«أتمنى أن يذكرنى التاريخ برجل المعجزة الاقتصادية فى أنجولا».. بهذه الكلمات استهل جواو لورينكو وزير الدفاع الأنجولى كلمته التى ألقاها عقب فوز حزبه «الحركة الشعبية لتحرير أنجولا» فى الانتخابات العامة ب 64% من الأصوات وبالتالى تعيينه رئيسا للبلاد بشكل غير مباشر ليخلف بذلك الرئيس خوسيه إدواردو دوس سانتوس الذى أعلن تخليه عن السلطة بعد 38 عاما فى الحكم. ويبدو أن الوضع الصحى للرئيس دوس سانتوس (74 عاما) أدى إلى تسريع قرار التقاعد, ففى الأشهر الأخيرة غذت رحلاته الخاصة إلى اسبانيا شائعات عديدة أجبرت عائلته والمحيطين به إلى نفى شائعات وفاته علنا, وربما هذا ما دفعه قبل 4 أيام من إجراء الانتخابات إلى اختيار لورينكو (63 عاما) ليكون خلفا له ومرشحا عن الحزب لما يتمتع به من شخصية هادئة له خبرة فى الحياة الحزبية السياسية أكثر من أضواء الحياة العامة, فقد انضم لورينكو فى فترة شبابه إلى الحركة الشعبية لتحرير أنجولا وقاتل ضد حركة تحرير منافسة حين كانت البرتغال قوة استعمارية, وأرسله الحزب، مثل آخرين، للدراسة فى الاتحاد السوفييتى السابق بين عامى 1978 و1982، وقطع مشوارا عسكريا طويلا، ثم تنقل بعد ذلك بين المناصب العامة, وبالتالى فهو بمثابة خلف انتقالى مثالى لدوس سانتوس, حيث يحظى باحترام الجيش ولم يتبع حياة البذخ مثل كثيرين آخرين. ويعد هذا أكبر انتقال سياسى منذ عقود لثانى أكبر بلد منتج للنفط فى إفريقيا, إلا أن البعض لا يأمل تغييرا كبيرا فى النظام السياسى لأنجولا, فمن المتوقع أن يظل دوس سانتوس رئيسا للحزب الذى ظل حاكما للبلاد منذ استقلال هذه المستعمرة البرتغالية السابقة فى عام 1975, وهو ما جعل المعارضة تؤكد أن دوس سانتوس سيدير الأمور من وراء الستار, الأمر الذى نفاه خليفته قبل الانتخابات قائلا ان السلطة ستكون فى يده بشكل كامل وانه لن يكون «دمية» بيد الرئيس الحالى دوس سانتوس. ولا شك فى أن لورينكو يرث تركة ثقيلة ويواجه تحديات جمة تتمثل فى أسوأ تراجع اقتصادى منذ خروج البلاد من الحرب الأهلية فى عام 2002, ففى حين يأمل مواطنو أنجولا فى أن يؤذن تغيير الحرس القديم ببدء عهد جديد للبلاد، إلا أن التغيير فى القيادة لن يخفف بالضرورة من الأزمة الاقتصادية. ولعل العاصمة لواندا خير دليل على ذلك, حيث تشير ناطحات السحاب غير مكتملة الإنشاء إلى أى مدى تدهورت الأوضاع الاقتصادية فى الدولة البالغ عدد سكانها 30 مليون نسمة والتى أصبحت تعانى أعلى معدلات فقر فى العالم, حيث لا يزال ثلث السكان يعيشون بأجور لا تتجاوز الدولارين فى اليوم, بينما استطاع بعض أفراد أسرة دوس سانتوس جمع ثروة ضخمة خلال فترة حكمه, حيث تعد ابنته الكبرى إيزابيلا أغنى امرأة فى افريقيا، ووفقا لمؤشر وكالة «بلومبيرج» الاقتصادية لأصحاب المليارات، تملك إيزابيلا ثروة تقدر ب2.3 مليار دولار. ولا شك فى أن مهمة الجنرال المتقاعد صعبة وحساسة, ففى خطبة وعد لورينكو «بمكافحة الفساد» و»توفير وظائف للشباب» و»جعل أنجولا أفضل», لكن كثيرين يشككون فى قدرته على التخلص من نظام أقامه سلفه, فالصندوق السيادى يديره جوزيه فيلومينا أحد أبناء سانتوس، والشركة النفطية الوطنية «سونانجول» تقودها ابنته إيزابيلا, كما أنه ومن أجل إحكام سيطرته على البلاد، دفع رئيس الدولة المنتهية ولايته النواب إلى إقرار قوانين تحميه من معظم الملاحقات القضائية وتعرقل لسنوات أى تغيير على رأس الجيش والشرطة. ورغم ذلك لا يمكن أن ينكر أحد الجهود التى بذلها دوس سانتوس فى تحويل أنجولا إلى منتج رئيسى للنفط، والإشراف على مشاريع بنية تحتية مهمة, كما يمكنه الاعتزاز بأنه أعاد السلام إلى بلده بعد حرب أهلية مدمرة استمرت من عام 1975 إلى عام 2002، وخلفت نصف مليون قتيل على الأقل وملايين النازحين فضلا عن البنية التحتية المدمرة. لقد آثر الشعب الانجولى الاستقرار على حساب تغيير قد يجلب المزيد من التدهور الاقتصادي, فهل كان محقا فى اختياره؟ هذا ما ستثبته الأيام القادمة.