◄ محمد أبوطالب: أدندن على وقع صوتها فى أثناء «تسكعنا» سويا ◄ أحمد فاروق: رمز للاستقلال والحرية بالنسبة لنا ليست العصا البيضاء مجرد أداة يمسكها الشخص الكفيف فى يده ليتوكأ عليها فى أثناء سيره، وليست أيضا رمزا لاستقلاليته كما يرى البعض، لكنها «رفيقة» طريق، ومساعدة حقيقية له، تمكنه الوثوق بنفسه، ليكون قادرا على فعل ما يريد وقتما يريد، دون مساعده من أحد .. لذلك نلقى الضوء فى السطور التالية على التطور الذى حدث فى عالم العصا البيضاء احتفالا بيومها العالمى. تقرر تحديد يوم 15 أكتوبر من كل عام يوماً عالمياً للعصا البيضاء باعتبارها العلامة المميزة للكفيف، وقد جاء ذلك بناء على طلب من الاتحاد العالمى للمكفوفين، وأقرته الأممالمتحدة، وقد أقر الاتحاد الذى تأسس فى عام 1948 هذا الإجراء، بل وشجع على زيادة المعرفة والتفهم لحقوق واحتياجات المكفوفين فى هذا اليوم. والعصا البيضاء وسيلة تعويضية يعتمد عليها المكفوفون، والغرض منها تحسس الطريق وتفادى الاصطدام بالأجسام فى أثناء السير بتحريكها إلى الأمام والجانبين، وهى أيضا وسيلة للفت انتباه الناس إلى أن حامل هذه العصا كفيف لمن يريد أن يتطوع لمساعدته ولتنبيه قادة السيارات للسماح لحاملها بالمرور، وتصنع عادة من معدن خفيف الوزن أو من البلاستيك، وتزود بمجموعة من الوصلات ليسهل طيها عند عدم الحاجة لاستخدامها. يقارب عدد المكفوفين فى مصر نحو 4 ملايين شخص، وعلى الرغم من أهمية العصى البيضاء للأكفاء فإنها فى حقيقة الأمر تعتبر شيئا غامضا ولا يعرف كثير من المكفوفين أنفسهم أو أغلب المجتمع ما هى العصا البيضاء، وقد تأتى تساؤلات خافتة عن هذا الشيء الذى يمسكه هذا الشخص نظرا لغياب التوعية بها بل وإتاحتها على نطاق واسع يمكن المكفوفين من اقتنائها وخصوصا فى ما بعد تحرير سعر الصرف الأخير فقد أصبحت العصا البيضاء غالية الثمن ومن الصعب شراؤها، بل أصبحت غير متوفرة إلا داخل مؤسسات محدودة وبأسعار مبالغ فيها فإذا كان ثمنها يقارب 12 دولارا خارج مصر فثمنها الآن يقارب 1500 جنيه. أحكى لها كل شىء حول أهمية استخدام العصا البيضاء فى حياة الشخص الكفيف، يقول محمد أبوطالب – مدرب حاسب بمعهد نور البصيرة فى جامعة سوهاج - غياب التوعية بأهمية العصا البيضاء للشخص الكفيف جعل أغلب المكفوفين يرونها غير مجدية، وهناك من المكفوفين من يعارضها بشكل مطلق، وكأنه بينه وبينها حاجز نفسى كبير، وهذا يرجع إلى مدى اقتناع أسرة الشخص الكفيف بأهميتها له ودورها فى أن يكون شخصا واثقا بنفسه وقادرا على تحقيق استقلاليته بواسطة عصا فقط، وهنا لا ألوم فى الحقيقة سوى الإعلام وتجاهله دوره التوعوى للأسر والمجتمع، وفى هذا السياق يجب الإشارة إلى أننا نفتقر لشوارع وأرصفة مهيأة للكفيف وعصاه البيضاء، وليس هذا وحسب، بل نفتقر لأشياء بسيطة تجعل من حركة الكفيف أسهل وأكثر إتاحة وتمكينا على كل الأصعدة فى الحياة اليومية. وعن تجربته مع العصا البيضاء، قال أبوطالب: لم أقتن عصا بيضاء بشكلها المعروف حاليا إلا بعد دخولى الجامعة بنحو عامين دراسيين، فقد كنت أعتمد على عصا «خيزران» أو أتحرك بدونها