الشهر الماضى كانت الذكرى ال 39 لرحيل طه حسين عميد الأدب العربى و اليوم ذكرى مرور 123 عاما على ميلاده ، والرجل لم يتوقف عن المبارزات الفكرية التي بدأت منذ لكتابه " فى الشعر الجاهلى " واستمرت حتى بعد رحيله بين المؤيدين لفكره والمعارضين له ، فالفريق الأول يراه تنويريا والفريق الثاني يراه تغريبيا . يقول أستاذ النقد الأدبي الدكتور إبراهيم عوض ل"محيط" أنه حين وضع كتابه " معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى و طه حسين " منعوه من الترقية ومن الكتابة بالجرائد الحكومية ومن الجوائز أيضا، لأنه خالف الرؤية التي يتبناها نخبة الأكاديميين والمثقفين في مصر في تعظيم كتابات طه حسين . وقد اتهم "عوض" طه حسين بالإلحاد ونقل أن الرافعى ذكر على لسان طه حسين قوله "إن العالِم ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس، من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يُحْدِثها وجود الجماعة وتتبع الجماعة فى تطورها. وإذن فالدين فى نظر العلم الحديث ظاهرة كغيره من الظواهر الاجتماعية، لم ينزل من السماء ولم يهبط به الوحى، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها " و يعقب عوض أنه إذا كان قال ذلك حقا فمن الواضح أنه لا يؤمن بالدين على أنه وحى من عند الله أنزل على رسوله الكريم صلى الله عليه و سلم و إنما يؤمن أنه صناعة بشرية !. و عن وصفه لطه حسين بالتناقض ذكر لو قارنا بين مقولته السابقة و بين رسالته إلى مدير الجامعة أحمد لطفى السيد أنه مسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فأنا أسئل القراء هل الكلامان متناسقان أم متناقضان ؟ وقال عوض أن أحاديث طه حسين مع مع الأساتذة الأجانب و المستشرقين مؤشرات على انحرافه العقائدي في هذا التوقيت ولكنها ليست دليلا قاطعا . و عن اتهام طه حسين بالتغريب أشار أن كتابات طه حسين خاصة الأولى تحتوى على مقولات استشراقية خطيرة و لا ينكر هذا غير مجادل ، و دلل على ذلك بقول طه " للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى " متعجبا هل هناك مسلم يقول ذلك ! و أن طه ذكر فى كتابه " فى مستقبل الثقافة فى مصر " أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يُكره، وما يُحمد منها وما يُعاب " معلقا هذا معناه أن نأخذه كله و لا ننتقى منه الطيب فقط . ومع ذلك ، يؤكد الأكاديمي المصري أنه محب لأسلوب طه حسين رغم اختلافه معه حول بعض القضايا الأدبية و النقدية و الدينية ، و أنه كتب كثيرا عن طه حسين ، و أنه الآن يقرأ فى كتاب طه " رحلة الربيع و الخريف " و مستمتع بأسلوبه المتميز و نظرات طه حسينية . و أنه رغم اختلافه معه لا ينكر عليه إطلاعه الجيد على الثقافة العربية الإسلامية و الثقافة الأوروبية الحديثة . و على الوجه الآخر كان حديثنا مع الكاتب و الباحث سامح كريم صاحب كتاب " ماذا بقى من طه حسين " و كتاب " فى الشعر الجاهلى لطه حسين تقديم و دراسة و تحليل " الذى رآه العديد انتصارا لفكر طه حسين و يبرئه من السرقة المزعومة من مارجليوث . و يرى كريم أن برغم كتابه مازال المتهمون و المهاجمون على حالهم خاصة من ينتمون لفكر الإسلام السياسى ، و أن ذلك امتداد للفكر الوهابى فى السعودية الكارهين لطه حسين و أمثاله من المستنيرين . و قال أن المبارزة الأدبية بين المؤيدين و المعارضين سوف تستمر طالما هناك عدد من أهل الجهالة و الظلام ، و طالما هناك من يدافع و يؤمن بفكر طه حسين . و يرى الباحث أن اتهام طه بالالحاد لا أساس له من الصحة و أن كتاب طه " فى الشعر الجاهلى " يعد انتصارا للقرآن و يعلى من شأنه و شأن الحديث الشريف ويضعهما في المكانة الصحيحة التي ينبغي أن يوضعا فيها، في تاريخنا الثقافي. حين يجعلهما مصدرين علميين لا يتطرق إليهما أي شك، وعلى ضوئهما يمكن تفسير وتأويل، بل وفهم الحياة الجاهلية قبل الإسلام وما فيها من شعر " . و عن من يروا أن كلام طه يعنى أن القرآن كلام النبى قال هذا هراء من يخرج من كلام طه هذا الفهم ، اما عن وصف فكره بالتغريب عقب قائلا هذا اتهام ليس له أساس من الصحة ، فليس هناك انسان محافظ أو مؤمن بالثقافة العربية أكثر من طه حسين بدليل أن أكبر مهاجمى طه الكاتب محمود محمد شاكر رحم الله كليهما اعترف بنفسه بذلك فى قوله " لم أرى إنسان حريص على اللسان العربى و ثقافته العربية مثل طه حسين . و أكد أن اسهامات طه حسين فى الثقافة العربية و المصرية تدل على محبة و أصالة ، و أنه إنسان لا يعلو على ثقافته العربية أى ثقافة أخرى . و أن ما يقال عنه اتهامات مغرضة يسعى قائليها للشهرة على حساب طه حسين . و أنه فى ذكرى مولده يدعو له بالرحمة و يذكر بمجهوداته فى مجانية التعليم فهو من رفع دوما شعار " التعليم كالماء و الهواء " ، و أن الرئيس محمد مرسى و جيله لولا طه حسين و مجانية التعليم ما تعلموا و ما وصلوا لما هم فيه الآن . وأكد أنه أول من أرسى الأساس الثقافى المصرى فيما يعرف الآن بوزارة الثقافة و المجلس الأعلى للثقافة ، و أنه أول من أوجد للثقافة العربية مكانا فى أوروبا ، فاستحدث معهد الدراسات الإسلامية بمدريد و كرسى محمد على فى اليونان ، و أنه حاول أن ينشئ معهد للجزائ لمناهضة اللغة الفرنسية هناك ، و أنه فعل ذلك رغم أن زوجته فرنسية .