أخبار مصر اليوم: إعلان مواعيد جولة الإعادة بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب.. تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني بالفيزا في المترو.. ورئيس الوزراء: لا تهاون مع البناء العشوائي في جزيرة الوراق    رئيس شئون البيئة ل الشروق: نسعى لاستقطاب أكبر حجم من التمويلات التنموية لدعم حماية السواحل وتحويل الموانئ إلى خضراء    رئيس شعبة الدواجن بالجيزة يحذر من الفراخ السردة: اعدموها فورا    رئيس بولندا يعارض فكرة توسك بدفع وارسو تعويضات لضحايا الحرب بدلا من ألمانيا    أسامة كمال لمنتقدي تسليح الدولة: لولا السلاح لما كان هناك طعام    استمرار تعثر خطة الصين لبناء سفارة عملاقة في لندن    الدوري الإنجليزي، نيوكاسل يتعادل 2-2 أمام توتنهام في مباراة مثيرة    مجموعة مصر: موعد مباراة الأردن والإمارات في كأس العرب والقنوات الناقلة    بحضور البطل الأوليمبي كرم جابر..وكيل الشباب بالدقهلية يشهد تدريبات المصارعة بالمشروع القومي للموهبة    ارتفاع عدد ضحايا حريق سوق الخواجات بالمنصورة إلى 5 وفيات و13 مصابا (صور)    بينهم أطفال وسيدات.. 9 مصابين في حادث تصادم مروع بمركز إطسا بالفيوم    إخلاء سبيل النائبة السابقة منى جاب الله بكفالة 30 ألف جنيه في قضية دهس شاب    محافظ الدقهلية يتابع جهود السيطرة على حريق في سوق الخواجات بالمنصورة    نقيب الإعلاميين يستعرض رؤية تحليلية ونقدية لرواية "السرشجي" بنقابة الصحفيين    فيروز تتصدر تريند مواقع التواصل الاجتماعي.. والسبب غريب    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    بنك التعمير والإسكان يوقع مذكرة تفاهم مع مدرسة فرانكفورت    بابا الفاتيكان يعرب عن أمله في أن تكون رحلته الخارجية المقبلة إلى إفريقيا    «القومى للمرأة» ينظم الاجتماع التنسيقي لشركاء الدعم النفسي لبحث التعاون    أحمد فهمي يحسم الجدل حول ارتباطه بأسماء جلال    أجواء حماسية والمنافسة تشتعل يين المرشحين في انتخابات النواب بقنا    بعد فرض ارتدائها في بعض المدارس.. الصحة: الكمامات تقتصر على الطلاب المصابين بالفيروسات التنفسية    القطاع الخاص يعرض تجربته في تحقيق الاستدامة البيئية والحياد الكربوني    واشنطن تكثّف حربها على تهريب المخدرات: "بدأنا للتو"    غياب الكرتي ومروان.. قائمة بيراميدز لمواجهة كهرباء الإسماعيلية في الدوري    متسابقة بكاستنج تبكى من الاندماج فى المشهد واللجنة تصفق لها    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    لميس الحديدي بعد واقعة "سيدز": لازم الكاميرات تُعمم على كل المدارس    القانون يحسم جواز بقاء الأيتام رغم بلوغهم السن القانونية.. تفاصيل    السعودية تتفوق على عمان 2-1 في افتتاح مشوارها بكأس العرب 2025    كارمن يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي 2026    تعرف على التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    تشكيل أتلتيكو مدريد أمام برشلونة في الدوري الإسباني    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    مرموش على مقاعد بدلاء مانشستر سيتي أمام فولهام في البريميرليج    استثمارات فى الطريق مصانع إنجليزية لإنتاج الأسمدة والفواكه المُبردة    بشكل مفاجئ .. ترامب يصدر عفوا رئاسيا عن رئيس هندوراس السابق    وزير خارجية ألمانيا: كييف ستضطر إلى تقديم "تنازلات مؤلمة" من أجل السلام    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    إحلال وتجديد طريق ترعة الرشيدية بالمحمودية بتكلفة 2.7 مليون جنيه    مكتبة مصر العامة تنظم معرض بيع الكتب الشهري بأسعار رمزية يومي 5 و6 ديسمبر    وزير الري: تنسيق مستمر بين مصر والسنغال في مختلف فعاليات المياه والمناخ    الصحة: استراتيجية توطين اللقاحات تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    بالصور.. الوطنية للانتخابات: المرحلة الثانية من انتخابات النواب أجريت وسط متابعة دقيقة لكشف أي مخالفة    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    وزير الصحة يبحث مع وزير المالية انتظام سلاسل توريد الأدوية والمستلزمات الطبية    الإحصاء: 37.1 مليار متر مكعب كمية المياه المستخدمة فى رى المحاصيل الزراعية 2024    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    بث مباشر الآن.. متابعة لحظة بلحظة لمباراة السعودية وعُمان في افتتاح مواجهات كأس العرب 2025    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اهلا يا انا
أول مرة تحب يا قلبى .. ولكن !
