أسامة ربيع: مؤشرات إيجابية لعودة الملاحة بقناة السويس.. و4.2 مليار دولار عائدات متوقعة في 2025    آليات الاحتلال تطلق النار تجاه المناطق الشرقية لدير البلح بغزة    إسبانيا تتجنب مناقشة التوتر بين أمريكا وفنزويلا في قمة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية بكولومبيا    برشلونة يصعق سيلتا فيجو برباعية ويواصل مطاردة ريال مدريد على صدارة الليجا    شيكابالا عن خسارة السوبر المصري: الزمالك يواجه مشاكل كبيرة والفريق معمول غلط    تجديد حبس عناصر تشكيل عصابى للسرقة بالإكراه فى القليوبية    مي عمر تشارك في بطولة فيلم "هيروشيما" أمام السقا    طريقة عمل الكمونية فى خطوات بسيطة وبمذاق لا يقاوم    خارجية باكستان تبدي استعدادها للتحاور مع أفغانستان بعد فشل المفاوضات الأخيرة في إسطنبول    طائرة تابعة لإير فرانس تحول وجهتها إلى ميونخ بسبب رائحة حريق بقمرة القيادة    قداسة البابا يشهد احتفالية اللجنة المجمعية للطفولة بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية    نجل عبد الناصر يرد على ياسر جلال بعد تصريح إنزال قوات صاعقة جزائرية بميدان التحرير    رسميا.. رينارد يستبعد نجم الهلال من معسكر السعودية    مرتجي: توروب يعمل 20 ساعة يوميا لتطوير أداء الأهلي    عمرو أديب بعد هزيمة الزمالك: بنلاعب فرقة فيها 10 مهاجمين وحارس.. أقل لاعب غلبان اسمه تريزيجيه    القومي للمرأة يكرم خريجات أكاديمية أخبار اليوم المشاركات في لجنة رصد دراما رمضان 2025    السجن المشدد 10 سنوات للمتهم بحيازة أقراص ترامادول وحشيش في الزيتون    النمنم ل«ياسر جلال»: الدفاع عن الداخل المصري كان دائماً مهمة وطنية 100%    محمد المنشاوى ل كلمة أخيرة: هليوبوليس يملك ناديين من الأفضل فى الشرق الأوسط    ختام منتدى إعلام مصر بصورة تذكارية للمشاركين فى نسخته الثالثة    مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يكرم ياسر صادق عن عطائه للمسرح المصري    زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ: اتفاق محتمل لإنهاء إغلاق الحكومة    فوائد زيادة العضلات بالجسم بعد الأربعين    بيطري القليوبية تطلق حملة لتحصين الماشية للوقاية من الأمراض    بينسحبوا في المواقف الصعبة.. رجال 3 أبراج شخصيتهم ضعيفة    دايت من غير حرمان.. سر غير متوقع لخسارة الوزن بطريقة طبيعية    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    لو زوجتك مش على بطاقتك التموينية.. الحل فى 3 دقائق    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    زينة تقدم واجب العزاء لوالد محمد رمضان بمسجد الشرطة    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يطلق ماراثون "حقهم يفرحوا.. واجبنا نحميهم"    بث مباشر.. صدام النجوم المصريين: مانشستر سيتي يواجه ليفربول في قمة الدوري الإنجليزي    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    بث مباشر الكلاسيكو المصري 2025.. القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس السوبر المصري    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    بث مباشر.. برشلونة يسعى لاستعادة توازنه أمام سيلتا فيجو فى الدوري الإسباني اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرابى بشهادات معاصريه البريطانيين
زعيم ثورة سوف يعيش لأجيال فى قلوب المصريين
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 11 - 2017

◄ محاكمته شهادة موثقة من خصومه على زعامته و كبريائه ووطنيته
◄ توفيق ‬ينسحب ‬إلي ‬داخل ‬القصر ‬تاركا ‬مبعوث ‬بريطانيا ‬ليتفاوض
◄ صيحات ‬المصريين ‬في ‬أرجاء ‬مصر ‬ابتهاجا ‬بالانتصار


يبدو ‬أن ‬الدكتور ‬يوسف ‬زيدان، ‬يستوحي ‬أفكاره ‬عن ‬أحمد ‬عرابي، ‬من ‬الخطة ‬التي ‬كلف ‬بوضعها ‬لورد ‬دوفرين ‬المندوب ‬السامي ‬البريطاني ‬بالقاهرة، ‬وهو ‬في ‬الوقت ‬نفسه ‬سفير ‬بريطانيا ‬في ‬اسطنبول، ‬والتي ‬حدد ‬خطواتها، ‬علي ‬الحط ‬من ‬شأن ‬عرابي ‬وسمعته، ‬في ‬نظر ‬المصريين، ‬وبهدف ‬أشمل ‬هو ‬كسر ‬نفسية ‬الشعب ‬المصري، ‬حتي ‬لا ‬يتكرر ‬ما ‬فعله ‬عرابي ‬مرة ‬أخري، ‬وأن ‬يتم ‬نشر ‬هذه ‬الأفكار ‬والترويج ‬لها ‬عن ‬طريق ‬كتابات ‬ومؤلفات ‬وأن ‬تقتلع ‬من ‬ذاكرة ‬المصريين، ‬ما ‬كانوا ‬قد ‬آمنوا ‬به، ‬من ‬أن ‬ما ‬جري ‬ثورة ‬وطنية، ‬بل ‬هي ‬مجرد ‬هوجة ‬وانتهت.‬
الوثائق ‬البريطانية ‬عن ‬أحداث ‬الثورة ‬العرابية، ‬وشهادات ‬الذين ‬عاصروها ‬من ‬شخصيات ‬سياسية ‬وعسكرية ‬بريطانية، ‬تروي ‬ما ‬جري ‬تحديدا ‬في ‬ميدان ‬عابدين، ‬وتقدم ‬شهاداتها ‬عن ‬شخصية ‬أحمد ‬عرابي، ‬ودوره ‬في ‬قيادة ‬حركة ‬وطنية ‬جماهيرية ‬ ‬حسب ‬وصفهم ‬لها.‬
وقبل ‬أن ‬أصل ‬إلي ‬رواياتهم ‬كشهود ‬عاصروا ‬هذه ‬الأحداث، ‬أو ‬كانوا ‬طرفا ‬مباشرا ‬فيها، ‬من ‬المهم ‬أن ‬أنقل ‬عنهم ‬تقييمهم ‬لشخصية ‬عرابي، ‬وحقيقة ‬الحركة ‬التي ‬قادها ‬في ‬مواجهة ‬الخديو ‬توفيق.‬
لورد دوفرين
.. ‬صحيفة ‬‮«‬التايمز‮» ‬‬العريقة، ‬كتبت ‬يوم ‬وفاة ‬عرابي ‬بالنص :‬ربما ‬تكون ‬هناك ‬قلة ‬من ‬الشخصيات ‬التي ‬ليس ‬لها ‬تأثير ‬في ‬التاريخ ‬في ‬هذا ‬العصر، ‬لكن ‬المحاكمة ‬التي ‬جرت ‬لأحمد ‬عرابي، ‬تصبح ‬ذات ‬مغزي، ‬عن ‬أهمية ‬حركته ‬التي ‬لم ‬يقدر ‬لها ‬النجاح. ‬فلأول ‬مرة ‬يحاول ‬شعب ‬من ‬شعوب ‬الشرق، ‬ومن ‬رعايا ‬دولة ‬أخري، ‬أن ‬يطيح ‬بسيطرة ‬أقلية ‬تستحوذ ‬علي ‬الامتيازات، ‬وأن ‬يقيم ‬حكومته ‬التمثيلية ‬الدستورية، ‬وهو ‬يتحدي ‬بذلك ‬القوي ‬الأوروبية.‬
