قررت الولاياتالمتحدة بشكل نهائى رفع بعض العقوبات المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عاما، والتى دفع ثمنها غاليا الشعب والاقتصاد السودانى. وسيدخل هذا الرفع الجزئى للعقوبات حيز التنفيذ يوم الخميس القادم، ويمثل تحولا كبيرا فى سياسة واشنطن تجاه النظام السودانى، كما يفتح القرار الباب أمام عودة الإقتصاد السودانى إلى النظام المالى والاقتصادى العالمى. وقد جاءت هذه الخطوة التى رحبت بها مصر والجامعة والدول العربية نتيجة جهود دبلوماسية مكثفة بذلتها الخرطوم وعواصم عربية مهمة، بعد انخراط الخرطوم فى إطار التحالف العربى فى عاصفة الحزم فى اليمن، بعد قطع علاقاتها مع إيران. لكن القرار الأمريكى الأخير الذى كان قد صدر بشكل مؤقت فى يناير الماضى فى أواخر عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لا يعنى أن السودان قد تحرر تماما من قيد العقوبات الأمريكية، التى توالت فى الصدور ضده منذ عام 1997، وتصاعدت تدريجيا على خلفية ما وصفته الإدارة الأمريكية بدعمه للإرهاب وتهديده للأمن القومى الأمريكى وعلى خلفية الوضع فى جنوب السودان ودارفور. ما تم رفعه من عقوبات هى الأوامر التنفيذية الصادرة عن الإدارة الأمريكية، إذ لا يزال السودان يرزح تحت عقوبات الكونجرس الأمريكى ومجلس الأمن الدولى، كما لا تزال الخرطوم ضمن 3 قوائم ، هى قائمة الدول الراعية للإرهاب ، وقائمة التقاعس عن الحد من الإتجار بالبشر، وقائمة الدول المنتهكة للحريات الدينية، وهذه القوائم ستحول بين السودان وبين حرية استيراد السلاح ورفع ديونه أو الحصول على مساعدات إقتصادية غير إنسانية. أشار بيان الخارجية الأمريكية إلى أن القرار مرتبط بتحسن فى عدة مجالات وخطوات اتخذتها السودان لوقف الصراعات وتحسين الأوضاع الإنسانية والسماح بوصول المساعدات للمناطق المتضررة من الحرب، والمساعدة فى الحفاظ على الأمن الإقليمى والتزامها بمكافحة الإرهاب. وتشير كثير من الشواهد وتصريحات المسئولين السودانيين إلى التعاون الاستخباراتى الكبير الذى قامت به الخرطوم منذ سنوات طويلة مع واشنطن، ومدها بملفات الجماعات الإرهابية وتحركاتها، الذين استقبلت الخرطوم أعدادا من قياداتها وكوادرها منذ وصول جبهة الإنقاذ للحكم عام 1989. ويرى خبير سودانى «أن إسرائيل ليست بعيدة عن الموضوع، وأنها كانت داعمة لرفع العقوبات عن الخرطوم، لأنها تريد إبعاد السودان عن المعسكر الإيرانى وخلق معسكر مضاد له»، بينما يرى خبير آخر «أن الأمر برمته غير بعيد عن أجندة واشنطن فى المنطقة، وعلى وجه أخص ليبيا الجارة المباشرة للسودان». لكن بيان الخارجية الأمريكية قال بوضوح إن الرفع الجزئى للعقوبات مشروط باستمرار الحكومة السودانية فى تحسين سجلها فى مجال حقوق الإنسان والحريات الدينية والالتزام بمكافحة الإرهاب وتحقيق السلام فى السودان والأمن الإقليمى، وتوسيع الممرات الإنسانية، والالتزام بمقررات مجلس الأمن الخاصة بكوريا الشمالية. وكانت الأممالمتحدة قد اتهمت السودان بالتعاون مع كوريا الشمالية فى مجال الأسلحة، وذكر تقرير دولى العام الماضى أن السودان اشترى صواريخ جو -أرض من شركة تعد واجهة وهمية لأهم متعهد عسكرى لبيونج يانج المدرجة على لائحة العقوبات الأمريكية منذ عام 2009. ولوحت الخارجية الأمريكية بأن لديها أدوات أكثر لوضع ضغوط إضافية على الحكومة السودانية فى حال انحرافها عن الخط الذى حددته واشنطن. لا يخلو بيان الخارجية الأمريكية من كثير من الشروط والتحذيرات للسودان، وهو ما يجعل الخرطوم رهينة لرضاء وتقييم الإدارة الأمريكية، الأمر الذى يعنى أن الحكومة السودانية ما تزال تواجه ضغوطا كبيرة ، وتحديات ضخمة يجب أن تتجاوزها، من أجل الحفاظ على هذه الخطوة التى أنجزتها بالرفع الجزئى لبعض العقوبات الإقتصادية، ولاستكمال الخروج من دائرة العقوبات والملاحقات الدولية.