نعيش في أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة. تراجع فيها كثير من الناس عن التقرب إلى الله تعالى بالأضحية، لأسباب عدة، ترجع في الغالب إلى غلاء أسعارها، أو انتشار غشها، أو ضعف إنتاجها، أو تردي أوضاع أفراد الطبقة الوسطى.. إلخ. وفي ظل اتساع رقعة الفقر، وإعسار كثيرين وعوزهم؛ هذه الأيام؛ تزداد أهمية هذه الشعيرة، التي شرعها الإسلام، وتبدأ من يوم عيد الأضحى إلى آخر أيام التشريق (اليوم الثالث عشر من ذي الحجة)، ويعظم الله أجرها وثوابها، باعتبارها قربة يحبها، بل تدخل ضمن تعظيم شعائره. قال تعالى: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ".(الحج:32). وقال سبحانه: "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ".( الحج:36). بل دعا إلى نحرها صراحة فقال: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ".(الكوثر: 2)، أي: "انحر الأضحية". وفي فضل الأضحية، أيضا، وردت أحاديث عدة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقد روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب، قال: "قال النَّبيُّ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا (يوم عيد الأضحى) أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ (صلاة العيد) فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شيءٍ". وأكد الشيخ السيد سابق في كتابه "فقه السنة" أن: "الأضحية سنة مؤكدة، يُكره تركها مع القدرة عليها؛ لحديث أنس الذي رواه البخاري ومسلم، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ضحَّى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمَّى، وكبَّر". وثبت عند الإمام أحمد أنه، صلى الله عليه وسلم، واظب على فعلها عشر سنين. قال ابن عبد البر: "ضحَّى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، طول عمره، ولم يأت عنه أنه ترك الأضحى، وندب إليها؛ فلا ينبغي لمؤمن موسِر تركها". وما دام المرء لا يأثم بعدم أداء الأضحية، نظرا لعدم مقدرته، فإنه لا تجوز له الاستدانة لشرائها، إلا مع قدرته على سداد الدَين. قال ابن تيمية: "إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك". وبالمجمل فإن: "الأضحية" اسم لما يُضحَّى به من الغنم، والإبل، والبقر، يوم النحر وأيام التشريق، على كيفية مخصوصة؛ بنية التقرب إلى الله، وفق علماء الفقه. وقد كان من هدْيه، صلى الله عليه وسلم، أن الشاة تجزئ عن الرَّجل، وأهل بيته، ولو كثُر عددهم. وذهب المالكية إلى أنه لا يُشترط أن تُقسم ثلاثًا: "ثلث للبيت، وثلث للصديق، وثلث للفقراء"؛ كما شاع بين الناس، مستدلين بحديث "مسلم" في صحيحه عن ثوبان، قال: "ذبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ضحيته، ثم قال يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية، قال: فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة". ومن ثم لم يرد هذا التحديد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في تقسيمها، بل قال: "كلوا وأطعموا وادخروا" . (رواه البخاري). وقيل إن الإطعام يشمل الهدية للأغنياء، والصدقة على الفقراء. وعن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلّم، قال: "كلوا وادخروا وتصدقوا". (رواه مسلم). ووفق الحديثين فإنه يجمع في توزيعها بين الأكل والإهداء والصدقة، بحسب استطاعته. واستدرك علماء بالقول إنه: "لو أكلها جميعا، نظرا لحاجته للتوسعة على عياله، ولم يتصدق بشيء منها؛ أجزأه ذلك على الصحيح". واستدلوا بعموم قوله تعالى: "فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ".(الحج:28)، وقوله سبحانه: "فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". (الحج:36). فالقانع هو السائل المتذلل، والمعتر: المتعرض للعطية بدون سؤال. ويُسَنُّ لمن أراد أن يُضَحِّي أن يمسك عن إزالة أظفاره وشعره إذا دخلت عشر ذي الحجة؛ لقوله، صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ، وَبَشَرِهِ شَيْئاً".(رواه مسلم). وفي رواية: "ولا من بَشرته". ويشمل النهي شعر الرأس والعانة والشارب والإبط وسائر شعر الجسم، وكذلك يشمل أظفار اليدين، والرجلين، وجميع البَشرة. وقال علماء: "هذا الإمساك سنة، ليس بواجب، لأنه تابع لأمر مسنون هو الأضحية". وأرجعوا الحكمة فيه للتشبه بالمحرم بالحج، أو لتشمل المغفرة والعتق من النار؛ جميع أجزاء جسم المضحي. وبالنسبة للنية قال الشيخ السيد سابق: "النية واجبة في الأضحية. روى أبو داود عن جابر، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِاسْمِ الله والله أَكْبَرُ"، ثُمَّ ذَبَحَ". وأخيرا، على المضحي أن يظهر الافتقار والتذلل إلى لله تعالى، بإراقته الدم، داعيا إياه سبحانه أن يتقبل منه أضحيته. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;