تنقسم «مذكرات الفتى الشاعر» التي أصدرها الشاعر الكبير »أحمد سويلم« أخيرا عن دار دلتا للنشر، إلى قسمين. الأول يتتبع رحلته في مراحل الصبا بمدينة بيلا في كفر الشيخ، وكيف لعبت الأم دورا بارزا في دعمه هو وأشقائه عقب وفاة والده المبكرة، وكيف كانت قريبة جدا منه، حتى إنها وهي السيدة الأمية كعادة أهل ذلك الزمان. كانت عندما تدخل عليه غرفته وتجده يدعى المذاكرة على لمبة جاز «نمرة 5» بينماهو يكتب الشعر، كانت تطلب منه بحسها الفطري التوقف عن الشعر والإلتفات لمذاكرته. وتكشف المذكرات دور المدرسة والأصدقاء في تكوين ذائقة أحمد سويلم الأدبية، إذ نظم الشعر لأول مرة تأثرا بحرب السويس 1956، وشغفه بالأغاني الوطنية، خاصة أغنية عبد الوهاب «سلح جيش أوطانك.. واتبرع لسلاحه»، حتى إنه كتب على نسقها قصيدة بالعامية، وذهب بها إلى صديقه الشيخ حسن محرم الحويني، فأعجبته، لكنه نصحه بكتابة الشعر بالفصحى التي يتقنها وليس بالعامية. وعمل الشاعر بنصيحة صديقه الأزهري، وانطلق من هذا التاريخ في سماء الشعر، حتى إنه في المدرسة كان يذيل موضوعات التعبير التي يكتبها بأبيات شعرية من تأليفه، دون أن يذكر أنه صاحبها، وأصر مدرس اللغة العربية على معرفة مؤلفها، ولما أخبره بالحقيقة تحول المدرس إلى محب ومتابع لكل ما يكتب. في الجزء الثاني، يروى سويلم جانبا من علاقاته مع نجوم الفكر والأدب عقب انتقاله للعمل والإقامة في القاهرة، وتضم القائمة توفيق الحكيم والعقاد ويحيى حقى وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي وأنيس منصور. ويذكر مشاكسته يحي حقي حول رأيه في المرأة. وتضامنه مع عبد الرحمن الشرقاوي في معركة على صفحات الأخبار من أجل الدفاع عن الشعر، وكذلك علاقته القوية مع صلاح عبد الصبور الذي ناقش أول ديوان لسويلم مع الناقد الكبير عبد القادر القط، ثم نرى العلاقة الوثيقة التي جمعته بأنيس منصور وكيف ظل إلى آخر حياته يناديه بالشاعر الصعلوك، وكتب عنه صفحة كاملة في جريدة الأخبار يشيد فيها بشعره باعتباره من أبناء «الغضب والسخط».وهكذا يجول شاعرنا أحمد سويلم بقارئه في «مذكرات الفتي الشاعر» بين عوالم ثرية وملهمة، تكشف تشكل وعيه بين القرية ببكارتها، والقاهرة بألقها وصخبها الثقافي والإنساني، وكيف استطاع عبر هذه المسيرة الاحتفاظ بشغف الفتيان وشاعريته.