ما حدث فجر الخميس الماضى من قيام انتحارى بتفجير نفسه بقوة أمنية تتبع لوزارة الداخلية التي تديرها حركة «حماس» بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، هو تطور نوعى غير مسبوق تواجهه حركة حماس من داخل غزه، منذ ان انفردت بحكم القطاع سياسيا وأمنيا على مدار 10 سنوات منذ 2007. وبهذا الحادث يتطور الرفض الغزاوى الى المواجهة بعد ان تطور موقف السلطة الى المنع واعلان الرئيس محمود عباس خارطة طريق لإنهاء الانقسام وما تبعها من اجراءات اقتصادية، ومن قبلها واجهت حماس سحب الغطاء السياسى العربى بعد تأزم الموقف القطرى الداعم ,ورفض عربى وصل إلى سحب اى غطاء سياسى للحركة وهى تفتح قنوات اتصال مع طهران وتقوم بزيارات رسمية فى العلن رغم علم حماس ان حاضنتها العربية لا يمكن ان تقبل بتحول غزه الى منصة إيرانية فى المنطقة. وامام هذا التعقيد البالغ توصلت كتائب القسام الى خطة سلمتها للقيادة السياسية تقترح إحداث فراغ امنى وسياسى فى غزة، قد يجعل غزة ولو لفترة بلا عنوان الأمر الذي يؤدي الى خروج الوضع من دائرة السيطرة. وتتكون الخطة من أربعة بنود، يتمثل أبرزها في تخلي حركة حماس عن أي دور في إدارة القطاع، فيما تكلف الشرطة المدنية بدورها في تقديم الخدمات المنوطة بها، ويقوم البعض من المؤسسات المحلية بتسيير الشئون الخدماتية للمواطنين. ولن تفلح هذه الخطة فى وأد الخطوات التى اتخذها الرئيس عباس، ووصفت بالعقابية ومنها فرض ضرائب على وقود محطة الكهرباء، والطلب من إسرائيل تقليص إمداداتها من الطاقة للقطاع، بالإضافة إلى تقليص رواتب موظفي غزة، وإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر، فضلا عن وقف الدعم المالي للمرضى الغزاويين الراغبين في العلاج بالخارج، فالوصول الى الفراغ الأمنى قد يضر بإسرائيل ولكن حتما هو فى مصلحة السلطة ولن يضر بغير حماس. ويرى مراقبون أن خطوات عباس التصعيدية وإن كان السبب المباشر لها هو اللجنة الإدارية المشكلة من حماس لإدارة شئون القطاع، غير أن هناك دوافع أعمق منها مثل التقارب المسجل على خط دحلان حماس، فضلا عن الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية ومن خلفها إسرائيل لوقف التحويلات المالية إلى القطاع حتى لا تستثمرها الحركة. ويرجح محللون أن يكون الطرح الحمساوي الجديد من بنات أفكار قطر وإيران، الذي زارها أخيرا وفد من الحركة من ضمنه القيادي المؤثر في كتائب عزالدين القسام صالح العاروري الذى يرتبط بعلاقات قوية مع قطر وإيران، ويتخذ اليوم من لبنان مقرا بعد اضطراره للخروج من الدوحة نتيجة أزمة قطر الأخيرة. وبعيدا عن كل الحسابات السياسية التى تحاصر حماس جاء حادث التفجير الأخير ليمثل تغيرا من داخل غزه قد يفتح الباب على مصراعية لفوضى قد تفوق الفراغ الأمنى الذى تحدثت عنه الكتائب ويضع حماس فى مأزق داخلى قد يدفع بها لردود غير مدروسة تحيل القطاع المنكوب الى إقتتال داخلى بين الكتائب والتيارات الراديكالية وتنظيمات جهادية تنتمي إلى داعش تتحين الفرصة للتحرك. فكانت البداية استشهاد رجل الأمن نضال الجعفري، «28عامًا» متأثرًا بجراحه، جراء تفجير شخص نفسه، بقوة أمنية من عناصر “الضبط الميداني” بمدينة رفح على الحدود الجنوبية لقطاع غزة. ونعت كتائب القسام الجناح المسلح لحركة «حماس» الجعفري وقالت في بيان عسكري وزعته على وسائل الإعلام ان الجعفري أحد قاداتها الميدانيين من مدينة رفح استشهد إثر تفجير أحد عناصر الفكر المنحرف نفسه في قوة أمنية على الحدود الفلسطينية المصرية. وأضاف البيان تمضي قوافل الشهداء ويأبى القساميون إلا أن يؤدوا واجب الدفاع عن شعبهم وأهلهم في كل ميدان، ويبدو ان سلطات الأمن فى غزه تمكنت من تحديد شخصية المنفذ القتيل. فتناقلت صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بيان صادر عن عائلة كلاب فى غزة جاء فيه أنها تدين بشدة هذه الجريمة البشعة وتتقدم بخالص التعازي والمواساة للشعب الفلسطينى والأجهزة الأمنية وتدعو كل الأطراف لمواجهة التطرف والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار الجبهة الداخلية. مؤكدا ان اعتذار عائلة المنفذ لا يعنى أنه حادث فردى نفذه تكفيرى وانما هو يمثل تنظيم خطط ودبر من تنظيمات كثر مسلحة تعمل على الأرض وتتحين الفرصة لتفجير الأوضاع والتعبير عن الرفض لحكم حماس، فتجد حماس نفسها محاصرة بين إسرائيل التى قد ترى تفجر الأوضاع مبررا لتوجيه ضربة الى غزة وترد اقتصادى ومعيشى بعد إجراءات ابومازن الأخيرة وتدهور سياسى بعد ازمة قطر والإحتقان العربى من زيارات طهران العلنية.