الآن - "نيسان صني 2024" تكنولوجيا القيادة اليابانية على أرض مصرية    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    القنوات الناقلة لمباراة الهلال والاتحاد في نصف نهائي كأس الملك والمعلقين    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    تراجع أسعار النفط مع تكثيف جهود الوصول إلى هدنة في غزة    مجلس الدولة يلزم الأبنية التعليمية بسداد مقابل انتفاع بأراضي المدارس    حماية المستهلك: الزيت وصل سعره 65 جنيها.. والدقيق ب19 جنيها    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    ولي العهد السعودي وبلينكن يبحثان التطورات في قطاع غزة    قتلى وجرحى إثر غارات جوية روسية على أوديسا وخاركيف    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    مؤسس صفحة «أطفال مفقودة» يكشف تفاصيل العثور على توأم كفر الزيات بعد 32 عامًا (فيديو)    وجد جثمانها في مقلب قمامة.. قصة طفلة سودانية شغلت الرأى العام    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    فتوى تحسم جدل زاهي حواس حول وجود سيدنا موسى في مصر.. هل عاصر الفراعنة؟    أشرف زكى: "هناك نهضة فنية فى معظم الدول العربية لكن لا يزال الفن المصرى راسخًا فى وجدان الأجيال"    رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم يشهد الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    «جامعة القناة» تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    ندى ثابت: مركز البيانات والحوسبة يعزز جهود الدولة في التحول الرقمي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند.. عائلات الأسرى لنتنياهو: لقد سئمنا.. شهداء وجرحى فى غارات إسرائيلية على غزة والنصيرات بقطاع غزة    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    كوافيرة لمدة 20 سنة حتى الوصول لمديرة إقليمية بأمازون.. شيرين بدر تكشف التفاصيل    «المقاطعة تنجح».. محمد غريب: سعر السمك انخفض 10% ببورسعيد (فيديو)    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    مصدران: محققون من المحكمة الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية بغزة    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    تعيين إمام محمدين رئيسًا لقطاع الناشئين بنادي مودرن فيوتشر    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    تقديم موعد مران الأهلى الأخير قبل مباراة الإسماعيلى    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    بالرابط، خطوات الاستعلام عن موعد الاختبار الإلكتروني لوظائف مصلحة الخبراء بوزارة العدل    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اهلا يا انا
أول مرة تحب يا قلبى .. ولكن !
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 09 - 2017

تظل رواية جارثيا ماركيز « الحب فى زمن الكوليرا » هى الرواية التى تكشف ما يفعله التشتت العاطفى فى العاشق حيث لا شفاء إلا بعودة التلاقى الصعب والذى يبدو إستمراره مستحيلا .
لم أكن أتخيل ان يجتمع كل ما حلمت به فى إمرأة واحدة يتجسد أمامى بموسيقى خطواتها على محطة ترام الرمل الكائنة على بعد خطوات من مبنى كلية آداب الإسكندرية . وإمتلكت جراءة السير بجوارها وإلقاء تحية الصباح ،
فردت التحية لتتوازن خطواتنا إلى المبنى الذى تحتله حاليا إدارة الجامعة وبدأتنى بمناقشة ما كتبته فى مجلة الحائط بمدخل بوفيه الكلية وكان المقال عن مسرحية «روميو وجوليت» والتى أصر الفنان البرت سامى الرسام المقتدر رغم انه يدرس الفلسفة بان يضع صورة كل كاتب على رأس المقال المكتوب .