فى أغلب الوقت، وحتى بعد سماعى عن العصا البيضاء لم أكن متحمسا لها فى البداية، وخلال تلك السنوات أعترف بأنها جزء أصيل مني، بل صديقتى الصدوقة، نعم أحكى لها حكايات، وأدندن على وقع صوتها فى أثناء «تسكعنا» سويا، ولا أخفيكم سرا لنقرها على الأرض إيقاع تستمتع به أذاناى، كم من حكايات سمعتها مني، وكم من مواقف مضحكة ومبكية عشناها سويا، إما بسببها أو بسبب كونى من المعتمدين عليها، وفى حقيقة الأمر فأنا بدون عصا بيضاء شخص كفيف، نعم كفيف بكل ما تحويه الكلمة من معنى. ويكمل أبوطالب: هى ليست مجرد عصا، بل هى عيونى ورفيقة دربي، وكاتمة أسرارى كلها، وشريكتى فى الغناء، بل إنها أجمل وأحب وألطف مرافقة لى على الإطلاق، ولا أبالغ حينما أقول إنها تحس بى .. إلى عيونى وصديقتى ورفيقتى عصاى البيضاء، شكرا جزيلا، فإننى أدين لك بفضل عظيم فى حياتى اليومية بكل تفاصيلها ستمتد صداقتنا حتى يأخذ الله منى أمانته. تسهيل حياة المعاقين بصريًا ويرى الدكتور أحمد فاروق أمين – كفيف وحاصل على الدكتوراه فى علم التوجه والحركة – أن العصا البيضاء هى أداة ميكانيكية طويلة تُستخدم عادةً فى العثور على العقبات التى قد يصطدم بها الكفيف واكتشاف درجات السلم أو النزلات التى قد تواجهه فى طريقه، أو حتى كأداة رمزية لتوضح للآخرين أن حاملها فاقد للبصر. وعلى الرغم من أن الاتصال المباشر مع العصا محدود بالمسافة القصوى التى تستطيع الوصول إليها، إلا أن مداها الفعال فى اكتشاف العقبات الكبيرة يزداد بفضل تلميحات صدى الصوت الناتج عن النقر بها على الأرض. وأضاف: العصا البيضاء المتعارف عليها تعد تكنولوجيا مساعدة متوسطة التقنية، فهناك أشخاص يستخدمون عصا تقليدية من الخشب وهى تقنية منخفضة أو منعدمة وهناك عصا عالية التقنية، والعصا البيضاء الشائعة متوسطة التقنية لأنها تحتاج إلى تصنيع ولكن لا تحتاج برمجيات معقدة، أما التى تعمل بالموجات فوق الصوتية فهى تشبه الحساسات المستخدمة فى السيارات عندما ترجع إلى الخلف، وتحدث صوتا عندما تقترب من حاجز ويزيد هذا الصوت كلما اقتربت السيارة من أى حاجز. وأضاف الدكتور أمين: هناك وسيلة مبتكرة تعين المعاق بصريًا على التوجه والحركة فى الدول المتقدمة، ألا وهى «الكلب المرشد»، فهذا الكلب يُدرب فى مدارس خاصة لمدة عام على التوجه والحركة والتواصل مع الشخص المعاق بصريًا بالكلام والإشارة، ولا يحصل على خدمة هذا الكلب إلا الشخص الناضج الذى لا يقل عمره عن 18 عامًا ويجب أن يكون مستخدمًا للعصا البيضاء بشكل احترافى لكى يحافظ على أمنه الشخصى وأمن الكلب، ويخضع المعاق بصريًا لتدريب مع الكلب، فمثلاً إذا أراد المعاق بصريًا أن يذهب إلى محطة الأتوبيس، فيقول للكلب: «اذهب إلى محطة الأتوبيس»، وهذه الأماكن يكتب عليها بطريقة برايل وبلغة الإشارة. ويعد يوم الخامس عشر من أكتوبر احتفالية عالمية للعصا البيضاء التى هى رمز الاستقلال والحرية، ويحتفل العالم كل عام بالإنجازات التى تحققت لتسهيل حياة المعاقين بصريًا ويطمحون إلى تحقيق الآمال الجديدة فى العام المقبل، فهو ليس مجرد احتفال ولكن ورقة عمل وإنجازات متواصلة.