الساحل تضيق الخناق على الإرهاب المدعوم خارجيا. هذا ماأكدته التوجهات الأخيرة فى المنطقة. منذ سنوات مضت وتحديدا فى عام 2012 شرعت الصحافة الفرنسية فى نشر موضوعات وتحليلات تظهر الإنزعاج من ازدواجية الدور القطرى فى منطقة الساحل والصحراء بافريقيا عامة وفى مالى على وجه التحديد. وسرعان ما انتقل الانزعاج إلى أروقة البرلمان الفرنسى ذاته والمعنى بأمن القوات الفرنسية الموجودة فى مالى لمساندة حكومة مالى فى مكافحة الحركات الإرهابية المسلحة. وكان مصدر القلق هو تكرار قيام قطر بدور الوسيط بين القوى الحكومية الرسمية من جانب وقوى مصنفة كإرهابية فى المنطقة! وتمت الإشارة صراحة إلى وقوف قطر كممول «للإخوان المسلمين» فى الشمال الأفريقى و»لحركة الجهاد فى غرب أفريقيا»، وتدخلها العميق فى شمال مالى حيث نشاط الحركة الانفصالية المسلحة بما يثير ضيق فرنسا والجزائر. أما فى تشاد فقد بدا الأمر مختلفا والأدلة أكثر وضوحا. فقد ورد فى بيان الخارجية التشادية الذى تناقلته وسائل الإعلام الدولية، «إن وزارة الشئون الخارجية تبلغ العموم أنه بسبب التورط المتواصل لدولة قطر فى محاولات زعزعة استقرار تشاد انطلاقا من ليبيا، فإن الحكومة قررت غلق السفارة ورحيل السفير والموظفين الدبلوماسيين عن الأراضى الوطنية»، ودعت الوزارة فى بيانها. قطر إلى «وقف جميع الأعمال التى من شأنها أن تقوض أمن تشاد فضلا عن أمن دول حوض بحيرة تشاد والساحل، وذلك بغية حفظ الأمن والاستقرار فى المنطقة». وعلى الرغم من عدم تقديم البيان تفاصيل عن الاتهامات التشادية فإن التليفزيون التشادى الرسمى كشف عن مشاركة إحدى مجموعات المعارضة التشادية المسلحة، فى القتال إلى جانب «سرايا الدفاع عن بنغازى»، المتهمة بتلقى دعم من قطر. وبث التليفزيون لقاءات مع أفراد مجموعة تشادية معارضة مسلحة يقودها محمد حامد ويوسف كلوتو، والتى أعلنت عودتها مع جزء من مسلحى المعاضة المسلحة التشادية إلى مظلة «شرعية الدولة التشادية». قال المعارضون السابقون فى اعترافاتهم أنهم شاركوا فى هجوم مسلحى «سرايا الدفاع عن بنغازى على منطقة الهلال النفطى الليبى». وكشف يوسف كلوتو خلال حديثه أنه ورفاقه المسلحون بالمعارضة اتفقوا مع «طرف ليبى على القتال ضد تنظيم «داعش» ليكتشفوا بعد ذلك أنهم تعرضوا للخداع وأنهم يقاتلون كمرتزقة ضد طرف ليبى آخر فى قضية غير واضحة لهم». وأنهم وجدوا أنفسهم يقاتلون ضمن مجموعة إرهابية تريد تدمير بلادها، «ويمكن أن تدمر تشاد أيضاً، فقررنا الانسحاب إلى تشاد»، على حد قوله. وكانت قيادة الجيش الليبى قد أكدت أكثر من مرة مشاركة قوات المعارضة التشادية فى القتال إلى جانب سرايا الدفاع عن بنغازى التى يصفها الجيش الليبى بالإرهابية. «قلاقل الساحل» ولم يكن الكشف الأخير عما يحدث فى منطقة الساحل جنوب ليبيا وشمال تشاد ومالى إلا جزءا من واقع أكبر بكثير وينبئ منذ سنوات بانفجار هائل يطيح باستقرار المنطقة ودولها. فقد أشار مكتب مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف العنيف بالأممالمتحدة فى تقريره حول الإرهاب 2015 إلى أن الانقسام والصراع السياسى فى ليبيا مكنا الجماعات المتطرفة العنيفة من توسيع نشاطها، بما فى ذلك منطقة من الأراضى تمركز فيها أتباع تنظيم «داعش» فى ليبيا. وتم رصد الحدود التى يسهل اختراقها، واستمرار انتشار الأسلحة، والمؤسسات الأمنية الضعيفة التى تشكل بيئة يمكن أن يعمل الإرهابيون فيها دون عقاب. وأن ليبيا تحولت فى تلك الفترة إلى مركز عمليات وعبور رئيس للمقاتلين الاجانب المسافرين من وإلى سوريا والعراق. وقام إرهابيون تابعون ل«داعش» بعدة هجمات فى تونس والجزائر وتم التأكيد على أنه قد تم تدريب مرتكبى جميع الهجمات فى ليبيا. وقد تم اتخاذ عدة خطوات متعددة المستويات لمواجهة إستشراء «تدعيش» و«قعدنة» المنطقة. فقد أطلق المجتمع الدولى عدة مبادرات فى سبيل استقرار الوضع بالمنطقة، فهناك بعثتان تنشطان فى المنطقة، «بعثة قوات حفظ السلام، وبعثة أوروبية لتكوين الجيش المالي»، إضافة إلى القوات الفرنسية العاملة فى مالى المكونة من 4 آلاف رجل. وتم إطلاق المبادرة الإقليمية الإفريقية من خلال تشكيل القوة المشتركة التابعة لمجموعة دول الساحل، والتى تشارك فيها كل من موريتانيا، وتشاد، ومالى، والنيجر، وبوركينافاسو. وقامت النيجر وبوركينافاسو ومالي، بالإعلان فى يناير 2016عن إنشاء قوة عسكرية مختلطة لحفظ الأمن فى منطقة واقعة بين الدول الثلاث بعد ظهور مسلحين بها. وتم إعلان وثيقة شرم الشيخ حول مكافحة الارهاب والجرائم العابرة للحدود فى منطقة دول الساحل والصحراء بحضور وزراء دفاع الدول الأعضاء فى «تجمع الساحل والصحراء» المجتمعون فى شرم الشيخ بمصر خلال شهر مارس 2016. وكان من أبرز ما نص عليه الإعلان إنشاء مركز تجمع الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب، وتكون مصر مقرا له على ان يكون هذا المركز أداة لتبادل المعلومات والعمل التشاورى حول الأمور المشتركة المرتبطة بالتهديدات الارهابية فى دول تجمع الساحل والصحراء. والأهم كان نص الإعلان على امتناع الأعضاء عن تقديم الدعم للجماعات الانفصالية وحركات التمرد واحترام سيادة الدول. ورحبت الأممالمتحدة فى 2017 بتشكيل قوة عسكرية تابعة لمجموعة دول الساحل، ويصل قوامها إلى 5 آلاف رجل تحت اسم «جيش الساحل». وعلى الرغم من الجهود الإفريقية فإن استفحال نشاط التنظيمات المسلحة فى المنطقة فتح الباب أمام المزيد من التدخل الأجنبى.