الأضحية سنة مؤكدة عن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قولا وتطبيقًا، فقد ضحى صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين، وقال عليه الصلاة والسلام: «ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم»، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، وإنها لتأتى يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا.»، ويقول الحق سبحانه مخاطبًا نبينا صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ» (سورة الكوثر)، ويقول سبحانه فى شأن الهدى والنسك بصفة عامة: «لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى منكم» (الحج : 37)، ويقول سبحانه: «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ»(الحج : 28)، ويقول سبحانه: «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» (الحج : 36)، ولما دخل نبينا صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة رضى الله عنها وقد ذَبَحُوا شَاةً، سألها: «مَا بَقِيَ مِنْهَا؟» قَالَتْ:مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا»، وذلك حيث يقول الحق: «مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ» (النحل : 96)، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «يا ابن آدم ليس لك إلا ما أكلتَ فأفْنَيتَ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ، أو تصَدَّقْتَ فأبقيت». غير أن هناك سؤالاً جدليًّا يفرض نفسه أيهما أولي؟ أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه أو أن يشترى صك أضحية من خلال إحدى الجهات الموثوق بها؟ ونقول إن الأمر على الاتساع فإن كان الإنسان غنيًّا ويعيش فى منطقة يكثر فيها الفقراء ويقل فيها الأغنياء: قريةً كانت، أو نجعًا، أو منطقة شديدة الفقر، فالأولى أن يبادر بإدخال الفرحة على من حوله، وأن يذبح أضحيته فى المكان المخصص لذلك بالضوابط الصحية، ثم يسارع بإدخال الفرحة على المحتاجين من الفقراء والمساكين، فهذا أسرع لوصول الخير إليهم، شريطة أن يتقى الله عز وجل فى توزيع أضحيته، فلا يُؤْثِر نفسه وأصدقاءه بأفضل أجزائها، ويوزع مالا يشتهى منها للفقراء، من منطلق قوله تعالي: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» (آل عمران : 92)، وقوله تعالي: «وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ *الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة : 267-268) . أما من يسكنون المناطق الراقية التى يكثر فيها الأغنياء ويقل فيها الفقراء، ولا يجدون فى محيطهم الذى يعرفونه من يستوعب ما يتصدقون به من لحوم الأضاحي، فشراء الصكوك لهؤلاء أولى وأفضل وأنسب، لأنه يؤدى إلى وصول الأضحية إلى الأكثر استحقاقًا فى المناطق الأكثر احتياجًا بصورة منظمة، على أن يتحرى الجميع الدقة والأمانة فى الجهة التى ينيبونها عنهم فى توزيع لحوم الأضاحي، وأن تبادر هذه الجهات بذبح الأضاحى فى الوقت المخصص لها شرعًا، وأن تبادر بسرعة توزيعها وإيصالها إلى مستحقيها. وما أجمل أن يجمع المستطيع الموسر بين الأمرين ذبح الأضحية توسعةً على أهله، وشراء الصكوك توسعة على عامة الفقراء فى المناطق الأكثر احتياجًا. وفى هذه الحالة وغيرها نذكر المضحى بصفة خاصة والمتصدق بصفة عامة بقوله تعالي: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة :261)، وقوله تعالى «هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» (محمد : 38). لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف