◙ الأمة العربية تحتاج لرؤية فكرية تحسم التناقض بين الهويات المختلفة لشعوبها ◙ الأولوية أصبحت للانتماءات الطائفية والمذهبية على حساب الدين والقيم المشتركة ◙ إسرائيل استولت على الوثائق داخل الأقصى فى محاولة لتغيير التاريخ ◙ سقوط بعض الأنظمة العربية بعد 2011 عزز الصراعات الداخلية والتدخلات الدولية والإقليمية ◙ الإعلام يعيش أزمة معلومات.. ووسائل التواصل الاجتماعى تسهم فى الفوضى
أكدت السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، رئيس قطاع الإعلام والاتصال، أن العالم العربى يشهد موجة عاتية من الفوضى تهدد أمنه القومى وتنذر بتغيرات كبيرة فى المنطقة، ما يحتم ضرورة العمل الجماعى لمواجهة مختلف الأزمات، وهو ما انعكس على مجال الإعلام بشتى وسائله، وما يعتريه من حالة سيولة توجب التوقف لمجابهة التحديات التى يعيشها ليكون عنصرا إيجابيا فى بناء مستقبل أفضل، «الأهرام» التقت السفيرة وحاورتها حول قضايا الإعلام وتحدياته ودوره فى بث الفرقة والفوضى، وكيف يصبح عنصرا فاعلا فى مجتمعاتنا. كيف ترين ما يشهده العديد من البلدان العربية من صراعات وفوضى تهدد الأمن القومى العربى؟ تشهد المنطقة العربية حاليا العديد من الصراعات والأزمات التى تهدد الأمن القومى للدول العربية، وتنذر بتغيرات كبيرة فى المنطقة، وتتنوع هذه الأزمات فى نوعها وحدتها لدرجة تعجز فيها معظم الدول عن مواجهة تداعياتها بصورة فردية، الأمر الذى يحتم ضرورة العمل الجماعى لمواجهة الأنواع المختلفة من الأزمات، كما أن بعض الدول مازال يعانى ازدواجية الاحتلال أو التدخّل الخارجى، بالإضافة إلى خطر الصراعات الداخلية والحرب الأهلية. وقد أسهم نهج التطرّف والعنف الذى اجتاح العديد من دولنا والأطماع الخارجية فى اشتداد ثنائية الأزمات فى المنطقة. وأين يكمن الحل؟ نحن بحاجة إلى رؤية فكرية مشتركة تحسم التناقض المفتعل بين هُويات مختلفة للأوطان والشعوب، بحيث يتعزّز الولاء الوطنى على حساب الانتماءات الضيّقة الأخرى، وعلى صعيد الهوية العربية. والعالم العربى والإسلامى يعيش أزمة حادة، فمعظم الصراعات والأزمات العالمية هى فى بلاد العرب والمسلمين، التى بدأت أسبابها باحتلال فلسطين ووجود منظمات دينية متطرفة خرج من عباءتها العديد من المنظمات الإرهابية التى نشرت التطرف والطائفية مما أثر سلبا على العديد من الدول العربية . وأين يقف الإعلام العربى من هذه الفوضى؟ المنطقة تشهد حاليا فوضى إعلامية من شقين، الأول من خلال دخول أشخاص غير متخصصين المجال الإعلامى يقدمون برامج تؤثر فى الرأى العام العربى، والثانى وسائل التواصل الاجتماعى، فاليوم أصبحنا أمام ظاهرة المواطن الصحفى، فكل مواطن يبث من خلال حساباته الشخصية ما يراه ويعتقده وربما يجد صدى لدى متابعيه، وكثير مما يبث من أخبار هذه الوسائل يكون غير صحيح وغير دقيق، وعلى الإعلاميين أن ينتبهوا حتى لا يقعوا فى فخ استقاء الأخبار والمعلومات من تلك المصادر غير الموثوقة. معنى ذلك أن الإعلام غير الرسمى يسهم فى تأجيج الصراعات؟ من الضرورى أن يكون الإعلام فى منطقتنا العربية إيجابيا، بأن يعطى رسائل إيجابية، والخريطة الإعلامية للتنمية المستدامة 2030 ربطت الإعلام بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالإعلام بوضعه الحالى يركز على القضايا السياسية ويتغافل عن الاقتصاد والتنمية، والوطن العربى يحتاج للتركيز على القضايا الاجتماعية والتنموية والاقتصادية خاصة فى ظل ما تشهده دولنا من أزمات ومعاناة وصعوبات اقتصادية واجتماعية. وكيف يمكن التعامل مع تلك الأزمات إعلاميا؟ تعتبر إدارة الأزمات مظهرا من مظاهر التعامل الإنسانى مع المواقف الطارئة أو الحرجة، وتوجد مجموعة من العوامل التى من شأنها أن تؤثر سلبًا على إدارة الأزمات، أهمها نقص المعلومات، وعدم تحديد الفئة المستهدفة وغياب استراتيجية إعلامية محددة للتعامل، ويمكن اعتبار الإعلام ليس فقط هو السلطة الرابعة إنما السلطة الأكثر تأثيرا، ونرى سطوته وأثره من خلال توجيه الرأى العام خلال الأزمات، ويتضح دوره من خلال الحملات الإعلامية التى يتم تنظيمها خلال الأزمات باستخدام كل الوسائل التكنولوجية المتاحة، وقد اكتشف خبراء الإعلام الإمكانات الهائلة لوسائل التواصل الاجتماعى، وغيرها فى إدارة الأزمات والكوارث. كيف تشخصين الوضع؟ حدة الأزمات بالمنطقة أدت لتداعيات خطيرة على المستوى السياسى والأمنى والاقتصادى والاجتماعى والإنسانى. والعالم العربى يواجه العديد من التحديات منها الموروثة والمستمرة منذ عقود، كما فرضت التطورات الدولية والإقليمية واقعا جديدا، والثورات العربية التى اندلعت منذ عام 2011 زادت من حجم التحديات والأزمات فى المنطقة، ونتج عنها حالة غير مسبوقة من الفوضى وعدم الاستقرار، نتيجة سقوط أنظمة بعض الدول، مما أدى إلى حالة من الفراغ فى السلطة التى عززت الصراعات الداخلية والتدخلات الدولية والإقليمية فى شئون تلك الدول، كما وفرت حالة الفراغ الأمنى والسياسى التى نتجت عن التطورات فى المنطقة العربية البيئة المناسبة للجماعات الإرهابية للازدهار والنمو؛ الأمر الذى هدد الأمن القومى العربى والدولى، وسمح لأطراف إقليمية ودولية باستغلال تلك الظروف للتدخل فى شئون الدول العربية. وما موقف الإعلام من تلك التحديات؟ الإعلام العربى فى الوضع الراهن يواجه تحديات وصعبة تحتاج إلى وقفات حازمة من المؤسسات الإعلامية العربية، فمن الضرورى التفكير في الإعلام العربى وفق معطيات الحالة العربية والدولية التى يعيشها الإعلام الحالى، وفى ظل الحالة التحولية لواقعه. والأمة العربية تحتاج الآن إلى رؤية فكرية مشتركة تحسم الخلل والتناقض المفتعل بين هويات مختلفة لأوطانها ولشعوبها، بحيث يتعزّز الولاء الوطنى على حساب الانتماءات الضيّقة الأخرى. وقد لعبت وسائل الإعلام دورا محوريا فى الأزمات بالمنطقة العربية خلال الفترة الأخيرة، حيث شكلت أداة مهمة من أدوات التغيير. كذلك تسهم وسائل الإعلام فى مجال التأثير على الرأى العام بتوعيته وتوجيهه، حيث لم تعد وسائل الإعلام مجرد ناقل للأخبار والأحداث، وإنما باتت تلعب دورا على عدة مستويات مختلفة. وما هى جهود جامعة الدول العربية فى هذا المجال؟ لم تغفل جامعة الدول العربية أهمية وضرورة مواكبة العصر فى مجال التعامل مع الأزمات، حيث بدأت جهودها فى هذا المجال منذ عام 2009 حين وقعت مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبى فى إطار مبادرة مالطا للتعاون العربى الأوروبى لبناء قدرات الأمانة العامة فى مجال الإنذار والاستجابة للأزمات، والتعاون فى مجالات منع الصراعات، وتقييم المخاطر، وبناء السلام، كذلك تم توقيع اتفاقية أخرى عام 2010 لتنفيذ مشروع مشترك مع الاتحاد الأوروبى تحت عنوان «تعزيز قدرة الجامعة العربية فى الاستجابة للأزمات»، وفى ضوء ذلك، أصدر الأمين العام للجامعة قرارا يقضى بإنشاء إدارة للأزمات ضمن الهيكل التنظيمى للأمانة العامة. وماذا عن الدور الذى يلعبه الإعلام خلال فترة الأزمات؟ الإعلام له تأثيره من خلال توجيه الرأى العام، كما ننبه إلى أن تمدّد نفوذ الإعلام فى العالم بأسره بما يبثه من قنواته المتعددة يجعله واحدا من أهم قوى تشكيل السلوكيات والقيم والعلاقات الإنسانية والثقافية . وفى المقابل، تسهم وسائل الإعلام الاجتماعى فى حالة من الإرباك حينما يتحول كل مواطن إلى مصدر للمعلومات والأخبار غير الموثقة، التى تسهم فى إيجاد فوضى المعلومات غير الرسمية وتحولها إلى ساحات للشائعات، وأحيانًا بث رسائل الفزع والخوف بين المواطنين، وهى إشكاليات تتطلب التوصل إلى آليات وإجراءات تكفل الحد من السلبيات . وإجمالا يمكن القول إن الإعلام يعيش أزمة فى دقة المعلومات، فلم تعد الصحافة فى أى مكان صحافة كل العرب، ولا أصبحت أى إذاعة هى إذاعة كل العرب، لكن أصبحت وسائل الإعلام، خاصة الاجتماعية، هى إعلام كل شخص، فهو المعد والمخرج والمقدم، يمكنه أن يبث المادة أو الفيلم أو ينشر المعلومة والخبر الذى يريده ويستخدم السلاح الفكرى الذى ينسجه حسب ثقافته. كيف انعكست ثنائية الأزمات على مجتمعاتنا؟ المنطقة العربية متشابهة فى ثنائيات الأزمات خاصّةً ما يتعلّق بالمسائل الفكرية والثقافية وكيفية فهم الدين والهُويّة الوطنية والقومية، بل إنّ هذه الثنائيات هى الحاضن الآن لكثير من الأزمات الوطنية أو الإقليمية، فأصبحنا نرى عبارات ثنائية عقائدية مثل ، «وطنى خائن»، «معنا ضدنا»، «مؤمن كافر»، «موال معارض»، وأصابت هذه الآفة المجتمعات ومنها بشكل خاص النخب الإعلامية التى تبنت خطابات ثنائية ضاع من خلالها التأويل السياسى العلمى، وأصبح الإعلام هو الحدث بدل أن يكون المعنى بتغطية الحدث ومتابعته وتقديمه، وهناك أيضا، ثناثية أزمة الهوية الوطنية وكأنّها نقيض للهوية القومية، حيث أصبحت الأولوية للانتماءات الطائفية والمذهبية على حساب الانتماء للدين الواحد والقيم الدينية المشتركة. وكيف يضطلع الإعلام العربى بدوره؟ هذه الظاهرة باتت تؤرق العالم، والإرهابيون باتوا يستخدمون التقدم التكنولوجى فى وسائل الاتصال والإعلام لنشر فكرهم المتطرف واستقطاب الشباب للانضمام إليهم، فالعصابات الإرهابية خاصة داعش انتشرت وقويت شوكتها وأعطت صورة مرعبة عن نفسها بواسطة الإعلام، من خلال استعانتها بأفضل التقنيين بالعالم لإنتاج أفلام تصدر الرعب والإرهاب للمواطنين، لذا فالإعلام يقع على عاتقه مسئولية كبيرة خاصة وسائل التواصل الاجتماعى، فلابد من محاربتهم بالطريقة نفسها بعيدا عن الندوات والمؤتمرات. وهل يمكن أن نرى كودا إعلاميا موحدا للتصدى لتلك الآفة فى تجديد المضامين الإعلامية؟ جامعة الدول العربية أصدرت العديد من الوثائق من خلال مجلس وزراء الإعلام العرب مثل ميثاق الشرف الإعلامى والاستراتيجية الإعلامية العربية لمكافحة الإرهاب، التى تم تحديثها وفقا للمتغيرات التى طرأت على الساحة الإقليمية العالمية، وكل الدول العربية تعمل من خلال أجهزتها المختلفة والإعلام على مكافحة الإرهاب. ما هو الدور الذى تلعبه اللجنة الدائمة للإعلام العربى؟ اللجنة الدائمة للإعلام العربى هى من ضمن اللجان التى كان موجودة فى إطار مجلس وزراء الإعلام العرب، وغابت لفترة طويلة عن أداء دورها، ومنذ توليت منصبى رأيت ضرورة تفعيل دورها لأهميتها. وما دور الإعلام السلبى فى تشكيل المبادئ والقيم وزعزعة الأمن الفكرى والأخلاقى؟ للأسف هذا النوع من الإعلام موجود، فمثلا عندما منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلى الفلسطينيين من الصلاة بالمسجد الأقصى كنت تجد فى أغلب إعلامنا صورة مسجد قبة الصخرة باعتباره المسجد الأقصى وهو خطأ كبير، ويجب أن نتبه إلى وجود مؤامرة إسرائيلية للفت الأنظار بعيدا عن المسجد الأقصى الحقيقى. الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بحق المقدسات الإسلامية بالقدس تنذر بخطر شديد، فما هو الدور المأمول إعلاميا لدعم الفلسطينيين؟ من الضرورى أن نلفت النظر إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلى عندما اقتحمت المسجد الأقصى استولت على الوثائق التاريخية بداخله التى تدل على الممتلكات الفلسطينية الموجودة بالقدس والخاصة بالمقدسيين، وهى خطوة فى طريق الاستيلاء على كل ما يتعلق بالفلسطينيين داخل القدس، وقد تقدمنا لمجلس الجامعة بطلب للموافقة على استراتيجية للوثائق المنهوبة والمسروقة، فالموضوع يمس جميع المسلمين ومقدساتهم والعرب جميعا. وكان من الضرورى على وسائل الإعلام تسليط الضوء بشكل أكبر على ماذا يعنى الأقصى بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، فالقضية أصبحت تتعلق بمقدسات الأمة.