قالت « لم أتخيل أن جوليت بطلة روميو بهذه الصورة من الشراهة العاطفية التى صورتها فى مقالك عنها . وضحكت ضحكة بسيطة لتضيف » لم تكن جوليت كهند رستم فى افلام حسن الإمام «. ضحكت أنا لأتابع » هى إمرأة واضحة الأنوثة ولا تخجل من نفسها ؛ فهى مثل بطلة رواية الاحمر والأسود لستندال الفرنسى ، إمرأة تتعرف على من يخصها من بين رجال العالم فتهبه نفسها دون إنتظار أو إعتذار ، خصوصا أنها تعلم أن ذوبانها فى أحضان من تحب لا يفرض عليها تقديم « دوطة » وهو ما تفرضه تقاليد ذلك الزمان على النساء ؛ فكان المهر تدفعه المرأة للرجل عكس الشرق عندنا»
ولا أدرى كيف إنسجمت خطواتنا لنسير كأن هناك من يملى علينا الطريق لنصل إلى بوفيه الكلية ؛ فنلحظ زبيدة ثروت وهى تستقبلنا قائلة « سأجلس معكما بدلا من اللمة التى تسير خلفى « فأقول» نحن نتكلم فى رواية روميو وجوليت وأنت بالنسبة لطلبة كليتنا » جوليت جامعة الإسكندرية ويليق بك أن تقبلى دعوة من يسير خلفك مباشرة هو حسن همام رئيس اتحاد الطلبة فى عموم مصر ويمكنه أن يبعد عنك هذا الضجيج بما معه من حرس . تضحك من أخذ القلب يتشكل على هيئتها وهى من تسير بجانبى ، وبدت ضحكتها كاداة تنحت مشاعرى منذ لحظة رؤيتها ليتشكل قلبى على هيئتها ، قالت « هل هناك من يرفض الجلوس إلى زبيدة ثروت ؟» فأقول « هى دارسة الحقوق ولن تستوعب ما نتحدث عنه » . «أيقنت من يتشكل قلبى على هيئتها أن رفضى للجلوس مع زبيدة ثروت هو نوع من خصوصية الاحترام لها . وتابعت كلماتى » « زبيدة ثروت ملكة متوجة على خيال من يسيرون حولها او معها ؛ لكنها لا تخصنى » تساءلت من تخصك ؟ . نطقت بشكل قطعى «أنت» . دارت دورتها الدموية لتعلن عبر وجنتيها إندهاشا وترحيبا ، قالت «حاسب . وعد إلى مناقشة روميو وجوليت » . ولم أقل لها ما يمر به قلبى من عملية تشكله على هيئتها ، لكنى قلت « كانت جوليت عملية للغاية ففور تأكدها أن روميو هو إختيارها مضت معه إلى النهاية لتطلب من الكاهن أن يعقد قرانهما ، ولتمضى معه وقتا هو جوهر سحر الوجود فى العالم ، لم تعرف هل يدها هى يدها أم يده ؟ هل كل وجودها يخصها ام يخصه ؟ هل هى جوليت أم هى التى نحتت السماء أنوثتها من أجل رجل هو روميو ؟ لقد كانت مشاعرها شديدة الحسية رغم أن من قدسوها ظنوا أنها كانت رومانسية لا تفكر بالجسد وحده ، ولم يعرفوا حقيقتها حين ذابت روحها فى كل ذرة من جسدها لتطلب الإكتمال بإحتضان روميو وبمباركة السماء عكس بطلة الاحمر والاسود لستندال الفرنسى التى القت بمباركة السماء خلف ظهرها فهى متزوجة لكنها مضت إلى بركان الذوبان مع بطلها الذى كان يلهو ويدعى ان كل وجوده يخصها . ولعل مشهد قتله فى نهاية الرواية ؛ كان حقا ارادته السماء لأنه زيف عواطفه .
كانت تسمعنى ووجنتيها تكشف لى ديناميكية تغير دورتها الدموية حين اخذ قلبها يعيد تشكيل هيئته على صورتى وطبعا لم تكن لتعلن ذلك ، فليس من المقبول ان تعلن فتاة ذلك ، لكن ما يجرى من تفاعلات داخلها كان واضحا لى فصار من السهل قراءة خريطة التفاعلات الداخلية .
وهمست لنفسى ان هذا هو حقى وحدى لانى عرفت أسرار هذا الوعد الغريب ، الوعد الذى تلقيه عيون امرأة فى عيون رجل، بأنها قادرة على أن تلغى كل إحساسه بالوحدة , لذلك لم اصدق قولها بعد سنوات من العناق العاشق ؛ القول الذى نطقت به بجراءة حزينة : أنت الذى سرقت عمرى .
ورغم أن العمر لم يتجاوز عندى او عندها ثمانية عشر عاما إلا أنى قبل لقياها كنت قد سبحت بما يكفى فى بحار علم النفس فسقط من وعيى الوهم الذى كان منتشرا بأن عالم النفس هو قارئ أسرار الروح أو هو من يملك نظرة غير عادية يكسر بها جدار الأسرار الخاصة لأى إنسان ، فيعرف كل تفاصيل عمره وماذا يخبئ فى أعماقه ، فقد بدأت صداقتى مع علم النفس منذ كنت مراهقاً فى الرابعة عشرة ، وكان علم النفس هو غابة الأسرار التى أتمنى أن أتقن معرفة طرقها لعلى أقوم بتغيير العالم . ولكن بعد سنوات بسيطة ً من القراءة واقتحام العيادات النفسية ، والصداقة مع أطباء النفس ، فقدت هذا السحر الغريب الذى كنت أسيرا له ، صرت أعلم أن طبيب النفس هو إنسان مثلى ومثلك ، له أحزانه ومشاعره وله أسراره . وهو لا يملك إلا عدداً من المهارات التى تساعده على الاستماع لأحزان من أمامه ، وقد يملك موهبة المحقق الذى يستجوب الإنسان ، لكنه لا يملك قوة خارقة يقتحم بها أعماق أحد .
كانت صداقتى مع استاذى عالم النفس الكبير د.سعد جلال هى التى حطمت الحواجز الوهمية التى يصنعها خيال من لا يعرف ، فصرت اعلم جوهر الحكاية الموجزة فى ان لعلم النفس فروعا عديدة كشوارع القرى المزدحمة بالدهاليز ؛ فالمحلل النفسى المتبع لسلالة فرويد يختلف عن المتبع لسلالة كارل جوستاف يونج ؛ الذى رأى الوجود الإنسانى كشجرة تنمو بفروع يأخذ كل فرع اخلاقياته وسلوكه مما مضى . وكانت أفكاره قريبة من قلبى ، فقد رأيته وهو متفق مع تصوراتى من أن كل خلية فى مخ الرجل تلتقط صورة لكل إمرأة يراها منذ لحظة الميلاد وتأتى فوقها صورة إمرأة ثانية وثالثة ورابعة وتستمر الخلية فى إلتقاط صور النساء إلى أن يصل إلى المراهقة فيرى إمرأة ينجذب إليها ولا ينتبه إلى أنها مكونة من صور نساء متعددات سبق والتقى بهن فى حياته منذ لحظة الميلاد إلى العمر الذى بدأت فيه رجولته تختار من تتأكد شخصيته بإعلان رغبته فى الإرتباط بها . وبطبيعة الحال قد تصدمه أول إمرأة يختارها الخيال برفضها له، فيتجه إلى خيال آخر لتبدأ قصة أخرى ؛ وفى كثير من الأحيان تفرض الجاذبية الحسية قانونها الذى يطلب الذوبان المطلق من الرجل فى المرآة او من المرآة فى الرجل ، فتدور موسيقى إعادة خلق الكون من البداية إلى النهاية فى لحظات يستكشف فيها الرجل آفاق الجنة وترى فيها المرأة ظلال جنة الحنان الوارفة فتكون نقطة فى وجود العاشق الذى ذاب بدوره فى امواج إعادة الميلاد ، ليشهد الإثنان معا جوهر الصحو العاشق, وتلك هى اللحظة التى إكتشفتها إمرأة