أول مؤهلاته شهادة «تمرد» من إبراهيم حجازى: أنه ولد عفريت وطاير فى السما، المهم رجليه تحط على «التراك» الصح، لكن المشكلة أن الموهبة تحتاج مصدرا دائما للطاقة التحريرية المتجددة، إذا خمدت الطاقة فأفضل علاج أن يطير كالنحلة من مكان إلى مكان، و«الولد» ثورة لا تهدأ ونار تبحث عن متنفس، طار من الأهرام الرياضى إلى الطبعة العربية ثم عاد بسرعة يترقب، بمجرد أن تولى علاء العطار رئاسة الأهرام العربى وجد من يقول له "روح والقلب داعيلك" فالصحافة نداهة والعرق دساس طموحاته لاتهدأ وراءها مشروع حلم ووجد العطار يفهم البذرة الطيبة من حرارة الأفكار، أول غربة من مصر كانت إلى طرابلس، ضمن مشروع «البوسيفى» لتحديث الإعلام الليبى، ورغم أن صحيفة «أويا» دهستها الثورة إلا أنه عاد بنورين، «نور» الابنة وزهرة حياتة، اكتمل بها أول حب، ونور فى الرؤية السياسية، اكتمل به إحساسه بالوطن فى محيطه العربى، عندما اشتعلت المؤامرة على ليبيا وأسفرت الضغوط الأمريكية عن انصياع عربى لمخطط المقامر القطرى، واحتاجوا قربانا لمشروع الشرق الأوسط الكبير، كانت ليبيا التى تاه فيها الطليان والامريكان جاهزة على «مذبح الربيع العربى» بقرار من الجامعة العربية، وكان تعليقه: مهزلة أن يسمح بضرب بلد عربى بالطيران الغربى، انفجر البركان فى ليبيا وخرج منها إلى الشتات آلاف الليبيين والفلسطينيين والشوام، تحت لهيب النيران وألسنة الدخان أشعلتها ميليشيات حمد وتميم وجيش النصرة والدواعش، وشهد العالم «الخروج» المصرى الكبير برا وجوا وبحرا، خربت الأفران والمدارس والمعامل والورش والمصانع، واشتعلت بلد المجاهد الأكبر عمر المختار كما اشتعلت من قبل العراق وتونس وسوريا واليمن والبحرين. ومع الحصار والتعتيم الإعلامى ظن الجميع أن ليبيا قد سقطت تماما، وراحت ملايين الأسر فى مصر تنزف دما على أمة لم تدافع عن «كنزها» دفاع الرجال فضاع، وذات مساء سهر العالم على مأساة دموية لطابور من 21 شابا مصريا يتم ذبحهم على الهواء فى فيلم أسطورى هوليودى أنتجته الجزيرة ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الاقتراب أو إغاثة جريح فى هذا البلد الذبيح، الولد المتمرد قرر مثلما فعل جيش بلاده ان ينتقم ويغامر، ركب الصعب وقطع حالة الانكفاء التى عاشها لمدة 6 أشهر، قرر الجهاد بكسر التعتيم وفضح الجريمة وكشف الحقيقة ودخول ليبيا وكل الناس خارجين منها، تحدى كل إجراءات الأمن التى فرضتها الحكومة المصرية حفاظا على أرواح مواطنيها، طلب السفر الإذن من إدارة الصحيفة فرفضت، فكر وتدبر مع صديقه «المجاهد» الليبى خالد الترجمان، فنصحه أن يسافر على طريقة «ودنك منين ياجحا» فعاد مرة أخرى طالبا إجراء حوار مع المستشارعقيلة صالح رئيس مجلس النواب فى طبرق، بحيث يسمح له بالخروج من القاهرة، فكان الرد: تعهد على مسئوليتك الشخصية، وافق على الفور وبدأ رحلة السفر فى سبتمبر 2015 ، وكانت ولادته الصحفية الثانية، وكأنه يلقنه الشهادتين قبل الوداع قال له العطار وصفة النجاح ، إذا جاءك ملك الموت وحاصرتك المنية وشعرت بالخطرلا تجازف بكتابة أى حرف، وإذا وصلت بنغازى لا تهادن، ارصد وسجل واحفظ اكشف تابع أحوال المصريين هناك! وغامر الفتى المتمرد والحواجز الأمنية والإرهابية كالشبح، وكتب.. مائة انفراد وتحقيق وحوار وتحليل وخبطة صحفية، بدأت ب «عقيلة صالح:قطر تدعم الجماعات الارهابية بالسلاح والأموال ولدينا الأدلة».. لم يهدأ الفتى، لابد من بنغازى وإن طال السفر، وفى صباح اليوم التالى انطلق بتشجيع من رفيقه الليبى باتجاه مدينة البيضا وخلال يومين تلقى عشرات المكالمات لا تسافر لأن بنغازى تحولت إلى جحيم، لكن روح رأفت الهجان داخله تحرضه: لاتتراجع، انطلقا حتى إذا وجدا أكمنة فى الطريق انحرفا الى السراديب الفرعية، ودخل بنغازى فى 22 اكتوبر 2015 ، وتحت قصف المدافع ونيران الحرائق فى الشوارع ومئات الجثث التابعة لعشرات الميليشيات المسلحة كتب الورقة الأولى من مرجعه الضخم لكل الباحثين عن حقيقة المؤامرة على ليبيا حتى اكتمل كتاب (يوميات مراسل .. 700 يوم فى بنغازى ) 600 صفحة من القطع الكبير وثائق وسجلات اعترافات صور أقوى من الرصاص بكاميرا مجاهد صغير اسمه خالد الترجمان، ملاحم انتصارات، ليبيا بين خيوط النور وخطوط النار ، جرائم الاخوان .. من مصرع النقراشى الى مقتل القذافى، السلوم شاهد على معاناة المصريين العائدين، عملية دم الشهيد تنتصر لبنى غازى وتحرر أجدابيا، لاءات خليفة حفتر، معركة (الرجمة) كانت نقطة الانطلاق فى تحرير بنغازى، مئات الشهادات بيوت بنغازي الشهباء تخضبها دماء الأبرياء، من خنادق الرجال دروس فى المقاومة والدفاع فى ألف معركة للكرامة، أسرار ..تقارير ..خطط ..خرائط ..عمليات من ساحة الكيش الى ساحة المحكمة ..أخيرا.. تحررت منارة بنغازى الشهيرة ونادي المؤذن حى على الفلاح حى على العمل.. الكتاب شهادات حية سيتوقف عندها المؤرخون لما جرى فى ليبيا والمنطقة لعقود قادمة، إنه قصة جهاد صحفى أهرامى مغامر اسمه أحمد إبراهيم عامر! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف;