أصبح الآن لدينا فى مصر المحروسة 92 حزباً سياسياً ، وهذا العدد مقيد بالتمام والكمال بسجلات لجنة الأحزاب السياسية وفق قانون الأحزاب ، وكان عددها قبل التعديل الأخير عام 2011 لم يتجاوز 24 حزباً سياسياً !! بعدها تكاثر عددها ومع ذلك مازالت هذه الأحزاب تفتقد وجودها وتأثيرها فى الحياة السياسية ، حتى ان معظم الناس لا يعرفون عن أسمائها أو قياداتها أو برامجها شيئاً ، ولهذا كانت الدعوة الى دمج الأحزاب ، لإثراء الحياة السياسية حتى يكون لها وجود ، قد صادفت محلها فى مواجهة الحالة الراهنة للأحزاب المصرية . وحتى لا نظلم الأحزاب السياسية على كثرتها وضعفها ، وحتى لا نظلم قانون الأحزاب وتعديلاته المنظم لإجراءات تأسيسها منذ عام 2011 أمام لجنة الأحزاب السياسية ، وهى لجنة مشكلة تشكيلاً قضائياً كاملاً ومقرها محكمة النقض ، أو تحديد مصادر تمويلها وأوجه صرفها ، ومسئوليتها فى تحقيق التقدم السياسى والإجتماعى والاقتصادى للوطن ، باعتبارها منظمات وطنية شعبية وديمقراطية ، تجمع المواطنين وتمثلهم سياسياً ، وتحديد الضوابط والمحاذير التى تُشترط لتأسيس الحزب وممارسة نشاطه ، وحقه فى إصدار صحيفة أو أكثر ، وطرق الطعن فى القرارات التى تؤثر على حياته ، فان الحياة الحزبية فى مصر ، رغم كل ذلك ، مازالت فى حالة من الوهن والضعف بما يستدعى مراجعة حالها وكيفية تقويتها أو دمجها ، حتى يمكنها القيام بواجباتها ومسئولياتها تجاه الوطن . ويؤكد كاتب المقال ، أنه لم ينضم الى أى من الاحزاب السياسية فى أى وقت ، ولكنه قد أعد دراسة عن الخبرة السياسية والحياة الحزبية فى مصر لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية 4 6 ديسمبر 99 ، كما كتب فى هذا المكان بتاريخ 21/3/2001 عن تفاقم الأزمة الحزبية ، ومرة أخرى فى 5/12/2014 تأكيداً لأهمية الحياة السياسية والحزبية فى مصر على تاريخها الطويل . فمن يصدق أن حياتنا الحزبية قد بدأت منذ عام 1879 لمواجهة التدخلات الأجنبية فى شئون البلاد ، فكانت » جمعية حلوان .. وجمعية مصر الفتاة » ودارت الأيام والسنون فى مراحلها المختلفة فكان ميلادها رسمياً فى 5 سبتمبر 1907 ، والذين يطلقون عليه عام الأحزاب ، اذ تأسس «حزب الأمة والحزب الوطنى والاصلاح وحزب الاحرار وغيرها» حتى بلغ عدد الأحزاب وقتئذ ثمانية أحزاب، وانشغلت هذه الاحزاب بقضايا الوطن .. وبقضية الدستور والاستقلال .. والحركة الوطنية والقضايا الاقتصادية .. والاجتماعية للبلاد على مدى تاريخها الطويل . وظلت أحزاب الصفوة تدافع عن القضايا الوطنية الاساسية ، كما ظهرت كذلك أحزاب السلطة التى واجهتها الثورة عام 1953 بنداء التطهير ثم الحل ومصادرة أموالها .. لأنها أفسدت الحياة السياسية وأنهكت قوى البلاد ، حسبما ورد فى مفردات قرار الحل ذاته .. بعدها توقفت الحياة الحزبية وأتسمت بالجمود والشمولية والتسلط بقيام حزب وحيد جامعاً لتحالف قوى الشعب العامل ، ثم ما لبثت ان تمرد حزب السلطة على نفسه ، وانشق الى أجنحة ثلاثة، ثم صدر بعدها القانون رقم 40/77 بعد ربع قرن من الزمان ، ليجعل من كل إتجاه سياسى حزباً، ثم أتت الدساتير بعدها منذ عام 1980 لتؤكد ان النظام السياسى يقوم على التعددية السياسية والحزبية وبعد ان مضى على ممارسة الحياة الحزبية فى مصر قرابة قرن ونصف القرن من الزمان ، ظلت الأحزاب بعيدة عن الحياة السياسية فى البلاد ، وازدادت ضعفاً ووهناً على كثرتها ، ومازلنا امام هياكل حزبية ليؤكد ذلك ان الأمر ليس بكثرة الاحزاب وإنما بجدية الممارسة الحزبية واسهام برامجها فى تحقيق تقدم الوطن . ولهذا لم يعد مقبولاً ، بعد هذه التجربة الحزبية بتاريخها الطويل ، بقاء تلك الحالة الحزبية .. والتسلط القائم على أشخاص القيادة ذاتها .. أو التسابق وراء زعامة الإستئثار لتجعل من غيرها أحزاباً تابعة .. أو التصارع مع بعضها البعض او التهافت حول السلطة حتى ولو كان ذلك من وراء حجاب ، لان ذلك يؤدى الى ضعف قوتها وفقدان مصداقيتها أمام الجماهير . آن الآوان أن تأخذ الأحزاب من تلك الخبرة الطويلة فى النظم الحزبية اهتمامها بالهياكل الحزبية وتغذية قواعدها فى أرجاء مصر .. وتشكيل لجانها لتصل بها الى الجماهير ولا تعيش بمعزل عنها .. وهو ما يحقق لها الاغلبية فى الشارع السياسى .. وبغير هذا سيظل الحزب فى واد والجماهير فى واد آخر ، حتى ولو أتت له الفرصة بالإستقواء بالسلطة ، لأنه عندئذ لن يبقى طويلاً!! ولعل يقظة الشعب وقوة إرادته ، على مدى التاريخ السياسى الطويل .. والخبرة السياسية فى مجال النظام الحزبى قرابة قرن ونصف القرن من الزمان ، يدفع الأحزاب دفعاً الى مناقشة سبل دعمها وتقويتها ، والدعوة للإندماج بين أحزاب متقاربة غير متنافرة ، لتصير قوة حزبية فاعلة فى الحياة السياسية ودعوة المواطن للمشاركة ، والبعد عن الصراع على البقاء أو السلبيه الحزبية .. دفاعاً عن قضايا الوطن وفى مقدمتها تعميق الممارسة الديمقراطية فى البلاد .. وتحقيق التقدم السياسى والإجتماعى والاقتصادى لأبنائه ، ولن يتحقق ذلك ألا بقوة الأحزاب ذاتها .. وصدق عزيمتها وتدعيم الثقة بينها وبين المواطنين !! لمزيد من مقالات ◀ د. شوقى السيد