ديسمبر 2025    اكتمال التشكيل النهائى لهيئات مكاتب الغرف الصناعية للدورة الانتخابية 2025-2029    وزير الخارجية يؤكد أهمية الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة وبدء مسار إعادة الإعمار    الهلال الأحمر: جهود مستمرة لتلبية الاحتياجات الإنسانية فى غزة    ماذا دار بين ممثل النيابة العامة والمحامي محمد حمودة في قضية سارة خليفة؟    ننشر جدول امتحانات الفصل الدراسى الأول للمرحلة الإعدادية فى المنوفية    نقابة السينمائيين تنعى الماكيير محمد عبدالحميد    لافروف: فوز المدير الجديد لليونسكو العنانى بمنصب المدير العام مؤشر مشجع    قيمتها 10 آلاف دولار.. إطلاق جائزة سنوية باسم الأديب على أحمد باكثير    الصحة: تقديم 34 مليون خدمة طبية بمستشفيات ومراكز أمانة المراكز الطبية المتخصصة    محافظ بني سويف يفتتح قسم العلاج الطبيعي بوحدة الصحة بقرية ميانه    منير وويجز يفتتحان 2026 بليلة تاريخية على مسرح كوكاكولا أرينا بدبي    غدًا.. انطلاق فيلم "طلقني" بدور السينما    إتاحة خدمة التصديق على المستندات عبر مكاتب البريد بمحافظة أسوان    تشكيل هجومي لسيراميكا أمام أبو قير للأسمدة    عرض عسكري شعبي احتفالًا بعيد النصر في بورسعيد    قناة السويس تشهد عبور أكبر سفينة حاويات خلال عامين    عودة الحاويات العملاقة لقناة السويس.. عبور سفينة للخط الملاحي CMA CGM إيذانا ببدء العودة الكاملة للمجموعة الفرنسية    خلافات مع شقيقه.. إصابة شاب بطلق ناري في قنا    حبس متهم في واقعة تزوير منسوبة لنقابة المهندسين بأسيوط    وزيرا التعليم العالي والتنمية المحلية يشهدان احتفالية انضمام 3 مدن مصرية إلى اليونسكو    رئيس الوزراء يزور مدرسة اسكر الابتدائية خلال جولته اليوم بقرى "حياة كريمة" بالجيزة.. صور    رسميا.. السعودية تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة مجددا    حسام حسن يدرس الدفع برامي ربيعة بدلاً من حسام عبد المجيد أمام جنوب أفريقيا    وزير الأوقاف: مشاهدات دولة التلاوة تجاوزت المليار مشاهدة على الصفحات الرسمية للوزارة    الخميس.. أبطال وصُناع «ميد تيرم» ضيوف منى الشاذلي على قناة ON    أمم إفريقيا - مؤتمر محرز: لا أعذار.. نريد كتابة تاريخ جديد لمنتخب الجزائر    أمم إفريقيا – مؤتمر لاعب السودان: الوضع كارثي في البلاد.. وسنقدم الأفضل لشعبنا الصامد    رئيس جامعة المنوفية والمحامي العام يناقشان آفاق التعاون المجتمعي    فاضل 57 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يُحدد فلكيًا    تورم قدم مصطفى محمد يهدد مشاركته أمام جنوب أفريقيا في أمم أفريقيا 2025    ضبط بؤر لتجارة المخدرات بعدة محافظات.. ومصرع 5 عناصر إجرامية بأسوان    قرار عاجل من النيابة الإدارية ضد قيادات مدرسة لذوي الإعاقة بسبب واقعة هتك طالبين جسد تلميذة    الأرصاد تحذر من انخفاض الحرارة.. وهذه المنطقة الأكثر برودة فى مصر    لو لقيت فلوس في الشارع تعمل إيه؟.. أمين الفتوى يُجيب    أساقفة فلوريدا يدعون لوقف حملة الهجرة خلال الكريسماس.. ماذا قال البيت الأبيض    مدبولي يفتتح تشغيل محطة مياه الشرب بأرض المشتل بالصف ضمن مشروعات "حياة كريمة"    وزير الثقافة يلتقي الفنان خالد الصاوي لبحث إنشاء المركز الدولي للتدريب على فنون المسرح    رئيس الوزراء يجرى حوارا مع المواطنين بمركز طب الأسرة فى قرية الفهميين    الاحتلال الإسرائيلي يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار بأنحاء متفرقة من غزة    وزير الكهرباء يلتقي مع رئيس "نورينكو" لبحث التعاون المشترك