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 09 - 2017

تظل رواية جارثيا ماركيز « الحب فى زمن الكوليرا » هى الرواية التى تكشف ما يفعله التشتت العاطفى فى العاشق حيث لا شفاء إلا بعودة التلاقى الصعب والذى يبدو إستمراره مستحيلا .
لم أكن أتخيل ان يجتمع كل ما حلمت به فى إمرأة واحدة يتجسد أمامى بموسيقى خطواتها على محطة ترام الرمل الكائنة على بعد خطوات من مبنى كلية آداب الإسكندرية . وإمتلكت جراءة السير بجوارها وإلقاء تحية الصباح ،
فردت التحية لتتوازن خطواتنا إلى المبنى الذى تحتله حاليا إدارة الجامعة وبدأتنى بمناقشة ما كتبته فى مجلة الحائط بمدخل بوفيه الكلية وكان المقال عن مسرحية «روميو وجوليت» والتى أصر الفنان البرت سامى الرسام المقتدر رغم انه يدرس الفلسفة بان يضع صورة كل كاتب على رأس المقال المكتوب .
قالت « لم أتخيل أن جوليت بطلة روميو بهذه الصورة من الشراهة العاطفية التى صورتها فى مقالك عنها . وضحكت ضحكة بسيطة لتضيف » لم تكن جوليت كهند رستم فى افلام حسن الإمام «. ضحكت أنا لأتابع » هى إمرأة واضحة الأنوثة ولا تخجل من نفسها ؛ فهى مثل بطلة رواية الاحمر والأسود لستندال الفرنسى ، إمرأة تتعرف على من يخصها من بين رجال العالم فتهبه نفسها دون إنتظار أو إعتذار ، خصوصا أنها تعلم أن ذوبانها فى أحضان من تحب لا يفرض عليها تقديم « دوطة » وهو ما تفرضه تقاليد ذلك الزمان على النساء ؛ فكان المهر تدفعه المرأة للرجل عكس الشرق عندنا»
ولا أدرى كيف إنسجمت خطواتنا لنسير كأن هناك من يملى علينا الطريق لنصل إلى بوفيه الكلية ؛ فنلحظ زبيدة ثروت وهى تستقبلنا قائلة « سأجلس معكما بدلا من اللمة التى تسير خلفى « فأقول» نحن نتكلم فى رواية روميو وجوليت وأنت بالنسبة لطلبة كليتنا » جوليت جامعة الإسكندرية ويليق بك أن تقبلى دعوة من يسير خلفك مباشرة هو حسن همام رئيس اتحاد الطلبة فى عموم مصر ويمكنه أن يبعد عنك هذا الضجيج بما معه من حرس . تضحك من أخذ القلب يتشكل على هيئتها وهى من تسير بجانبى ، وبدت ضحكتها كاداة تنحت مشاعرى منذ لحظة رؤيتها ليتشكل قلبى على هيئتها ، قالت « هل هناك من يرفض الجلوس إلى زبيدة ثروت ؟» فأقول « هى دارسة الحقوق ولن تستوعب ما نتحدث عنه » . «أيقنت من يتشكل قلبى على هيئتها أن رفضى للجلوس مع زبيدة ثروت هو نوع من خصوصية الاحترام لها . وتابعت كلماتى » « زبيدة ثروت ملكة متوجة على خيال من يسيرون حولها او معها ؛ لكنها لا تخصنى » تساءلت من تخصك ؟ . نطقت بشكل قطعى «أنت» . دارت دورتها الدموية لتعلن عبر وجنتيها إندهاشا وترحيبا ، قالت «حاسب . وعد إلى مناقشة روميو وجوليت » . ولم أقل لها ما يمر به قلبى من عملية تشكله على هيئتها ، لكنى قلت « كانت جوليت عملية للغاية ففور تأكدها أن روميو هو إختيارها مضت معه إلى النهاية لتطلب من الكاهن أن يعقد قرانهما ، ولتمضى معه وقتا هو جوهر سحر الوجود فى العالم ، لم تعرف هل يدها هى يدها أم يده ؟ هل كل وجودها يخصها ام يخصه ؟ هل هى جوليت أم هى التى نحتت السماء أنوثتها من أجل رجل هو روميو ؟ لقد كانت مشاعرها شديدة الحسية رغم أن من قدسوها ظنوا أنها كانت رومانسية لا تفكر بالجسد وحده ، ولم يعرفوا حقيقتها حين ذابت روحها فى كل ذرة من جسدها لتطلب الإكتمال بإحتضان روميو وبمباركة السماء عكس بطلة الاحمر والاسود لستندال الفرنسى التى القت بمباركة السماء خلف ظهرها فهى متزوجة لكنها مضت إلى بركان الذوبان مع بطلها الذى كان يلهو ويدعى ان كل وجوده يخصها . ولعل مشهد قتله فى نهاية الرواية ؛ كان حقا ارادته السماء لأنه زيف عواطفه .
كانت تسمعنى ووجنتيها تكشف لى ديناميكية تغير دورتها الدموية حين اخذ قلبها يعيد تشكيل هيئته على صورتى وطبعا لم تكن لتعلن ذلك ، فليس من المقبول ان تعلن فتاة ذلك ، لكن ما يجرى من تفاعلات داخلها كان واضحا لى فصار من السهل قراءة خريطة التفاعلات الداخلية .
وهمست لنفسى ان هذا هو حقى وحدى لانى عرفت أسرار هذا الوعد الغريب ، الوعد الذى تلقيه عيون امرأة فى عيون رجل، بأنها قادرة على أن تلغى كل إحساسه بالوحدة , لذلك لم اصدق قولها بعد سنوات من العناق العاشق ؛ القول الذى نطقت به بجراءة حزينة : أنت الذى سرقت عمرى .
ورغم أن العمر لم يتجاوز عندى او عندها ثمانية عشر عاما إلا أنى قبل لقياها كنت قد سبحت بما يكفى فى بحار علم النفس فسقط من وعيى الوهم الذى كان منتشرا بأن عالم النفس هو قارئ أسرار الروح أو هو من يملك نظرة غير عادية يكسر بها جدار الأسرار الخاصة لأى إنسان ، فيعرف كل تفاصيل عمره وماذا يخبئ فى أعماقه ، فقد بدأت صداقتى مع علم النفس منذ كنت مراهقاً فى الرابعة عشرة ، وكان علم النفس هو غابة الأسرار التى أتمنى أن أتقن معرفة طرقها لعلى أقوم بتغيير العالم . ولكن بعد سنوات بسيطة ً من القراءة واقتحام العيادات النفسية ، والصداقة مع أطباء النفس ، فقدت هذا السحر الغريب الذى كنت أسيرا له ، صرت أعلم أن طبيب النفس هو إنسان مثلى ومثلك ، له أحزانه ومشاعره وله أسراره . وهو لا يملك إلا عدداً من المهارات التى تساعده على الاستماع لأحزان من أمامه ، وقد يملك موهبة المحقق الذى يستجوب الإنسان ، لكنه لا يملك قوة خارقة يقتحم بها أعماق أحد .
كانت صداقتى مع استاذى عالم النفس الكبير د.سعد جلال هى التى حطمت الحواجز الوهمية التى يصنعها خيال من لا يعرف ، فصرت اعلم جوهر الحكاية الموجزة فى ان لعلم النفس فروعا عديدة كشوارع القرى المزدحمة بالدهاليز ؛ فالمحلل النفسى المتبع لسلالة فرويد يختلف عن المتبع لسلالة كارل جوستاف يونج ؛ الذى رأى الوجود الإنسانى كشجرة تنمو بفروع يأخذ كل فرع اخلاقياته وسلوكه مما مضى . وكانت أفكاره قريبة من قلبى ، فقد رأيته وهو متفق مع تصوراتى من أن كل خلية فى مخ الرجل تلتقط صورة لكل إمرأة يراها منذ لحظة الميلاد وتأتى فوقها صورة إمرأة ثانية وثالثة ورابعة وتستمر الخلية فى إلتقاط صور النساء إلى أن يصل إلى المراهقة فيرى إمرأة ينجذب إليها ولا ينتبه إلى أنها مكونة من صور نساء متعددات سبق والتقى بهن فى حياته منذ لحظة الميلاد إلى العمر الذى بدأت فيه رجولته تختار من تتأكد شخصيته بإعلان رغبته فى الإرتباط بها . وبطبيعة الحال قد تصدمه أول إمرأة يختارها الخيال برفضها له، فيتجه إلى خيال آخر لتبدأ قصة أخرى ؛ وفى كثير من الأحيان تفرض الجاذبية الحسية قانونها الذى يطلب الذوبان المطلق من الرجل فى المرآة او من المرآة فى الرجل ، فتدور موسيقى إعادة خلق الكون من البداية إلى النهاية فى لحظات يستكشف فيها الرجل آفاق الجنة وترى فيها المرأة ظلال جنة الحنان الوارفة فتكون نقطة فى وجود العاشق الذى ذاب بدوره فى امواج إعادة الميلاد ، ليشهد الإثنان معا جوهر الصحو العاشق, وتلك هى اللحظة التى إكتشفتها إمرأة تركمانية فى احضان صياد عربى هارب على ساحل سوريا فى رواية «الياطر » للسورى الحبيب «توفيق حنا» التى تتطابق مع ما عاشه الجناينى الشهير فى رواية « عشيق ليدى تشاترلى » وصار ذلك الذوبان المتبادل حقيقة علمية يحذر منها اطباء النفس لان إفتقادها يقود إلى مغادرة الوعى بكل ما فيه من جدية أو ركاكة ، وهو ما وصلت إليه جوليت فى مسرحية شكسبير وتبعها روميو فتنازل كلاهما عن الحياة لان اى تنفس خارج تلك المملكة فالموت افضل من الإستمرار فى التنفس المزدحم باشواك تحملها عواصف اعاصير ذات دوامات من نيران لا يراها احد الا العاشق والمعشوقة . فإن لم يقدم أى من العاشقين على الموت ؛ فالحياة خارج ما تعارف عليه الكون من انه كون عاقل يصبح عسيرا بل ومستحيلا . وطريق الهرب من هذا المأزق يكون بالتشتت بحثا عن علاقة تنقذه من الجحيم غير المرئى . وقد وصف جارثيا ماركيز ذلك فى رواية بارعة الجمال هى « الحب فى زمن الكوليرا « حيث يدفع التشتت الأهوج بطل قصة الحب إلى علاقات تمثل إنهيارا يخوضه من اجل أن يسترد نفسه دون طائل ، ولا يتحقق له ذلك إلا فى الشيخوخة حيث يسترد الحبيبة الأولى وهى عجوز مثله ويركبان سويا مركب تسير فى نهر من أنهار أمريكا الجنوبية ، وبما أنه أصبح مالكا للشركة التى تملك السفينة يرفع عليها علما أصفر ، ومعنى ذلك انها تحمل مصابين بالكوليرا ويحسن الإبتعاد عنها . وتظل رواية جارثيا ماركيز « الحب فى زمن الكوليرا » هى الرواية التى تكشف ما يفعله التشتت العاطفى فى العاشق ؛ حيث لا شفاء إلا بعودة التلاقى الصعب والذى يبدو إستمراره مستحيلا . فالعودة إلى الحب الأول بعد نكساته وتشتت أبطاله يبدو كغياب كامل عن الحياة ويتطابق مع حاملى ميكروبات المرض المستحيل الشفاء ، وإن كان التشتت هو وسيلة لقضاء أوقات الهرب من الآلام التى لا يرها أحد.
..........
وقد حدث أن حملت حقائق العلاقة بين اى عاشق وعاشق . ومرت السنوات لأجد أن اى محاولة من العاشق إستبدال الحبيبة بعلاقة اخرى حتى يصطدم بانه يحاول بالجنون إلى إستعادة الحبيبة من تحت بشرة من إرتبط بها وغالبا ما تولد علاقة محكومة بطلاق قد يقع فعلا أو أن يستمر كطلاق صامت تتخلله خيانات فعلية او رحلات خيانة بالخيال والوهم ؛ وإستمعت إلى قصصه فى العيادات النفسية سواء فى مصر او الولايات المتحدة حيث عشت فى ردهات مؤتمرات « الحب والكراهية » المرتبطان كأنهما عملة واحدة فى رحلات العلاقة بين الرجل والمراة ,
وكان هذا موضوع حوار طويل بينى وبين الطبيبة والمحللة النفسية د. كلوديا بلاك التى تقود سيارتها وأنا بجانبها ذاهبين إلى دعوتها على العشاء بعد انتهاء يوم طويل من المناقشات حول قدرة الإنسان الخاصة للخروج من التشتت النفسى . وكلوديا بلاك طبيبة نفس و محللة ومدربة نفسية ، إيطالية الميلاد والتعليم قبل أن تأتى للولايات المتحدة وتمارس عملها ،وهى فى التاسعة والثلاثين ، ومساحيق وجهها قليلة ، وأخذت من إيطاليا تلك الثقة الغريبة التى نراها فى عيون نساء الشمال الإيطالى بأن كل رجل خائن إلى أن يثبت العكس . وأن رغبة الرجل فى المرأة قد تعنى رحلة من سعادة الاحتضان ثم ترك طفل غير شرعى فى رحمها . وهى كلوديا واحدة من اللاتى تخصصن فى معالجة الصدمة الناتجة من أى مفاجأة صعبة يتبعها تشتت عاطفى ، فكل إنسان منا يعيش حياته متأرجحاً بين استبعاد كل أمر شاق ، مثل المرض العنيف ، أو ارتكاب جريمة غير متوقعة ، أو التعرض لحادث غير مناسب . وعلى الطرف الآخر من الأرجوحة يحيا الإنسان وهو خائف من حدوث المرض العنيف أو التعرض لحادث غير مقبول . وكل منا يقول باختصار «لا يمكن أن يحدث لى مثل هذا» ، نقولها عند رؤية مريض بالسرطان ، أورؤية رجل عشق امرأة فطردته من حياتها أوعاشقة مطرودة من حياة من أرادت مشاركته رحلة العمر ، أو مشاهدة إنسان فقد عائلته فى حادث واحد . وفى نفس الوقت يخاف كل منا من حدوث الأمر المحزن له .
ولا يمكن لى أن أنكر حقيقة مرت بى منذ لقائى بكلوديا بلاك فقد إقتحمتنى كعاصفة طارئة ، ذات جمال هادئ ممتلئ بفتنة عميقة التأثير وكأنها خارجة من طزاجة غير مألوفة لامرأة فى التاسعة والثلاثين ، وأعترف انى مدرب على مواجهة هذه الامور منذ عدم نسيانى لما جاء فى اول سطور كتاب إبن حزم الفقيه الاندلسى صاحب مؤلف طوق الحمامة فى الإلف الإيلاف الذى يبدو كاول كتاب عربى يناقش بالفهم حقائق العلاقات العاطفية ، وجملته الاولى « إعلم أعزك الله أن الحب اوله هزل وأخره جد» ولا أعلم مدى دقة العبارة ، لكنها بقيت فى اعماقى كستار خرسانى أحمى به نفسى من الإنزلاق إلى مالا أستطيع تحمله . ولكن ذلك لم يمنعنى من سؤالها عن سر تلك الحيوية فأجابتنى بدفء لافت « أحافظ على ساعتين من الرياضة كل يوم ، لأكسب عشر ساعات من الحيوية فى أداء أعمالى ، ثم أسمع الموسيقى الكلاسيك ، وقد ألتقى بحبيبى وقد لا ألتقى به ، حسب وقت كل منا ومشاغله » . وفى مطعم يحمل اسم «أكبر» مطعم هندى ، يملكه مسلم ، كتب كلمة «أكبر» بالإنجليزية وكتب فوقها كلمة «الله» بالعربية ، فصار من حق العربى أن يقرأ كلمة «الله» ، فى هذا المطعم كان العشاء ، قالت كلوديا : منذ أن حضرت أنت جلسات التشتت ، رأيت فيك إنساناً يجيد التشتت ويجيد العودة منه . قلت : لو كنت أجيد العودة من التشتت لما فكرت الإستفادة من خبرات مائدة التنوع الأنثوى الهائل التى يضمها الطب النفسى المعاصر مثلك ومثل بقية الصديقات من الطبيبات د. مارلى ، د. سندرا ، ولا أجد رجالاً يتصدون للمشكلات النفسية ، وعلى الأخص مشكلة التشتت العاطفى . رغم أن المعروف علمياً أن الرجل يستخدم نصف مخه فى إدارة حياته ، إما نصف المخ الأيمن إن كان فناناً أو نصف المخ الأيسر إن كان من أهل العلم . أما المرأة فهى تستخدم كل مخها ؛ بنصفه الأيمن ونصفه الأيسر ، فإذا كان مخ الرجل يزن ألف وأربعمائة جرام ، فهو يستخدم سبعمائة جرام فقط فى إدارة كل أمور حياته ، وتبقى السبعمائة جرام الأخرى دون استخدام ، أما المرأة فموقفها مختلف ، فوزن مخها تقريباً ألف وثلاثمائة جرام ، وهو أقل من وزن مخ الرجل ، لكنها تستخدم كل مخها فى إدارة كل حياتها ، ولذلك فهى أقل من الرجل عرضة للتشتت ، فكيف تتخصص المرأة فيما لا تعانى منه ؟. ولمعت بشرة كلوديا بلون من إحساس بانتصار المرأة على الرجل ، وقالت : لعل تخصص المرأة فى موضوع التشتت نابع من الدراسات الكثيفة ، فالمسألة ليست مخ الرجل الأقل قدرة على التفاعل مع الحياة ، والأكثر هرباً إلى الموت ، ولكن دراسة المرأة للتشتت نابع من تقدم الدراسات فى علوم العلاقة بين الجنسين ، لأن المرأة كما تعلم عاشت قروناً وهى فاقدة لحق اختيار الرجل المناسب لها . وعاشت قروناً وهى معروضة للبيع والمساومة وعاشت كجسد مستباح لمن يدفع للأب ، أو العائلة ، أو حتى لها . وكان على جسدها أن يحمل أطفالاً من رجل قد لا تحبه . وهى لا تكتشف قدرتها على التكامل الإنسانى الذى يرتبط فيه ارتواء الجسد باختيار منها ، بل صار خيالها هو بحر ترحل فيه إلى الأحلام العاطفية المكتملة ، ولعل ما جمعته د. «نانسى فراى داى» من اعترافات النساء على مدى أربعين عاماً هو دليل وثائقى عن نظرة المرأة إلى الحياة بدءاً من نظرتها إلى نفسها وإلى الرجل وإلى المجتمع . أقول : إن «نانسى فراى داى» ليست إلا جامعة خيالات وأحلام يقظة ، أرادت أن تقول للعالم أن من حق المرأة أن تعبر عن كل ما فى أعماقها من رغبات . ولكن الأسلوب الذى كتبت به كل كتبها يفتقد إلى لياقة الأنوثة ، فقد صورت المرأة ككائن جشع عاطفيا ، ولم تلمس جوانب الإبداع لدى المرأة ولا مدى مشاركتها فى الحياة للرجل . ، ففعل التلاقى بين الرجل والمراة الذى جمعت هى أساطيره وهلاوسه ، لا يستغرق من المرأة والرجل إلا وقتا ضئيلا لكن فى الحياة أمور أخرى . وقد قرأت كل ما كتبته نانسى فراى داى وهو يصلح كمثال لسلسلة طويلة من الفضائح ، ولا يمكن أن نقول أنه وقائع حياتية . تقول د. كلوديا : ولكن اعترافات النساء التى جمعتها نانسى فراى داى تقول لك إن المرأة هى التى عانت من التمزيق . ولم يعان الرجل من ذلك . فالتاريخ يؤكد أن الذى أساء استخدام جسد المرأة هو الرجل . قلت : إن فى قولك هذا لون من التسطيح ، كأنك تنسين الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ، فالمرأة الفلسطينية مثلاً تفكر فى الرجل لا من أجل الإرتواء العاطفى فقط ولكن من أجل الإنجاب ، لأنها تحتاج إلى أطفال يقاومون القهر . والمرأة الأفريقية تنجب الأطفال لا من أجل المتعة ، ولكن من أجل أن تقول للرجل أنها صالحة لأداء مهمتها الحياتية ، فلماذا لا يقوم هو بمهمته الحياتية ويزرع الأرض ويبنى البيوت ، ويهيئ الحياة اللائقة للأسرة ، بدلاً من هذا الفساد الذى يغمر القارة الأفريقية من البحر المتوسط شمالاً إلى المحيط الهادى جنوباً . ولعلك تلاحظين وجوه الأطفال الجوعى والنساء الممصوصات من الأنوثة ، والرجال المقهورين بالقبلية والثروات المستنزفة ، ولا يمكن لامرأة من هذا المجتمع أن تفكر فى حقوق الإرتواء العاطفى كما لا يمكن للرجل نفس المشاعر رغم هوس الإنجاب الذى تزدحم به بلاد افريقيا او بعض شعوب مقهورة كالشعب الفلسطينى . قالت د. كلوديا : فيما يبدو أنك تتجاهل أن اللقاء العاطفى بين الرجل والمرأة فى ظروف القهر قد يبدو أكثر تعويضاً وأكثر متعة من كل ما فى خيالك . لعلك قرأت رواية جابرييلا أو زهرة القرنفل لجورجى أمادو الكاتب البرازيلى الذى صور الحب والمرأة فى مثل تلك الظروف ، إن كلاً من الرجل والمرأة أكثر حرية وأكثر عطاءً من المجتمعات المتحضرة التى نحيا فيها . قلت : إننى متفاجئ بعالمة كبيرة مثلك تحسد الجوعى المطحونين على متع صغيرة تفتقد إلى الحد الأدنى من التكامل الإنسانى . قالت د. كلوديا : أنا لا أحسد ولكنى أعبر عن وقائع . أقول : ولكن فى عصر الأنانية الفردية الشديد الذى يصرخ كل فرد فيه منادياً لحقوقه ومطالباً بها هو الذى يجعل الإنسان متلهفاً إلى سعادة إكتمال لن يصل إليها ، سواء أكان الفرد رجلاً أو امرأة . ولكنى مازلت حائراً فى محاولة لفهم ما وراء جاذبية التشتت النفسى لعالمة نفس امريكية من جذور إيطالية ؛ رغم أنها قادرة بمخها على الوصول إلى لون من التكامل . وأنها قادرة على ترويض الرجل أكثر مما هو متاح لأى امرأة أخرى . قالت د. كلوديا : أنت تنسى أن صرخة المرأة الأمريكية بحقوقها الجسدية ، لم تنبع من فراغ . وكذلك تكاسل الرجل عن الاهتمام بالمرأة واستسلامه لوضع الثور الذى يحلم بحياة لائقة ، ثم ينام الاثنان آخر الليل كاثنين من الحيوانات فى حظيرة من حرير هى غرفة النوم . وأنت على حق فى قولك إن عصر الأنانية الضخم هو الذى جعل الرجل أكثر تشتتاً ، وجعل المرأة أقل ارتواءً . وكان من المفروض ألا يدفعنا التحضر إلى هذه الدرجة من المجاعة إلى التكامل النفسى .
وقررت ان اغرق فى تناول الطعام لانى مقتنع بالعجز عن الإنتصار على عالمة وطبيبة ومحلله ؛ وفوق ذلك يبدو جمالها له اشواك تقول لى « أمامك دوامة لن تخرج منها إن أقتربت» . وعندما سألتنى فى ماذا افكر قلت لها ما أفكر فيه ، ضحكت وهى تقطع قطعة السمك التى طلبتها لنفسها وهى تقول : قليل من الرجال الذين يحسبون خطواتهم العاطفية قبل بداية اى رحلة من هذا النوع . قلت: تعودت عبر عملى ان كل انوثة ألتقى بها هى ملك لصاحبتها اما إنسانية المالكة لهذه الأنوثة فأنا قادر على الحوار معها كالحوار معك .
وضحكنا معا بتناغم اصابنى برعب أتقن رجوت الإنتصار عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.