تركمانية فى احضان صياد عربى هارب على ساحل سوريا فى رواية «الياطر » للسورى الحبيب «توفيق حنا» التى تتطابق مع ما عاشه الجناينى الشهير فى رواية « عشيق ليدى تشاترلى » وصار ذلك الذوبان المتبادل حقيقة علمية يحذر منها اطباء النفس لان إفتقادها يقود إلى مغادرة الوعى بكل ما فيه من جدية أو ركاكة ، وهو ما وصلت إليه جوليت فى مسرحية شكسبير وتبعها روميو فتنازل كلاهما عن الحياة لان اى تنفس خارج تلك المملكة فالموت افضل من الإستمرار فى التنفس المزدحم باشواك تحملها عواصف اعاصير ذات دوامات من نيران لا يراها احد الا العاشق والمعشوقة . فإن لم يقدم أى من العاشقين على الموت ؛ فالحياة خارج ما تعارف عليه الكون من انه كون عاقل يصبح عسيرا بل ومستحيلا . وطريق الهرب من هذا المأزق يكون بالتشتت بحثا عن علاقة تنقذه من الجحيم غير المرئى . وقد وصف جارثيا ماركيز ذلك فى رواية بارعة الجمال هى « الحب فى زمن الكوليرا « حيث يدفع التشتت الأهوج بطل قصة الحب إلى علاقات تمثل إنهيارا يخوضه من اجل أن يسترد نفسه دون طائل ، ولا يتحقق له ذلك إلا فى الشيخوخة حيث يسترد الحبيبة الأولى وهى عجوز مثله ويركبان سويا مركب تسير فى نهر من أنهار أمريكا الجنوبية ، وبما أنه أصبح مالكا للشركة التى تملك السفينة يرفع عليها علما أصفر ، ومعنى ذلك انها تحمل مصابين بالكوليرا ويحسن الإبتعاد عنها . وتظل رواية جارثيا ماركيز « الحب فى زمن الكوليرا » هى الرواية التى تكشف ما يفعله التشتت العاطفى فى العاشق ؛ حيث لا شفاء إلا بعودة التلاقى الصعب والذى يبدو إستمراره مستحيلا . فالعودة إلى الحب الأول بعد نكساته وتشتت أبطاله يبدو كغياب كامل عن الحياة ويتطابق مع حاملى ميكروبات المرض المستحيل الشفاء ، وإن كان التشتت هو وسيلة لقضاء أوقات الهرب من الآلام التى لا يرها أحد.
..........
وقد حدث أن حملت حقائق العلاقة بين اى عاشق وعاشق . ومرت السنوات لأجد أن اى محاولة من العاشق إستبدال الحبيبة بعلاقة اخرى حتى يصطدم بانه يحاول بالجنون إلى إستعادة الحبيبة من تحت بشرة من إرتبط بها وغالبا ما تولد علاقة محكومة بطلاق قد يقع فعلا أو أن يستمر كطلاق صامت تتخلله خيانات فعلية او رحلات خيانة بالخيال والوهم ؛ وإستمعت إلى قصصه فى العيادات النفسية سواء فى مصر او الولايات المتحدة حيث عشت فى ردهات مؤتمرات « الحب والكراهية » المرتبطان كأنهما عملة واحدة فى رحلات العلاقة بين الرجل والمراة ,