.. ‬ويكمل ‬ما ‬كتبته ‬التايمز ‬ما ‬ذكره ‬المبعوث ‬البريطاني ‬في ‬كيب ‬تاون، ‬في ‬رسالة ‬إلي ‬ويلفريد ‬بلنت ‬مبعوث ‬الحكومة ‬البريطانية ‬في ‬مصر، ‬في ‬أغسطس ‬1892، ‬قائلا:‬‮‬ «مهما ‬يكن ‬ما ‬جري ‬لعرابي، ‬فسوف ‬يعيش ‬لأجيال ‬في ‬قلوب ‬المصريين‮»‬.‬.. .. ‬المعاني ‬نفسها ‬جاءت ‬في ‬شهادة ‬ماكنزي ‬والاس ‬macenzie wallace ‬ الذي ‬صحب ‬لورد ‬دوفرين ‬الي ‬القاهرة، ‬كمراسل ‬خاص ‬للتايمز، ‬والذي ‬نشر ‬في ‬عام ‬1883 ‬كتابا ‬تفصيليا ‬سجل ‬فيه ‬رؤيته ‬كشاهد ‬لما ‬جري ‬في ‬أثناء ‬ثورة ‬عرابي، ‬عنوانه‬‮ «‬مصر ‬والمسألة ‬المصرية‮» ‬‬قال ‬فيه:‬
‮«‬لم ‬يحدث ‬منذ ‬أيام ‬محمد ‬علي، ‬أو ‬ربما ‬قبل ‬ذلك، ‬أن ‬عرفت ‬مصر ‬رجلا ‬لديه ‬مثل ‬هذه ‬القيادة ‬الحازمة، ‬لبلاده، ‬مثل ‬أحمد ‬عرابي .‬فلم ‬يكن ‬الجيش ‬والشرطة ‬فقط ‬هما ‬من ‬تحت ‬إمرته، ‬بل ‬أنه ‬حظي ‬ ‬مثلما ‬رأيت ‬ذلك ‬بنفسي ‬ بتعاطف ‬كل ‬قطاع ‬تقريبا ‬من ‬المصريين.‬
عرابي ‬في ‬ميدان ‬عابدين علي ‬ظهر ‬حصانه ‬في ‬مواجهة ‬الخديو
تلك ‬الشهادات ‬من ‬بريطانيين ‬كانت ‬أحداث ‬الثورة ‬العرابية ‬تحت ‬أعينهم، ‬تصل ‬بنا ‬إلي ‬الواقعة ‬التي ‬جرت ‬في ‬ميدان ‬عابدين ‬بين ‬عرابي، ‬والخديو ‬توفيق، ‬وطبقا ‬لما ‬رواه ‬سير ‬أوكلاند ‬كولفين ‬SIR AUCKLAN COLVIN ‬الممثل ‬الرسمي ‬للنفوذ ‬البريطاني ‬في ‬مصر، ‬بعد ‬رحيل ‬ويلفريد ‬بلنت ‬عن ‬مصر.‬
فقد ‬بعث ‬عرابي ‬وزملاؤه ‬من ‬الضباط، ‬برسالة ‬إلي ‬الخديو ‬توفيق ‬يطلبون ‬لقاءه ‬في ‬قصر ‬عابدين ‬واتخذوا ‬بالفعل ‬مسيرتهم ‬إلي ‬القصر، ‬يتقدمون ‬كتائبهم ‬العسكرية (‬2500 ‬ضابط ‬وجندي) ,‬وأوضحوا ‬للخديو ‬أنهم ‬ليسوا ‬ذاهبين ‬إلي ‬سكنه ‬الخاص ‬بالقصر، ‬أرادوا ‬بذلك ‬التنبيه ‬المقصود، ‬ألا ‬يسببوا ‬أي ‬فزع ‬لسيدات ‬القصر.‬ في ‬تلك ‬اللحظة ‬نصح ‬كولفين ‬الخديو ‬توفيق ‬بأن ‬يتحرك ‬إلي ‬ميدان ‬عابدين، ‬علي ‬رأس ‬كتيبتين ‬عسكريتين ‬وصفهما ‬رياض ‬باشا ‬بالولاء ‬للخديو ‬ ‬وأن ‬يأمر ‬بإلقاء ‬القبض ‬علي ‬عرابي، ‬وكان ‬الخديو ‬يستمع ‬إلي ‬نصائح ‬كولفين ‬باعتباره ‬مستشاره ‬غير ‬الرسمي، ‬وحيث ‬لم ‬تكن ‬في ‬مصر ‬وقتئذ ‬قوات ‬بريطانية.‬
في ‬النهاية ‬وصل ‬الخديو ‬توفيق ‬إلي ‬ميدان ‬عابدين، ‬في ‬صحبة ‬كولفين، ‬وعدد ‬من ‬الضباط ‬المصريين ‬والأوروبيين.‬
وظلت ‬نصيحة ‬كولفين ‬عالقة ‬في ‬رأس ‬الخديو، ‬بأن ‬يتم ‬اعتقال ‬عرابي، ‬مع ‬عدم ‬استبعاد ‬إطلاق ‬الرصاص ‬عليه، ‬إذا ‬امتنع ‬عن ‬إطاعة ‬أوامر ‬الخديو.‬
عرابي ‬يقدم ‬3 ‬مطالب باسم ‬الشعب ‬المصري
كولفين ‬روي ‬بخط ‬يده ‬ما ‬جري ‬في ‬ميدان ‬عابدين ‬في ‬تقرير ‬كتبه ‬لحكومته، ‬قال ‬فيه: ‬قلت ‬للخديو ‬ ‬في ‬اللحظة ‬التي ‬يقدم ‬فيها ‬عرابي ‬نفسه ‬لكم، ‬قل ‬له ‬أن ‬يسلمك ‬سيفه .‬وأن ‬يأمر ‬قواته ‬بالانصراف ‬ثم ‬تتحرك ‬أنت ‬في ‬الميدان ‬علي ‬ظهر ‬حصانك ‬وتخاطب ‬كل ‬كتيبة ‬من ‬كتائبه، ‬علي ‬حدة، ‬وتأمرهم ‬بالانصراف.‬
ثم ‬يقول ‬كولفين: ‬اقترب ‬عرابي ‬ممتطيا ‬ظهر ‬حصانه ‬فناداه ‬كولفين ‬بأن ‬يترجل ‬فاستجاب ‬عرابي ‬ومشي ‬علي ‬قدميه ‬ثم ‬سأل ‬كولفين ‬عرابي، ‬ما ‬الذي ‬يعنيه ‬كل ‬ما ‬يحدث ‬هنا ‬الآن؟
.. ‬وأجاب ‬عرابي ‬بأن ‬سرد ‬علي ‬سمعه ‬ثلاث ‬نقاط، ‬وأضاف ‬أن ‬الجيش ‬جاء ‬إلي ‬هنا ‬باسم ‬الشعب ‬المصري، ‬لوضع ‬النقاط ‬الثلاث ‬موضع ‬التنفيذ ‬ولن ‬يتراجع ‬حتي ‬تتحقق ‬مطالبه.. ‬وهي:‬
- ‬عزل ‬كل ‬الوزراء.‬
- ‬ضرورة ‬انعقاد ‬البرلمان.‬
- ‬زيادة ‬قوة ‬الجيش ‬إلي ‬180 ‬ألف ‬جندي.‬
وافق ‬توفيق ‬علي ‬المطلب ‬الأول، ‬بينما ‬وافق ‬عرابي ‬علي ‬النظر ‬في ‬الطلبين ‬الثاني ‬والثالث. ‬وطلب ‬الضباط ‬تعيين ‬شريف ‬باشا ‬رئيسا ‬لمجلس ‬الوزراء ‬ورد ‬عليهم ‬الخديو ‬بطرح ‬مجموعة ‬أسماء ‬أخري، ‬رفضها ‬الضباط، ‬ثم ‬وافق ‬الخديو ‬علي ‬طلبهم.‬. عندئذ ‬توجه ‬كولفين ‬بالحديث ‬إلي ‬الخديو ‬توفيق ‬قائلا ‬له: ‬ليس ‬من ‬المناسب ‬للخديو ‬أن ‬يناقش ‬مثل ‬هذه ‬الأمور ‬مع ‬الضباط. ‬فانسحب ‬توفيق ‬إلي ‬داخل ‬قصر ‬عابدين، ‬تاركا ‬كولفين ‬ليتحدث ‬مع ‬الضباط، ‬واستمر ‬حديثهم ‬لمدة ‬ساعة، ‬وهو ‬يشرح ‬لهم ‬خطورة ‬ما ‬يحدث ‬بالنسبة ‬لهم.‬
وقتها ‬وصل ‬تشارلز ‬كوكسون، ‬الذي ‬كان ‬يقوم ‬بمهام ‬القنصل ‬العام ‬في ‬غياب ‬ماليت، ‬وكان ‬يتكلم ‬العربية ‬بطلاقة، ‬ليواصل ‬من ‬ناحيته ‬المفاوضات.‬
وكما ‬يوضح ‬كولفين ‬فإن ‬توفيق - ‬حسب ‬تقديره - ‬أدرك ‬يومها ‬قوة ‬الحركة ‬الوطنية ‬في ‬الجيش، ‬وقرر ‬أن ‬يتفاهم ‬معها. ‬واستبق ‬النية ‬لاعتقال ‬عرابي، ‬بسبب ‬استناده ‬إلي ‬تأييد ‬القوات ‬الموالية ‬له، ‬وكل ‬ما ‬فعله ‬توفيق ‬في ‬هذه ‬اللحظة ‬أن ‬سأل ‬كولفين ‬أن ‬يشاركه ‬تقدير ‬موقفه، ‬من ‬حيث ‬نقاط ‬ضعفه.‬. من ‬ناحيته ‬يسجل ‬المؤرخ ‬البريطاني ‬بيتر ‬مانسفيلد ‬هذه ‬الأحداث ‬في ‬كتابه‬‮ «البريطانيون ‬في ‬مصر» ‬‬الصادر ‬في ‬لندن ‬عام ‬1971 ‬ومانسفيلد ‬مؤرخ ‬وكاتب ‬سياسي ‬صدرت ‬له ‬عشرات ‬الكتب ‬معظمها ‬عن ‬أحداث ‬تاريخية ‬في ‬الشرق ‬الأوسط ,‬وكان ‬قد ‬استقال ‬من ‬عمله ‬بوزارة ‬الخارجية ‬البريطانية، ‬لموقفه ‬المعارض ‬للعدوان ‬الثلاثي ‬علي ‬مصر ‬عام ‬1956‬. وعمل ‬مراسلا ‬لكبريات ‬الصحف ‬البريطانية ‬مثل ‬التايمز، ‬وإيكونومست، ‬وصنداي ‬تايمز، ‬وفاينانشيال ‬تايمز ‬وغيرها، ‬ويعتبر ‬في ‬بلاده ‬واحدا ‬من ‬أكثر ‬الصحفيين ‬تميزا ‬واحتراما، ‬بعد ‬40 ‬عاما ‬من ‬الكتابة ‬والتأليف.‬
التايمز: ‬الجيش ‬المصري هو ‬المؤسسة ‬الوطنية ‬الوحيدة ‬في ‬مصر
يقول ‬مانسفيلد ‬في ‬كتابه:‬ أصبح ‬عرابي ‬بطلا ‬وطنيا، ‬عقب ‬واقعة ‬استدعائه ‬بطلب ‬من ‬وزير ‬الحربية ‬عثمان ‬رفقي، ‬إلي ‬ثكنات ‬قصر ‬النيل، ‬بحجة ‬مناقشة ‬ترتيبات ‬حفل ‬زفاف ‬أخت ‬الخديو، ‬وحين ‬ذهب ‬في ‬الموعد ‬يصحبة ‬زملائه ‬من ‬الضباط ‬المصريين، ‬فوجئوا ‬بالضباط ‬الشراكسة ‬يلقون ‬القبض ‬عليهم، ‬تمهيدا ‬لمحاكمتهم. ‬لكن ‬زملاءهم ‬في ‬الكتيبة ‬بقيادة ‬محمد ‬عبيد ‬أنقذوهم، ‬وأطلقوا ‬سراحهم. ‬ونتيجة ‬هذه ‬الفضيحة ‬اضطرت ‬الحكومة ‬لعزل ‬رفقي، ‬وتعيين ‬محمود ‬سامي ‬البارودي ‬وزيرا ‬للحربية.‬
كانت ‬صحيفة ‬التايمز ‬تلتزم ‬بالمعالجة ‬المهنية ‬للأحداث، ‬فكتبت ‬في ‬12 ‬سبتمبر ‬1881،» ‬يجب ‬أن ‬نتذكر ‬أن ‬الجيش ‬المصري ‬هو ‬المؤسسة ‬الوطنية ‬الوحيدة، ‬التي ‬توجد ‬في ‬مصر ‬الآن. ‬أما ‬جميع ‬المؤسسات ‬الأخري ‬فقد ‬تم ‬اجتياحها، ‬والسيطرة ‬عليها ‬من ‬قناصل ‬انجلترا ‬وفرنسا‮».‬
وبدأ ‬دور ‬الجيش ‬أيام ‬عرابي، ‬بالعمل ‬علي ‬الدفاع ‬عن ‬مصالحه ‬الوطنية، ‬لكنه ‬وجد ‬نفسه ‬يتصدي ‬لمناصرة ‬المصالح ‬الوطنية ‬للبلاد .‬فبالإضافة ‬إلي ‬مطالبته ‬في ‬البداية، ‬بزيادة ‬عدد ‬أفراد ‬الجيش ‬إلي ‬180 ‬ألفا، ‬فإن ‬مطالبه ‬تطورت ‬إلي ‬المناداة ‬بدستور ‬مكتوب، ‬وبرنامج ‬إصلاحي ‬لإلغاء ‬السخرة.‬
في ‬هذا ‬الوقت ‬ ‬وطبقا ‬لرواية ‬مانسفيلد ‬ ‬فإن ‬مبعوثي ‬الحكومة ‬البريطانية، ‬خاصة ‬كولفين، ‬كانوا ‬يفتقدون ‬أي ‬فهم ‬حقيقي ‬لعقلية ‬المصريين، ‬إلي ‬حد ‬أنهم ‬كانوا ‬يشيرون ‬إلي ‬عرابي، ‬علي ‬أنه ‬متعصب ‬وجاهل، ‬وهي ‬أوصاف ‬مضللة.‬
لكن ‬إدوارد ‬بلنت ‬الذي ‬كان ‬ضالعا ‬في ‬الأحداث ‬المصرية ‬في ‬عامي ‬1881 ‬و ‬1882، ‬قد ‬فهم ‬لاحقا ‬لماذا ‬أصبح ‬عرابي ‬بطلا ‬في ‬نظر ‬الجماهير ‬المصرية، ‬وعبر ‬بلنت ‬عن ‬رأيه ‬هذا ‬في ‬مقال ‬نشره ‬بمجلة‬‮ «‬القرن ‬التاسع ‬عشر»‬، ‬وأيضا ‬في ‬خطابات ‬أرسلها ‬لصحيفة ‬التايمز، ‬ينبه ‬إلي ‬أن ‬الرأي ‬العام ‬البريطاني ‬قد ‬استوعب ‬أخيرا ‬القضية ‬الوطنية ‬للمصريين.‬
وبعد ‬رحيل ‬بلنت ‬عن ‬مصر، ‬حل ‬محله ‬كولفين ‬ممثلا ‬للنفوذ ‬البريطاني.‬. في ‬هذه ‬الظروف ‬بدأت ‬تلوح ‬خيوط ‬مؤامرة ‬يدبرها ‬الخديو ‬ضد ‬عرابي ‬ورفاقه، ‬الذين ‬وضعهم ‬تحت ‬مراقبة ‬مستمرة ‬من ‬جواسيس ‬القصر، ‬مما ‬أوجد ‬لدي ‬عرابي ‬وزملائه، ‬شكوكا، ‬بأن ‬هناك ‬خطة ‬لقتلهم ‬فقرر ‬الضباط ‬المصريون ‬أن ‬تكون ‬لهم ‬المبادرة ‬بالخطوة ‬الأولي، ‬وهي ‬التي ‬تمت ‬برسالتهم ‬للخديو ‬للقادة ‬في ‬عابدين.‬
المصريون ‬يهللون ‬في ‬الشوارع‬
الله ‬ينصرك ‬يا ‬عرابي

ويلفريد ‬بلنت ‬نفسه ‬كتب ‬يقول: ‬إن ‬الأشهر ‬الثلاثة ‬التي ‬أعقبت ‬واقعة ‬المواجهة ‬في ‬ميدان ‬عابدين، ‬كانت ‬أكثر ‬الأوقات ‬التي ‬عرفتها ‬مصر، ‬من ‬حيث ‬شعور ‬المصريين ‬بالسعادة. ‬فقد ‬ارتفعت ‬الصيحات ‬في ‬كل ‬أرجاء ‬مصر ‬ابتهاجا ‬بالانتصار، ‬وكان ‬الناس ‬يستوقفون ‬بعضهم ‬في ‬الشوارع، ‬بما ‬في ‬ذلك ‬الغرباء ‬عنهم، ‬يحتضنونهم، ‬ابتهاجا ‬بعصر ‬جديد ‬من ‬الحرية ‬التي ‬لاحت ‬فجأة، ‬مثل ‬فجر ‬أهل ‬عليهم ‬بعد ‬ليل ‬طويل ‬من ‬الخوف. ‬وكانت ‬صيحات ‬المصريين ‬في ‬الشوارع ‬تردد ‬عبارة: ‬الله ‬ينصرك ‬يا ‬عرابي، ‬وكما ‬نقلها ‬البريطانيون ‬بالانجليزية : ‬Allah Yansurak ya Arabi
