لابد أن نعترف بأن أغلبية الأحزاب فى مصر خلال عهدى الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك ظلت مرتبطة بالسلطة بشكل أوبآخر وأنه لايوجد حزب واحد الآن يحظى بثقل جماهيرى يستطيع تحريك الشارع أو قيادته، وأننا لم نسمع يوما عن حزب أقام مشروعا لتشغيل العاطلين أوحزبا أقام مشروعا لتحسين رغيف الخبز. وأظن أن معظم المصريين يدركون جيدا أن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن يفوز فيها حزب واحد بالأغلبية التى تتيح له تشكيل الحكومة. ولابد أن نعترف أيضا بأن الأحزاب المصرية كانت تشكو خلال حكم الرئيس مبارك الحصار والتضييق والإقصاء، وكانت تبرر انحسار تأثيرها وغياب حضورها بين الجماهير بالإجراءات التى تتخّذها الدولة ضدها. كل ذلك لايعنى أبدا إنكار دورها الحيوى فى الحياة السياسية، وأنه لافائدة منها، أو كما يصفها البعض بأنها ضعيفة وهشة وغير مؤهلة لأن تتحمل المسئولية، وتعانى أزمات متعددة بل كرتونية أحيانا، فحالة الأحزاب السياسية فى أى مجتمع تعد من حيث القوة أو الضعف مؤشرا على حالة النظام السياسى ودرجة تطوره، فالأحزاب تلعب دورا مهما فى تدعيم الممارسة الديمقراطية باعتبارها همزة الوصل بين الحكام والمحكومين بما يسمح بتنشيط الحياة الحزبية وتعميق المشاركة السياسية للمواطنين. وللأحزاب السياسية جذور عميقة فى تاريخ مصر الحديث، حيث نشأت وتطورت بتطور مفهوم الدولة ذاته، وظهرت البدايات الأولى للحياة الحزبية المصرية مع نهاية القرن التاسع عشر، ثم برزت وتبلورت بعد ذلك خلال القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحالى انعكاسا للتفاعلات والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة. وإذا كانت هناك أحزاب كثيرة حاليا، فليس معنى ذلك أنها كلها على نفس الدرجة من الضعف .وفى بلاد الدنيا كلها توجد أحزاب كثيرة لكن من بينها اثنان أو ثلاثة أقوياء لديها المقدرة على تحمل المسئولية . وحتى لو افترضنا أن كل الأحزاب على درجة واحدة من الضعف ،فالواجب على الدولة دعم الأحزاب وتقويتها، لامهاجمتها والتقليل من شأنها، والتندر عليها وعلى قيادتها. فالأحزاب هى المدارس الحقيقية لتعلم الحوار والاختلاف وقبول الآخر والتسامح وقيم المواطنة، وهى مدرسة السياسيين وقادة الفكر، وهى القنوات الطبيعية لبلورة التوجهات العامة للجماهير من حزب لآخر، وهى المصل المانع لدولة الاستبداد، فضلا عن أن الدستور نص على تداول السلطة، وهذ ا التداول لن يتم إلا فى وجود أحزاب تحت قبة البرلمان تتحمل المسئولية السياسية الكاملة. ورغم القيود القانونية والإجرائية التى خضعت لها عملية تأسيس الأحزاب السياسية والرفض المستمر من جانب لجنة شئون الأحزاب - خلال فترة حكم الرئيسين السادات ومبارك – التصريح بقيام ونشأة احزاب جديدة والانتقادات المستمرة الموجهة لأدائها ومواقفها وهيمنة حكومة نظام الحزب الوطنى السابق على عملية اتخاذ القرارفيها، فإن القضاء المصرى النزيه شكل حصنا وملاذا أخيرا لتأسيس الأحزاب السياسية وقد بلغ عدد الأحزاب السياسية التى تأسست خلال هذه المرحلة 24 حزبا. وإذا كان التحول الديمقراطى أحد الأهداف التى يتمنى المصريون تحقيقها خلال المستقبل ،فإن ذلك لن يتحقق إلا بتوفير شروط عديدة من أهمها تفعيل الحياة الحزبية ،وتنشيط دور الأحزاب ،فالأحزاب القوية القادرة على المنافسة السياسية هى التى تحول مبدأ التداول السلمى للسلطة إلى واقع عملى .كما أن الأحزاب تقوم بدور مهم فى عملية التثقيف السياسى للمواطنين من خلال عمليات التنشئة التى تقوم بها والمؤتمرات الحزبية التى تنظمها والدعاية التى تمارسها خلال الاستحقاقات الانتخابية ناهيك عن دورها فى تربية وإعداد الكوادر السياسية التى تكون قادرة على تولى مسئوليات تنفيذية وتشريعية . لمزيد من مقالات عبدالمعطى احمد