قبل أكثر من 40عاماً فكر أحد المستنيرين فى قرية «البسايسة» تلك العزبة الصغيرة داخل احدى القرى بمحافظة الشرقية ، والتى تعتبر أول قرية مصرية، تمكنت من استخدام التكنولوجيا لتوليد الكهرباء لإنارة المنازل والشوارع وتشغيل الأجهزة الكهربائية، لتصبح قرية رائدة وسباقة فى تقديم تجربة جديرة بالتعميم بالريف. جاءت هذه الفكرة فى الوقت الذي تتعالي الشكاوى ويرتفع الضجيج من فواتير الكهرباء والغاز، والتكلفة العالية لاستهلاك الطاقة والتى تلتهم شهريا نصف دخل الأسر البسيطة رغم كل ما يبذلونه من محاولات للترشيد. قرية «البسايسة» تعيش حالة مختلفة من خلال توفيرها لاحتياجاتها من الكهرباء، باستخدام أشعة الشمس كأحد مصادر الطاقة المتجدده ، تلك التجربة التى عرفتها وطبقتها عمليا، لذلك قررنا زيارتها، ففى الطريق إليها قطعنا نحو 12 كيلو مترا من العاصمة الزقازيق ، كانت الدهشة بالغه لأن حالها لم يتغير منذ سنوات بعيدة، مع آخر زيارة لها مع أحد المسئولين ولايوجد ما يدل على وجودها سوى لوحه صغيرة، تشير لمدخل القرية المتواضع، وكنا نسير فى دروب ضيقة كحال معظم القرى الريفية، ورأينا الأسلاك الموصلة من اسطوانات الطاقة الشمسية، ممتدة هنا وهناك حيث يتم اتخاذ أحد الاسطح كمركز لوضع انبوب الطاقة ، ثم توصيله الى عدد من المنازل والبيوت نظرا لارتفاع تكلفة الخزان الواحد وعدم قدرة جميع الأسر على المشاركة. الدكتور أحمد إبراهيم الأستاذ بمعهد بحوث الصحراء رئيس منتدى المجتمع المدنى للطاقات المتجددة ورئيس مجلس إدارة جمعية البسايسة، شرح لنا تلك التجربة الفريدة، مشيرا الى بساطة الفكرة فالخلايا الضوئية الموضوعه بأسطح المنازل تقوم بتحويل الطاقة الشمسية الى كهربائية، تسرى مباشرة فى الأسلاك الموصلة بتلك الخلايا أو الألواح، ومنها لمنظم التيار الخاص بكل وحدة عن طريق وحدة التحكم الرئيسية بالجمعية، أما الفائض فيتم تخزينه فى بطاريات جافة بحيث تكون متاحة وقت الحاجة، ويضيف: كانت اكبر المشكلات التى واجهتنا التكلفة العالية، لكننا استطعنا تخطيها والتغلب عليها بانشاء الجمعية لتدشين كيان لخدمة اهدافنا، وقمنا بتجميع أعداد من المشتركين ومد وصلات خاصة لهم عبر المجمع الشمسى لترشيد استهلاك الكهرباء ، ومازلنا نطمح لمدها لجميع أرجاء القرية بل وتطبيقها فى جميع القرى الأخرى بالمحافظة. وحول تكلفة انشاء وحدة الطاقة الشمسية، يقول الدكتور أحمد : لتشغيل عمارة كاملة بارتفاع 10طوابق بها نحو 40 شقة سكنية تقدر بنحو 600ألف جنيه، باستخدام أحدث النظم الألمانية مما يسمح بانارة شاملة، وقد تنخفض للنصف تقريبا مع استخدام مستلزمات ونظم صينية دون اى مصاريف أخرى ولمدة 25عاما على الأقل. فى داخل أحد المنازل بالقرية، وقفت الحاجة امتثال زوجة صاحب المنزل بعفوية ورحابة بالغة اشبه بعالمة خبيرة ومتخصصة وبمنتهى الثقة والفخر، تشرح لنا كيف يعمل منزلها المكون من ثلاثة طوابق ويقيم به 4 أسر يعيشون مستخدمين الطاقة الشمسية طوال الشهر وبمبلغ زهيد يقدر بنحو 20جنيها فقط، فتلك المواسير الموصلة بالاسلاك والفيش الممتدة وإن بدت بدائية وبسيطة تستطيع توصيل أشعة الشمس المختزنة طوال النهار بعد تحولها الى طاقة تسرى فى الأسلاك، وقالت: «فضل ونعمة احنا كنا فين وعشان الكل ياخد زى ماانتم شايفين، الامكانيات محدودة ولما بنحتاج تشغيل عدة أجهزة فى وقت واحد بنلجأ للكهربا، وممكن نستخدمها لكن بنسبة بسيطة وفى الحالة دى برده عمر الفاتورة ما بتزيد على 20 جنيها لأن اعتمادنا الاساسى على الطاقة الشمسية» ، كما توجد سخانات شمسية توفر الماء الساخن مباشرة دون كهرباء أو غاز، وتستطرد الحاجة امتثال، قد لانحتاج للاضاءة طوال النهار فسطوع الشمس يوفر علينا الكثير اما مع حلول المساء فالضوء اساسى ونستخدم لمبات الطاقة الشمسية، وهى قوية تفى بالغرض بشكل كبير ويكفى اننا لم نكن نشعر بمشكلات انقطاع التيار لما كان الكل بيشتكي. ويضيف الدكتور طه الباسوسى أحد أبناء القرية عضو مجلس جمعية البسايسة، أن القرية بها وحدتان لإنتاج الطاقة الشمسية على سطح الجمعية ، الأولى تنتج ألف وات والثانية تنتج ألفا وخمسمائة، ويتم التوصيل للمشتركين عبر الجمعية مقابل اشتراك شهرى بمتوسط عشرين جنيه للمنزل. لم تكن فكرة الكهرباء هى المشروع الوحيد فى القرية، ولكن زادت التطلعات لإحداث تنمية شاملة استوعبت طاقات أهالى القرية وحولتهم لمجتمع منتج ومتكافل.