كان ‬الجيش ‬في ‬ربيع‬1882، ‬قد ‬أحكم ‬سيطرته ‬علي ‬البلاد، ‬بتأييد ‬حماسي ‬من ‬المصريين، ‬بينما ‬الخديو ‬يراقب ‬المشهد، ‬بالاستياء ‬والتوتر ‬العصبي، ‬وفي ‬هذه ‬الأجواء ‬اعتقد ‬الفلاحون ‬أن ‬عصر ‬المرابين ‬قد ‬بلغ ‬نهايته، ‬ومعه ‬السخرة، ‬والكرباج ‬وأن ‬مصر ‬سيحكمها ‬مصريون ‬وشعر ‬المصريون ‬بأن ‬الجيش ‬يوفر ‬لهم ‬حماية ‬فعلية، ‬إزاء ‬مخاوف ‬حقيقية ‬من ‬غزو ‬انجلو ‬فرنسي ‬أو ‬تركي.‬
وظل ‬عرابي ‬يستشعر ‬عن ‬اقتناع ‬أن ‬ترتيبات ‬تجري ‬لمؤامرة ‬ضده ‬وضد ‬الجيش.‬
وفي ‬جو ‬المؤامرة، ‬والتمهيد ‬لاحتلال ‬بريطانيا ‬لمصر ‬عام ‬1882، ‬جري ‬الترويج ‬لوجود ‬فوضي ‬في ‬مصر، ‬وهو ‬ما ‬يقول ‬عنه ‬مانسفيلد: ‬صحيح ‬كانت ‬البلاد ‬في ‬حالة ‬اهتياج، ‬لكن ‬لم ‬تكن ‬هناك ‬فوضي ‬علي ‬الإطلاق.‬
وكانت ‬جماهير ‬الشعب ‬المصري، ‬بمن ‬فيهم ‬الغالبية ‬العظمي ‬من ‬علماء ‬الأزهر ‬والذين ‬ينظر ‬إليهم ‬علي ‬انهم ‬ممثلو ‬الرأي ‬العام ‬يؤيدون ‬عرابي ‬بقوة، ‬بينما ‬البريطانيون ‬يجهزون ‬للاحتلال ‬الذي ‬كان ‬وقت ‬تنفيذه ‬بعد ‬شهرين.‬
الحرب ‬والخيانة
ونفذت ‬المؤامرة ‬بإشعال ‬الحرب ‬في ‬أكثر ‬من ‬ميدان، ‬من ‬كفر ‬الدوار ‬إلي ‬التل ‬الكبير، ‬لتلعب ‬الخيانة ‬دورها، ‬الي ‬ان ‬دارت ‬معركة ‬في ‬الاسماعيلية ‬بين ‬قوة ‬بريطانية ‬من ‬30 ‬ألف ‬جندي، ‬في ‬مواجهة ‬قوة ‬عرابي ‬من ‬10 ‬آلاف ‬جندي، ‬وإن ‬كانت ‬قد ‬نجحت ‬في ‬معركة ‬في ‬القصاصين ‬في ‬28 ‬أغسطس، ‬وفي ‬أسر ‬دون ‬كوناجت ‬لكن ‬الأحداث ‬وصلت ‬في ‬فجر ‬13 ‬سبتمبر، ‬إلي ‬عبور ‬القوات ‬البريطانية ‬الخطوط ‬المصرية، ‬وانقضت ‬علي ‬قوات ‬عرابي ‬من ‬ناحيتين.‬
وبعد ‬هزيمة ‬قوات ‬عرابي ‬في ‬آخر ‬معركة ‬خسر ‬فيها ‬البريطانيون ‬57 ‬قتيلا، ‬و22 ‬مفقودا، ‬استقل ‬عرابي ‬القطار ‬الي ‬القاهرة ‬للتجهيز ‬للدفاع ‬عنها ‬لكن ‬الانجليز ‬كانوا ‬قد ‬تقدموا ‬الي ‬القاهرة ‬واحتلوها.‬
وجد ‬عرابي ‬لدي ‬وصوله ‬قرارا ‬من ‬المجلس ‬العسكري، ‬بأن ‬يستسلم ‬للخديو ‬وسلم ‬عرابي ‬سيفه ‬للجنرال ‬الانجليزي ‬بعد ‬صدور ‬قرار ‬باعتباره ‬سجين ‬حرب.‬
محاكمة ‬عرابي
شهادة ‬علي ‬قيادته ‬ووطنيته
تولي ‬الجنرال ‬جارنت ‬ووسلي، ‬مهمة ‬ترتيب ‬إجراءات ‬التعامل ‬مع ‬عرابي ‬وزملائه ‬وكان ‬رأي ‬الخديو ‬ورياض ‬باشا، ‬إعدامهم ‬فورا ‬ودون ‬محاكمة.‬
