(إنت محدش بيعملك حساب) كان شعار حملة إعلانية فى رمضان الماضى بطلها الشاب «أوفا» الذى يعانى من عدم اعتداد عائلته به واتخاذ القرارات باسمه، لا يسألونه عن شيء ولا يستشيرونه فيما يأكل او يلبس او حتى عن الكلية التى يحب أن يدرس بها. .................................................. يبدو أن شخصية الشاب المغلوب على أمره قلبت المواجع أو جاءت على الجرح كما يقولون ولتكشف عن أزمة كبيرة فى العلاقة بين الأبناء والآباء وطرق التربية فى مجتمعنا. الغريب أن يعانى الأبناء من هذا الإحساس وأنه لا اعتبار لهم داخل عائلاتهم فى الوقت الذى يتهم جيل الآباء أبناءهم بأنهم جيل يربى آباءه وليس العكس، وأنه لا أحد يستطيع أن «يمشى كلمة على ابنه اليومين دول».. صحيح أن الصراع بين الأجيال فكرة تقليدية ومعتادة، لكن الجيل الحالى كما تقول «مني» وهى أم لثلاثة أبناء دون العشرين لكن هذا الجيل كلمته من رأسه، والغريب أنهم جميعا يرون أنفسهم كذلك.. وتضيف مني.. كنا نحن الجيل الذى لا يستطيع أن يكسر كلمة ماما وظهور بابا فى الصورة يعنى أن الموضوع انتهى تماما وكان كل شيء ممنوعا تقريبا لا يأخذون رأينا فى شيء لا فى طعام ولا سفر ولا ملابس ولا حتى عريس.. لقد تزوجت الرجل الذى اختارته عائلتى وكنت سعيدة لم أفكر لا فى حب ولا فى غيره بالعكس مادام أبى وأمى راضين عنه، بالتأكيد هو مناسب.. أما ابنائى فلابد أن افكر ألف مرة قبل أن أطلب منهم أى طلب.. كلام السيدة منى لم يعجب ابنها «ادهم» بالطبع كما يقول.. والمشكلة أن أهله لا يعتقدون فى ذلك فهو غير مسموح له بالخروج مع أصدقائه أو النزول لمقابلتهم تحت البيت إلا بخناقة كبيرة رغم أن والده نفسه كان يفعل ذلك فى شبابه، لكن والدته دائما ما تتحدث عن خوفها من الخروج والتأخير وتريده تحت عينيها. أهله أيضا يرفضون سفره مع أصدقائه..لا أحد يتحدث معه او يشركه فى القرارات المنزلية وعندما يطلب المال يرفض أبوه او يعاقبه على أى خطأ بالحرمان من المصروف.. أدهم يرى أنه ليس من حق والده حرمانه من المصروف طالما يمنعه من العمل الى جانب الدراسة بحجة أنه صغير وأن دراسته قد تتأثر.. طريقة تفكير تبدو منطقية جدا ربما تكون هذه هى المشكلة بين آباء الجيل الحالى وأبنائهم.. الأبناء لا يفكرون بنفس المنطق ويريدون أن يكونوا شركاء حقيقيين ولا يجوز لى ذراعهم، ولابد من إقناعهم أولا فى حين أن الأهل يرون أنفسهم ديمقراطيين جدا. هم ديمقراطيون فعلا.. يقول «محمود» ساخرا - وهو شاب فى السابعة عشرة - ولكن عندما يتعلق الأمر بالنقاش فقط لكنهم ديكتاتوريون جدا عندما يتعلق الأمر بالقرار.. هم يريدوننا أن نقبل ونفهم كلمة «هو كده وإن كان عاجبك» وهذا غير ممكن بالمرة وغير مقبول. يوقن الآباء بأنهم أسوأ حظا من الأجيال السابقة، فلم يكن لدى الأبناء الجرأة على المناقشة والمخالفة. ولا يرى الآباء أنفسهم ديكتاتوريين ولا متسلطين فى الوقت الذى يراهم الأبناء مستبدين وغير متفهمين بالمرة. وعلى الرغم من أن أغلب الصغار يكرهون أسلوب التربية الذى يعتمد على «ديكتاتورية» الأهل فى التعامل وإصرارهم على فرض آرائهم وتصدير حريات أبنائهم، إلا أن كثيرا من الأسر ما زالوا يمارسون هذا الدور بإصرار كبير بذريعة الخوف على الطفل من مواجهة المشكلات والرغبة فى حمايته من الفشل أو المخاطر، فى الوقت الذى يحذر فيه متخصصون من النتائج السلبية المترتبة عن هذا الخيار فى التربية. وعليصعيد أخر أكدت دراسة أمريكية حديثة أن الأطفال والمراهقين الذين ينشأون تحت كنف أولياء أمور متسلطين، يميلون إلى رفضهم فى مستقبل حياتهم، حيث يتغلب الشعور بالاستياء والنفور من الآباء على مشاعر أبناءهم، بسبب الضغوط النفسية التى يسببها تدخل هؤلاء الآباء فى حياة أبنائهم وعدم منحهم الفرصة للاختيار حتى فى أبسط الأمور. ويسمى متخصصون فى علم النفس التربوى هذا النوع من الآباء والأمهات (المتسلطين) بطائرات الهليكوبتر التى تحلق فوق رؤوس الأبناء طوال الوقت، فتراقب تصرفاتهم وتعد عليهم أنفاسهم. يقول بعضهم، إنه من السهل أن يغير بعض الأطفال او المراهقين أفكارهم وأحلامهم.. لكنهم لن ينسوا أبداً أسلوب الأهل والطريقة التى عاملوهم بها. وسيبقى كل واحد منهم يرى نفسه يستحق التعاطف كما يقول د.محمد المهدى أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة ويضيف: هذه العبارة «أنت ماحدّش بيعملّك حساب» نراها فى بيوتنا فى الأبناء الذين يواجهون حالة من السلطوية أو التسلطية الأبوية (أوالأمومية) والفرق بين السلطوية والتسلطية هو أن السلطوية تعنى هيبة السلطة الأبوية (دون تعمد مباشر لذلك) ووقعها على الأبناء بحيث تجعلهم يتجنبون باختيارهم مخالفتها أو مواجهته أو الخروج عليها أما التسلطية فهى تعنى قصد السلطة الأبوية فرض سطوتها بالقهر والترهيب وعدم السماح بالمخالفة أو الخروج مع إذعان الأبناء قهرا وخوفا لهذه الحالة التسلطية. وفى لحظات استثنائية قد يتمرد بعض الأبناء على تلك السلطة الأبوية فى البيت أو المجتمع, ولكن سرعان ما تفشل تلك الحركات ويتضح أن الأبناء لم يصلوا بعد إلى حالة النضج التى تمكنهم من التوافق فيما بينهم وإدارة حياتهم بشكل أفضل, لذلك يسهل قمعهم وإعادتهم إلى بيت الطاعة من جديد لأننا فى النهاية نربى أولادنا بهذه الطريقة حتى دون أن نشعر. المؤسف أنهم جميعا عندما ينجبون سيربون أولادهم بنفس الطريقة.