في مجالات الاستكشاف والتعدين    ارتفاع حصيلة اشتباكات حلب إلى 4 قتلى و9 جرحى    بالفيديو.. الحمصاني: منظومة التأمين الصحي الشامل وحياة كريمة تمسان الخدمات الأساسية للمواطنين    4 وزراء ومحافظين يشهدون احتفالية انضمام 3 مدن مصرية جديدة لشبكة اليونسكو    قرار جمهوري بتشكيل مجلس إدارة البنك المركزي برئاسة حسن عبد الله    وزارة التعليم: أحقية المعلمين المحالين للمعاش وباقون في الخدمة بحافز التدريس    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية الصحية بملف الصحة النفسية    خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    بداية مثيرة لمنتخب الفراعنة في أمم أفريقيا    الجيش الأمريكي: مقتل شخص في ضربة جديدة لقارب تهريب مخدرات    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    أمم إفريقيا – إبراهيم حسن ل في الجول: كشف طبي لمصطفى وحمدي.. وصلاح سليم    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا تتكرر ظاهرة طه حسين وتوفيق الحكيم؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 11 - 2017

لماذا يصعب أن نتصور أن يصدر فى مصر الآن كتاب يُحدث مثلما أحدثه كتاب «فى الشعر الجاهلي» لطه حسين عندما نشر فى 1926، أى منذ نحو 90 عاما؟ يمكن أن نسأل السؤال نفسه عن مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم التى نشرت لأول مرة فى 1933، أو كتابه يوميات نائب فى الأرياف (1937)، أو مستقبل الثقافة فى مصر لطه حسين (1938)؟.
من الممكن أن نقول إن الحياة الثقافية فى مصر كانت أكثر جدية فى ذلك الوقت منها الآن، ولكن هذا ليس تفسيرا كافيا، وقد لا يكون تفسيرا صحيحا. الفرق فيما يبدو ليس فى درجة الحيوية بل فى نوع الكتب التى تثير ضجة أو لا تثيرها.
كان طه حسين وتوفيق الحكيم قد سافرا إلى فرنسا فى عقب الحرب العالمية الأولي، وقضيا هناك عدة سنوات حصل خلالها طه حسين على الدكتوراه فى فلسفة ابن خلدون فى التاريخ، واطلع توفيق الحكيم على آخر وأفضل ما أنتجته أوروبا من أعمال أدبية، وعاد الاثنان ليحيطا المصريين علما بما حدث من تقدم ثقافى فى الغرب، وكان من ثمار هذا تنشيط حركة الترجمة من الفرنسية والانجليزية والألمانية إلى العربية، وكانت لجنة التأليف والترجمة والنشر التى تأسست فى مصر فى عام 1914، قد قامت بجهد رائع فى هذا الاتجاه بنشرها ترجمات جيدة بأقلام تجيد اللغات الأجنبية والعربية، لأعمال كتاب مثل برنارد شو الأيرلندى وأناتول فرانس الفرنسى وجوته الألماني، وكانت العقود الثلاثة التى تفصل بين بداية الحرب العالمية الأولى (1914) ونهاية الحرب العالمية الثانية (1945) فترة شديدة الخصوبة فى أعمال الترجمة والتعرف على الانتاج الثقافى الأوروبي، ومن المؤكد أن كتب طه حسين والحكيم قد أسهمت مساهمة كبيرة فى هذه الخصوبة. لم يكن الجميع راضين عن هذا الافتتان الشديد بالحضارة الأوروبية، إذ وجد البعض فيه دليلا على ضعف الثقة بتراثنا العربى والإسلامي، وحذروا من أضرار المبالغة فى هذا التقدير لثقافة الغرب، وكان من المؤكد أن الفريق الأول هو الذى انتصر فى النهاية، كما يظهر من درجة «التغريب» الذى حدث للثقافة العربية خلال المائة عام الماضية، بل إنى أشك فى أن رجلا مثل طه حسين أو توفيق الحكيم كان يمكن أن يرضى عما حدث، لو قدر له أن يرى إلى أى مدى جرى هذا التغريب خلال تلك الفترة لا أظن أن أيا منهما كان يتصور أن يتحول الاعجاب بحضارة الغرب إلى ما يشبه الانسحاق امامها، إذ أظن أن ما كانا يدعوان اليه لم يكن يبلغ هذا القدر من التقليد المقترن بفقدان الثقة بالنفس.
