ما الحكم فيما لو أحرمت دون تلبية؟ أجابت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية: اختلف الفقهاء فى حكم الإحرام دون تلبية على قولين، الأول: يرى أصحابه أن التلبية شرط فى صحة الإحرام، فلا يصح الإحرام دون تلبية أو ما يقوم مقامها مما يدل على التعظيم من ذكر ودعاء أو سوق للهدي، وبهذا قال ابن عباس فى رواية، وهو رُوِايَة عَنْ عائشة وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، وهو قول أبى حنيفة ومحمد، وابن حبيب من المالكية، وقد حكاه بعض الشافعية قولا عن الشافعي. أما القول الثاني: ويرى أصحابه أن التلبية ليست شرطا فى الإحرام، وهذا قول أبى يوسف من الحنفية، والمشهور عند المالكية، والمذهب عند الشافعية، وهو قول الحنابلة. والقول المختار: هو القائل بعدم اشتراط التلبية فى الإحرام، وذلك لأنها عبادة يصح الخروج منها بغير ذكر، فوجب أن يصح الدخول فيها بغير ذكر كالصوم. كما أن الإحرام ركن من أركان الحج، فوجب ألا يكون الذكر فيه شرطا، كالوقوف والطواف، يضاف إلى ذلك أنها عبادة محضة طريقها الأفعال، فلا تصح من غير نية، كالصلاة والصوم، فيصح الدخول فيها من غير ذكر. ورغم عدم اشتراط الجمهور للتلبية كشرط لصحة الإحرام إلا أنهم اختلفوا فى حكمها: فذهب المالكية إلى أن السنة اتصالها بالإحرام حقيقة، فإن تركها أول الإحرام وطال الزمن لزمه الدم. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها سنة، والراجح أنها سنة لعدم وجود الدليل على وجوبها.غير أننا ننبه إلى أن الخروج من الخلاف أولى باتفاق الفقهاء، وهو يتحقق من الحاج والمعتمر بوصلة الذكر (التلبية) بالنية. ما حكم من ارتكب شيئًا من محظورات الإحرام ناسيًا، أو جاهلاً؟ أجابت لجنة الفتوي: يجب التفريق بين أمرين، الأول: إذا فعل الإنسان شيئاً من محظورات الإحرام بعد ارتدائه ملابس الإحرام، ولم يعقد النية على الدخول فى النسك، ففى هذه الحالة لا شيء عليه، سواء أكان متعمدًا أم ناسيًا، لأن العبرة بالنية، لا بلبس ثوب الإحرام. أما الأمر الثاني: إذا فعل المحرم شيئاً من محظورات الإحرام بعد أن نوي، ودخل فى النسك، وكان ناسيًا أو جاهلا، فهنا يفرق بين نوع المحظور: فإن كان المحظور لا إتلاف فيه: مثل الطيب وتغطية الرأس، ولبس المخيط؛ فهذا إذا فعله المحرم ناسيًا أو جاهلاً، وذُكِّرَ إذا كان ناسيًا، أو عَلِم إذا كان جاهلاً؛ فإنه يتجنب المحظور من حينه، ولا شيء عليه. أما ما كان فيه إتلاف: كقص الشعر، وتقليم الأظافر، وقتل الصيد، فقد اختلف الفقهاء فى حكمه على قولين، الأول: يرى أصحابه أنه لا يعذر بالجهل والنسيان، وهو مذهب الجمهور من الحنفية ، والمالكية، وهو قول الشافعى فى القديم، والحنابلة فى غير المشهور. ودليلهم إنه إتلاف، والإتلاف يستوى فيه عندهم العامد وغير العامد فيها، كقتل الخطأ وإتلاف المال يضمنان، ولو كان القاتل والمتلف غير متعمد. والقول الثاني: يرى أصحابه أنه إذا كان جاهلاً أو ناسيًا، فلا حرج عليه فى ذلك، ولا فدية عليه ولا كفارة، وهو مذهب الشافعية فى الجديد، ومشهور مذهب الحنابلة. والقول المختار: هو القائل أنه ليس على الناسى ولا الجاهل شيء إذا ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام، لقوله تعالي:«رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» (البقرة: 286)، فدل هذا على أن غير المتعمد لا شيء عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».