تستورد مصر نحو 70% من الغذاء، ورغم ذلك تصدر ما قيمته 5 مليارات دولار سنوياً من الحاصلات الزراعية الطازجة والأغذية المصنعة،وتشير دراسة للبنك الدولي إلي إمكانية مضاعفة هذا الرقم إلي 15 مليار دولار في المستقبل وهناك إمكانات واعدة لزيادة إنتاج الغذاء بشقيه النباتي والحيواني، ومن ثم تحقيق فائض اعتماداً علي الميزة التنافسية وليس القدرة التنافسية للمنتجات الغذائية المصرية، وللتدليل علي ذلك إليكم الأمثلة الآتية: تحتل مصر المرتبة الأولي علي مستوي العالم في إنتاج التمور إذ تنتج 1.5 مليون طناً (من 15 مليون نخلة) من الإنتاج العالمي الذي يقدر بنحو 7.5 مليون طن، أي أن مصر تنتج 17.7% من الإنتاج العالمي من التمور وترتفع هذه النسبة إلي 23% علي مستوي البلاد العربية، ومع ذلك فإن ترتيب مصر في قائمة الدول العشر الأعلي في تصدير التمور يقع في المركز التاسع، ويعزي هذا التناقض أساساً إلي انتشار آفة سوسة النخيل في واحة سيوة وهو ما يمثل عقبة كأداء أمام تصدير تمورها إلي الخارج، وهو عكس الوضع في الوادي الجديد حيث أمكن القضاء علي هذه الآفة، ومن المنظور الاقتصادي فإنه يمكن تصنيع التمور وتصديرها وذلك لتحقيق قيمة مضافة، فتصدير المواد الخام يكون بأسعار بخسة، وللتدليل علي ذلك ننوه إلي أن محافظة بني سويف تستحوذ علي نسبة 40% من إجمالي صادرات مصر من النباتات الطبية والعطرية، حيث تحقق صادرات تقدر بنحو 60 مليون دولار سنوياً، وإذا تم استخلاص المادة الفعالة في كل من هذه النباتات (الريحان النعناع البقدونس- الشبت الشمر- الكسبرة - الينسون) وتصديرها، فإن ذلك سوف يحقق ربحاً لا يقل عن 250 ألف جنيه لكل فدان. يصل الاكتفاء الذاتي لمصر من الأسماك إلي نسبة 72.7% وتستورد نحو 500 ألف طن نصفها من الجمبري. وتنتج مصر حالياً 1.5 مليون طن من الأسماك يأتي الجزء الأكبر منها (مليون طن) من الاستزراع السمكي، وهناك فرص واعدة لتصدير أسماك المزارع السمكية من أسماك كالدنيس والقاروص، وهي من الأسماك الفاخرة، كذلك فإنه يمكن زيادة إنتاج أسماك البلطي والبوري ومن ثم خفض أسعارها لتكون في متناول المستهلك المصري. تستورد مصر نحو 98% من احتياجاتها من زيوت الطعام، وهو ما يشكل ضغطاً علي ميزان المدفوعات، ناهيك عن كون زيوت الطعام من السلع الاستراتيجية، ولأن مصر تعد من أكبر الدول المستوردة للقمح وزيوت الطعام فإن هذا بلا ريب يؤثر سلباً علي الأمن الغذائي الذي هو مقوم رئيسي من مقومات الأمن القومي المصري، وإزاء هذه المشكلة الخطيرة، فإن خبراء يرون أن مصر يمكن أن تقترب من الإكتفاء الذاتي من زيوت الطعام والأعلاف لو أنها غيرت التركيب المحصولي في العروة الصيفية، فالوضع الحالي هو زراعة من 1.1 إلي 1.8 مليون فدان أرزاً، بالإضافة إلي 200 ألف فدان قطناً، وهو ما يعني أن مساحة ضخمة من الأراضي الزراعية تظل بلا استغلال فيما بين العروات، ويري الخبراء أن زراعة 1.5 مليون فدان بالأرز + نصف مليون فدان بالقطن قصير وطويل التيلة + 2 مليون فدان ذرة صفراء + 2 مليون فدان فول صويا ودوار (عباد) الشمس، ستؤدي إلي حل مشكلة نقص زيوت الطعام والأعلاف بشكل جوهري، فما مدي واقعية هذا الحل؟ نتمني علي وزارة الزراعة أن تدلي بدلوها في هذا الشأن. يصل الفاقد في بعض المحاصيل الزراعية إلي نسبة عالية (قد تصل إلي 70% من محصول كالطماطم) نتيجة لغياب ما يسمي ب «تكنولوجيا ما بعد الحصاد» من توفير وسائل نقل مبردة وتعبئة وتغليف بطرق آمنة، ومن الأمور العجيبة ولكنها باتت شائعة قيام مزارعي الطماطم في بعض الأوقات بحرثها في التربة لأن تكاليف نقل المحصول إلي الأسواق تكون أعلي من عائد بيع هذا المحصول، وحل هذه المشكلة هو إنشاء وحدات تبريد وتصنيع للطماطم بالقرب من أماكن الإنتاج، ويمكن تسويق منتجات كالصلصة والعصير والكاتشب في السوق المحلية وتصدير الفائض إلي الخارج. د. محمد محمود يوسف نائب رئيس الجمعية العلمية للصناعات الغذائية