كان طه حسين قد دعا فى كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» قبيل الحرب العالمية الثانية إلى أن «نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم»، وأن نقبل من الحضارة «خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب». فهل كان طه حسين، لو قدر له أن يرى ما حدث للثقافة المصرية (والعربية) خلال العقود الثمانية الماضية، سيعتبر ذلك التلبية المرجوة لدعوته، أم أن الأمر قد زاد على الحد، فأخذنا من الحضارة والثقافة الغربية أكثر بكثير مما كان طه حسين يظنه ممكنا أو مطلوبا؟
أظن أن الاحتمال الثانى هو الأرجح، كما أظن أن هذا يتضمن ايضا الاجابة التى بدأنا بإثارتها، وهى «لماذا لا تتكرر ظاهرة طه حسين وتوفيق الحكيم؟» بعبارة أخري، أظن أن السبب الحقيقى فى أن من الصعب أن تتكرر ظاهرة طه حسين وتوفيق الحكيم هو أن ما كانا يدعوان إليه (من حيث الموقف الواجب من الحضارة والثقافة الأوروبية)، قد تتحقق فى الواقع بدرجة تفوق بكثير ما كانا يحبذانه ويدعوان اليه، فلماذا يظهر الآن من يكرر هذه الدعوة التى تحققت بالفعل؟.
ولكن لا شك أن هناك تفسيرات أخري. كان المثقفون المصريون الذين اتصلوا عن قرب بالثقافة الأوروبية، ابتداء من العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، أكثر إطلاعا على التراث الثقافى العربى والإسلامى من معظم من جاء بعدهم من مثقفين، ومن ثم كانت الدعوة إلى مزيد من الاطلاع على الثقافة الغربية ودراستها وفهمها لا تقترن بدرجة عالية من الخوف من أن يفقد المثقف المصرى أو العربى نفسه ويستسلم لسحر الثقافة الغربية وثقافتها. نعم كان طه حسين وتوفيق الحكيم شديدى الاعجاب بما أنجزته الثقافة الأوروبية، ولهذا جاءت دعوتهما إلى الاطلاع عليها والاقتباس منها، ولكنهما، فيما أظن، كانا أكثر تقديرا من مثقفينا الحاليين لأوجه القوة فى تراثنا نحن، فجاءت دعوتهما إلى «الجمع» بين الثقافتين وليس إلى إحلال إحداهما محل الأخري.
كان طه حسين وتوفيق الحكيم أكثر اتقانا للغتهما العربية، عن معظم مثقفينا اليوم، وربما كان هذا سببا آخر جعلهما لا يشعران بالخوف من أن نبالغ فى إحلال اللغة الاجنبية محل لغتنا العربية فى التعبير عن أنفسنا.
قارن هذا بحالنا الآن، حيث أصبح كثيرون من كتابنا يكادون يباهون بإحلال الكلمة الأجنبية أو التعبير الأجنبى محل التعبير بالعربية.
باختصار كان طه حسين وتوفيق الحكيم وجيلهما من الكتاب المصريين والعرب أكثر ثقة بالنفس، وأكثر تفاؤلا بمستقبل الثقافة العربية، من الجيل الحالى من مثقفينا، فلا عجب أن يصعب تصور تكرار ذلك الجيل الجميل من الكتاب المصريين والعرب.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.