وكان هذا موضوع حوار طويل بينى وبين الطبيبة والمحللة النفسية د. كلوديا بلاك التى تقود سيارتها وأنا بجانبها ذاهبين إلى دعوتها على العشاء بعد انتهاء يوم طويل من المناقشات حول قدرة الإنسان الخاصة للخروج من التشتت النفسى . وكلوديا بلاك طبيبة نفس و محللة ومدربة نفسية ، إيطالية الميلاد والتعليم قبل أن تأتى للولايات المتحدة وتمارس عملها ،وهى فى التاسعة والثلاثين ، ومساحيق وجهها قليلة ، وأخذت من إيطاليا تلك الثقة الغريبة التى نراها فى عيون نساء الشمال الإيطالى بأن كل رجل خائن إلى أن يثبت العكس . وأن رغبة الرجل فى المرأة قد تعنى رحلة من سعادة الاحتضان ثم ترك طفل غير شرعى فى رحمها . وهى كلوديا واحدة من اللاتى تخصصن فى معالجة الصدمة الناتجة من أى مفاجأة صعبة يتبعها تشتت عاطفى ، فكل إنسان منا يعيش حياته متأرجحاً بين استبعاد كل أمر شاق ، مثل المرض العنيف ، أو ارتكاب جريمة غير متوقعة ، أو التعرض لحادث غير مناسب . وعلى الطرف الآخر من الأرجوحة يحيا الإنسان وهو خائف من حدوث المرض العنيف أو التعرض لحادث غير مقبول . وكل منا يقول باختصار «لا يمكن أن يحدث لى مثل هذا» ، نقولها عند رؤية مريض بالسرطان ، أورؤية رجل عشق امرأة فطردته من حياتها أوعاشقة مطرودة من حياة من أرادت مشاركته رحلة العمر ، أو مشاهدة إنسان فقد عائلته فى حادث واحد . وفى نفس الوقت يخاف كل منا من حدوث الأمر المحزن له .
ولا يمكن لى أن أنكر حقيقة مرت بى منذ لقائى بكلوديا بلاك فقد إقتحمتنى كعاصفة طارئة ، ذات جمال هادئ ممتلئ بفتنة عميقة التأثير وكأنها خارجة من طزاجة غير مألوفة لامرأة فى التاسعة والثلاثين ، وأعترف انى مدرب على مواجهة هذه الامور منذ عدم نسيانى لما جاء فى اول سطور كتاب إبن حزم الفقيه الاندلسى صاحب مؤلف طوق الحمامة فى الإلف الإيلاف الذى يبدو كاول كتاب عربى يناقش بالفهم حقائق العلاقات العاطفية ، وجملته الاولى « إعلم أعزك الله أن الحب اوله هزل وأخره جد» ولا أعلم مدى دقة العبارة ، لكنها بقيت فى اعماقى كستار خرسانى أحمى به نفسى من الإنزلاق إلى مالا أستطيع تحمله . ولكن ذلك لم يمنعنى من سؤالها عن سر تلك الحيوية فأجابتنى بدفء لافت « أحافظ على ساعتين من الرياضة كل يوم ، لأكسب عشر ساعات من الحيوية فى أداء أعمالى ، ثم أسمع الموسيقى الكلاسيك ، وقد ألتقى بحبيبى وقد لا ألتقى به ، حسب وقت كل منا ومشاغله » . وفى مطعم يحمل اسم «أكبر» مطعم هندى ، يملكه مسلم ، كتب كلمة «أكبر» بالإنجليزية وكتب فوقها كلمة «الله» بالعربية ، فصار من حق العربى أن يقرأ كلمة «الله» ، فى هذا المطعم كان العشاء ، قالت كلوديا : منذ أن حضرت أنت جلسات التشتت ، رأيت فيك إنساناً يجيد التشتت ويجيد العودة منه . قلت : لو كنت أجيد العودة من التشتت لما فكرت الإستفادة من خبرات مائدة التنوع الأنثوى الهائل التى يضمها الطب النفسى المعاصر مثلك ومثل بقية الصديقات من الطبيبات د. مارلى ، د. سندرا ، ولا أجد رجالاً يتصدون للمشكلات النفسية ، وعلى الأخص مشكلة التشتت العاطفى . رغم أن المعروف علمياً أن الرجل يستخدم نصف مخه فى إدارة حياته ، إما نصف المخ الأيمن إن كان فناناً أو نصف المخ الأيسر إن كان من أهل العلم . أما المرأة فهى تستخدم كل مخها ؛ بنصفه الأيمن ونصفه الأيسر ، فإذا كان مخ الرجل يزن ألف وأربعمائة جرام ، فهو يستخدم سبعمائة جرام فقط فى إدارة كل أمور حياته ، وتبقى السبعمائة جرام الأخرى دون استخدام ، أما المرأة فموقفها مختلف ، فوزن مخها تقريباً ألف وثلاثمائة جرام ، وهو أقل من وزن مخ الرجل ، لكنها تستخدم كل مخها فى إدارة كل حياتها ، ولذلك فهى أقل من الرجل عرضة للتشتت ، فكيف تتخصص المرأة فيما لا تعانى منه ؟. ولمعت بشرة كلوديا بلون من إحساس بانتصار المرأة على الرجل ، وقالت : لعل تخصص المرأة فى موضوع التشتت نابع من الدراسات الكثيفة ، فالمسألة ليست مخ الرجل الأقل قدرة على التفاعل مع الحياة ، والأكثر هرباً إلى الموت ، ولكن دراسة المرأة للتشتت نابع من تقدم الدراسات فى علوم العلاقة بين الجنسين ، لأن المرأة كما تعلم عاشت قروناً وهى فاقدة لحق اختيار الرجل المناسب لها . وعاشت قروناً وهى معروضة للبيع والمساومة وعاشت كجسد مستباح لمن يدفع للأب ، أو العائلة ، أو حتى لها . وكان على جسدها أن يحمل أطفالاً من رجل قد لا تحبه . وهى لا تكتشف قدرتها على التكامل الإنسانى الذى يرتبط فيه ارتواء الجسد باختيار منها ، بل صار خيالها هو بحر ترحل فيه إلى الأحلام العاطفية المكتملة ، ولعل ما جمعته د. «نانسى فراى داى» من اعترافات النساء على مدى أربعين عاماً هو دليل وثائقى عن نظرة المرأة إلى الحياة بدءاً من نظرتها إلى نفسها وإلى الرجل وإلى المجتمع . أقول : إن «نانسى فراى داى» ليست إلا جامعة خيالات وأحلام يقظة ، أرادت أن تقول للعالم أن من حق المرأة أن تعبر عن كل ما فى أعماقها من رغبات . ولكن الأسلوب الذى كتبت به كل كتبها يفتقد إلى لياقة الأنوثة ، فقد صورت المرأة ككائن جشع عاطفيا ، ولم تلمس جوانب الإبداع لدى المرأة ولا مدى مشاركتها فى الحياة للرجل . ، ففعل التلاقى بين الرجل والمراة الذى جمعت هى أساطيره وهلاوسه ، لا يستغرق من المرأة والرجل إلا وقتا ضئيلا لكن فى الحياة أمور أخرى . وقد قرأت كل ما كتبته نانسى فراى داى وهو يصلح كمثال لسلسلة طويلة من الفضائح ، ولا يمكن أن نقول أنه وقائع حياتية . تقول د. كلوديا : ولكن اعترافات النساء التى جمعتها نانسى فراى داى تقول لك إن المرأة هى التى عانت من التمزيق . ولم يعان الرجل من ذلك . فالتاريخ يؤكد أن الذى أساء استخدام جسد المرأة هو الرجل . قلت : إن فى قولك هذا لون من التسطيح ، كأنك تنسين الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ، فالمرأة الفلسطينية مثلاً تفكر فى الرجل لا من أجل الإرتواء العاطفى فقط ولكن من أجل الإنجاب ، لأنها تحتاج إلى أطفال يقاومون القهر . والمرأة الأفريقية تنجب الأطفال لا من أجل المتعة ، ولكن من أجل أن تقول للرجل أنها صالحة لأداء مهمتها الحياتية ، فلماذا لا يقوم هو بمهمته الحياتية ويزرع الأرض ويبنى البيوت ، ويهيئ الحياة اللائقة للأسرة ، بدلاً من هذا الفساد الذى يغمر القارة الأفريقية من البحر المتوسط شمالاً إلى المحيط الهادى جنوباً . ولعلك تلاحظين وجوه الأطفال الجوعى والنساء الممصوصات من الأنوثة ، والرجال المقهورين بالقبلية والثروات المستنزفة ، ولا يمكن لامرأة من هذا المجتمع أن تفكر فى حقوق الإرتواء العاطفى كما لا يمكن للرجل نفس المشاعر رغم هوس الإنجاب الذى تزدحم به بلاد افريقيا او بعض شعوب مقهورة كالشعب الفلسطينى . قالت د. كلوديا : فيما يبدو أنك تتجاهل أن اللقاء العاطفى بين الرجل والمرأة فى ظروف القهر قد يبدو أكثر تعويضاً وأكثر متعة من كل ما فى خيالك . لعلك قرأت رواية جابرييلا أو زهرة القرنفل لجورجى أمادو الكاتب البرازيلى الذى صور الحب والمرأة فى مثل تلك الظروف ، إن كلاً من الرجل والمرأة أكثر حرية وأكثر عطاءً من المجتمعات المتحضرة التى نحيا فيها . قلت : إننى متفاجئ بعالمة كبيرة مثلك تحسد الجوعى المطحونين على متع صغيرة تفتقد إلى الحد الأدنى من التكامل الإنسانى . قالت د. كلوديا : أنا لا أحسد ولكنى أعبر عن وقائع . أقول : ولكن فى عصر الأنانية الفردية الشديد الذى يصرخ كل فرد فيه منادياً لحقوقه ومطالباً بها هو الذى يجعل الإنسان متلهفاً إلى سعادة إكتمال لن يصل إليها ، سواء أكان الفرد رجلاً أو امرأة . ولكنى مازلت حائراً فى محاولة لفهم ما وراء جاذبية التشتت النفسى لعالمة نفس امريكية من جذور إيطالية ؛ رغم أنها قادرة بمخها على الوصول إلى لون من التكامل . وأنها قادرة على ترويض الرجل أكثر مما هو متاح لأى امرأة أخرى . قالت د. كلوديا : أنت تنسى أن صرخة المرأة الأمريكية بحقوقها الجسدية ، لم تنبع من فراغ . وكذلك تكاسل الرجل عن الاهتمام بالمرأة واستسلامه لوضع الثور الذى يحلم بحياة لائقة ، ثم ينام الاثنان آخر الليل كاثنين من الحيوانات فى حظيرة من حرير هى غرفة النوم . وأنت على حق فى قولك إن عصر الأنانية الضخم هو الذى جعل الرجل أكثر تشتتاً ، وجعل المرأة أقل ارتواءً . وكان من المفروض ألا يدفعنا التحضر إلى هذه الدرجة من المجاعة إلى التكامل النفسى .
وقررت ان اغرق فى تناول الطعام لانى مقتنع بالعجز عن الإنتصار على عالمة وطبيبة ومحلله ؛ وفوق ذلك يبدو جمالها له اشواك تقول لى « أمامك دوامة لن تخرج منها إن أقتربت» . وعندما سألتنى فى ماذا افكر قلت لها ما أفكر فيه ، ضحكت وهى تقطع قطعة السمك التى طلبتها لنفسها وهى تقول : قليل من الرجال الذين يحسبون خطواتهم العاطفية قبل بداية اى رحلة من هذا النوع . قلت: تعودت عبر عملى ان كل انوثة ألتقى بها هى ملك لصاحبتها اما إنسانية المالكة لهذه الأنوثة فأنا قادر على الحوار معها كالحوار معك .
وضحكنا معا بتناغم اصابنى برعب أتقن رجوت الإنتصار عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.