لكن ‬بعض ‬كبار ‬المصريين ‬الذين ‬انضموا ‬الي ‬معسكر ‬الخديو، ‬تخوفوا ‬مما ‬يمكن ‬أن ‬تكشف ‬عنه ‬محاكمة ‬عرابي ‬من ‬حرج ‬لهم. ‬بينما ‬أظهرت ‬بعض ‬الصحف ‬البريطانية، ‬والمقيمين ‬في ‬مصر، ‬وبتأييد ‬الجالية ‬الأوروبية، ‬تعطشا ‬لدماء ‬عرابي، ‬وهم ‬في ‬حالة ‬زهو ‬بعد ‬الانتصار ‬علي ‬جيش ‬الفلاجين.‬
في ‬مواجهة ‬هذا ‬التباين ‬في ‬المواقف ‬والنيات، ‬سيطر ‬علي ‬معسكر ‬الخديو ‬شعور ‬بأن ‬رد ‬الفعل ‬للتعجيل ‬بإعدام ‬عرابي ‬سيكون ‬شديدا. ‬ولهذا ‬بدأ ‬ويلفريد ‬بلنت، ‬وكان ‬وقتها ‬في ‬لندن، ‬إعداد ‬خطة ‬للسماح ‬لعرابي ‬بمحاكمة ‬مناسبة، ‬وتم ‬إقناع ‬القناصل ‬الأوروبيين ‬في ‬القاهرة، ‬وساسة ‬بريطانيا ‬بالموافقة ‬علي ‬الخطة.‬
وفي ‬18 ‬أكتوبر ‬وصل ‬إلي ‬مصر، ‬برادلي ‬الذي ‬كان ‬قد ‬حل ‬محل ‬بلنت، ‬للإعداد ‬لمحاكمة ‬عرابي، ‬لكنه ‬واجه ‬من ‬البداية ‬عقبات ‬أمام ‬مهمته، ‬نظرا ‬لأن ‬الخديو ‬ووزراءه، ‬يسيطر ‬عليهم ‬الغضب ‬والاستياء، ‬تجاه ‬قرار ‬الحكومة ‬البريطانية ‬إجراء ‬محاكمة ‬مناسبة ‬لعرابي ‬وأنها ‬ارسلت ‬سير ‬تشارلز ‬ولسون، ‬ليكون ‬مراقبا ‬رسميا ‬للمحاكمة.‬
وطبقا ‬لما ‬سجله ‬مانسفيلد، ‬فقد ‬حظي ‬عرابي ‬بإعجاب ‬كل ‬من ‬رأه ‬في ‬السجن، ‬لاعتزازه ‬بكرامته، ‬وكبريائه، ‬حتي ‬أن ‬بلنت ‬كتب ‬يقول:‬ بالرغم ‬من ‬تراجع ‬قدراته ‬البدنية، ‬إلا ‬أنه ‬كان ‬يتمتع ‬بحالة ‬معنوية ‬عالية ‬للغاية .‬وكان ‬الوضع ‬يحتاج ‬من ‬الحكومة ‬البريطانية ‬التعجيل ‬بإيجاد ‬حل.‬
وحين ‬بدأت ‬إجراءات ‬التحقيق ‬المبدئية ‬مع ‬عرابي، ‬أصبح ‬واضحا ‬تماما، ‬عدم ‬وجود ‬إدانة ‬لعرابي ‬بأي ‬تهمة، ‬باستثناء ‬تهمة ‬التمرد ‬التي ‬يدور ‬جدل ‬بشأنها، ‬واحتوت ‬أوراق ‬عرابي ‬الخاصة، ‬الدليل ‬علي ‬أن ‬السلطان ‬العثماني ‬وافق ‬في ‬البداية ‬علي ‬ما ‬فعله ‬عرابي، ‬وأن ‬توفيق ‬يكون ‬بناء ‬علي ‬ذلك ‬هو ‬الذي ‬لجأ ‬للعدو، ‬وبذلك ‬تنطبق ‬عليه ‬تهمة ‬الخيانة.‬
وثائق ‬أرشيف ‬يلدز ‬بإسطنبول تحوي ‬رسائل ‬عرابي ‬للسلطان
وطبقا ‬لما ‬هو ‬مسجل ‬في ‬وثائق ‬أرشيف ‬يلدز ‬في ‬إسطنبول، ‬فهناك ‬رسالة ‬من ‬عرابي ‬الي ‬السلطان ‬العثماني ‬يصف ‬فيها ‬توفيق ‬بعدم ‬الكفاءة، ‬وبأنه ‬وضع ‬كل ‬شئون ‬الدولة ‬في ‬يد ‬القنصل ‬العام ‬البريطاني ‬وهو ‬ما ‬أوجد ‬أطماع ‬بريطانيا ‬في ‬غزو ‬مصر.‬. وتسجل ‬وثائق ‬أرشيف ‬يلدز ‬أن ‬تدخل ‬بريطانيا ‬وفرنسا ‬في ‬شئون ‬مصر ‬الداخلية، ‬قد ‬أوجد ‬شعورا ‬قويا ‬في ‬مصر ‬ضدهما، ‬وأن ‬عرابي ‬وزملاءه ‬كانوا ‬يريدون ‬عزل ‬الخديو ‬توفيق ‬بسبب ‬خضوعه ‬للسياسة ‬الانجليزية، ‬وأن ‬هذا ‬الوضع ‬أوجد ‬في ‬مصر ‬حركة ‬وطنية.‬
وعلي ‬الناحية ‬الأخري، ‬فقد ‬أرسل ‬توفيق ‬في ‬نوفمبر ‬1881، ‬رسالة ‬إلي ‬السلطان ‬يبلغه ‬ان ‬في ‬مصر ‬حالة ‬تمرد.‬
والواضح ‬أن ‬السلطان ‬كان ‬يؤيد ‬توفيق، ‬وعرابي ‬في ‬الوقت ‬نفسه، ‬انتظارا ‬ليري ‬من ‬ستكون ‬له ‬الغلبة.‬
ظلت ‬محاكمة ‬عرابي ‬قبل ‬أن ‬تبدأ، ‬بمثابة ‬مأزق ‬للحكومة ‬البريطانية، ‬وفي ‬سعيها ‬للخروج ‬من ‬المأزق، ‬أوفدت ‬لورد ‬دوفرين ‬من ‬اسطنبول ‬في ‬مهمة ‬خاصة ‬الي ‬القاهرة، ‬وقام ‬هو ‬بترتيب ‬الحل ‬الذي ‬يتم ‬بموجبه، ‬اقرار ‬عرابي ‬وستة ‬من ‬رفاقه، ‬بأنهم ‬مذنبون ‬بتهمة ‬التمرد ‬وعقوبتها ‬الاعدام. ‬ثم ‬تخفف ‬العقوبة ‬الي ‬النفي ‬الي ‬جزيرة ‬سيلان.‬. في ‬البداية ‬اعترض ‬عرابي ‬محتجا. ‬وقال ‬إنه ‬يطالب ‬بمحاكمة ‬يدافع ‬أمامها ‬عن ‬نفسه.‬. لكن ‬برادلي ‬رد ‬علي ‬عرابي ‬قائلا، ‬إنه ‬الآن ‬تحت ‬رحمة ‬بريطانيا. ‬ومن ‬غير ‬الممكن ‬ان ‬يوافق ‬الوزراء ‬في ‬الحكومة ‬البريطانية ‬علي ‬حل، ‬يكون ‬معناه ‬بطلان ‬ما ‬فعلوه ‬في ‬مصر.‬. وعقدت ‬محاكمة ‬عرابي ‬في ‬الثالث ‬من ‬ديسمبر، ‬وبعد ‬ثلاثة ‬أسابيع ‬ثم ‬تجريده ‬من ‬مقتنياته.‬
كان ‬عرابي ‬قبل ‬محاكمته ‬بأسبوع ‬قد ‬كتب ‬وهو ‬في ‬سجنه، ‬مذكرة ‬حول ‬إصلاح ‬مصر، ‬من ‬إحدي ‬عشرة ‬نقطة.‬

تعهد ‬الخديو ‬لبريطانيا بالطاعة ‬لمبعوثها ‬في ‬مصر


يقول ‬مانسفيلد، ‬عن ‬خطة ‬بريطانيا ‬بعد ‬هزيمة ‬عرابي، ‬اذا ‬كان ‬هناك ‬شك - ‬وهو ‬أمر ‬مختلف ‬عليه - ‬في ‬قدرات ‬عرابي ‬علي ‬الحكم ‬والاصلاح، ‬فإن ‬الاحتلال ‬البريطاني ‬قد ‬دمر ‬قدرة ‬المصريين ‬علي ‬حكم ‬أنفسهم ‬بأنفسهم.‬
وتلك ‬ما ‬فعلته ‬خطة ‬لورد ‬دوفرين.‬. وكان ‬دوفرين ‬قد ‬أعد ‬تقريرا ‬في ‬1882 - ‬1883 ‬قدمه ‬إلي ‬مجلس ‬الوزراء ‬البريطاني ‬في ‬6 ‬فبراير ‬1883، ‬عن ‬الوصول ‬إلي ‬تعهد ‬غير ‬مكتوب ‬من ‬الخديو ‬توفيق ‬ووزرائه ‬بأن ‬يطيعوا ‬مبعوث ‬بريطانيا ‬في ‬مصر.‬. وهو ‬النظام ‬الذي ‬وصفه ‬لورد ‬ميلنر، ‬بأنه ‬شكل ‬من ‬اشكال ‬الحماية ‬المستترة، ‬لعلاقة ‬استعمارية.‬
وكانت ‬قد ‬جرت ‬محاولات ‬عديدة ‬بعد ‬فشل ‬ثورة ‬عرابي، ‬وعقب ‬محاكمته، ‬لإثارة ‬الشكوك ‬حول ‬طبيعة ‬وأهداف ‬حركته، ‬وتصوير ‬عرابي ‬علي ‬أنه ‬مغامر ‬جاهل ‬وهو ‬ادعاء ‬قال ‬عنه ‬كتاب ‬بريطانيون، ‬انه ‬غير ‬صحيح ‬ومضلل، ‬فقد ‬تعلم ‬عرابي ‬القرآن ‬في ‬مدرسة ‬القرية، ‬وفي ‬الازهر، ‬وانه ‬يمتلك ‬كثيرا ‬من ‬المؤهلات ‬الأساسية، ‬للقيادة، ‬وهي ‬الشجاعة، ‬والثقة ‬بالنفس، ‬والاعتزاز ‬بكرامته.‬. لكن ‬لورد ‬دوفرين - ‬الذي ‬بعثته ‬حكومته ‬من ‬اسطنبول ‬الي ‬القاهرة ‬لمهمة ‬محددة، ‬قد ‬وضع ‬خطة ‬للعمل ‬بكل ‬الوسائل، ‬وباستخدام ‬اشخاص ‬ممن ‬انقلبوا ‬علي ‬عرابي، ‬وممن ‬خانوه ‬وهو ‬في ‬قلب ‬المعركة، ‬لينشروا ‬بين ‬الناس، ‬كل ‬ما ‬يسيء ‬الي ‬شخص ‬عرابي، ‬ويقلل ‬من ‬قيمته، ‬ان ‬ما ‬جري ‬حركة ‬وطنية، ‬وحتي ‬يمكن ‬كسر ‬نفسية ‬المصريين، ‬حتي ‬لا ‬يثوروا ‬مرة ‬أخري.‬
وظهر ‬من ‬بيننا ‬من ‬يستوحي ‬فكرة ‬من ‬مصدر ‬إلهامه ‬ ‬لورد ‬دوفرين.‬
لمزيد من مقالات عاطف الغمري;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.