البعض قال إنها «سحابة صيف» وإنها أزمة عابرة فى البيت الخليجى إلا أنها دخلت شهرها الثالث، والآن ثمة ضوء خافت يلوح فى الأفق بأن الأزمة المتفجرة ما بين قطر ودول المقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين يمكن أن تجد انفراجة، وواقع الحال أن الأزمة المستمرة بسبب دعم قطر الإرهاب، وتوفير «المنابر الدعائية» للتنظيمات والمنظمات الإرهابية مثل جماعة الإخوان وغيرها سيكون من المبكر جدا الحديث عن حل ولكن أقصى ما يمكن الرهان عليه هو استعادة الموقف من «حافة الهاوية»، وعدم ترك الفرصة لقطر للتسويف أو إثارة حنق الدول الأربع لدفعها لمزيد من التصعيد وفقدان الأمل نهائيا فى عودة الدوحة إلى البيت الخليجى والصف العربى بوصفها «شريكا فاعلا» يسهم فى وحدة الموقف العربي، واستقرار منطقة الخليج، والدفاع عن المصالح العربية العليا. فترى هل يمكن الرهان على قرب حل الأزمة؟! واكتسبت هذه «الآمال الخجولة» قوة الدفع من الأنباء الواسعة حول «مبادرة كويتية» جديدة للشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت لتسوية الأزمة، ويدور الحديث عن أن جوهر المبادرة الجديدة: عقد حوار مباشر ما بين أطراف الأزمة، وتقديم ضمانات كويتية أمريكية بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه ما بين الدوحة والدول الأربع مع الأخذ فى الاعتبار «شواغل الدول المقاطعة» لقطر منها. وأشارت مصادر خليجية مطلعة إلى أن الكويتوواشنطن طالبتا بضرورة التهدئة الإعلامية، ووقف التصعيد الإعلامى المتبادل. وقد شهدت الفترة الأخيرة تحركات مكثفة من جانب الكويت، وبعث الشيخ صباح الأحمد بوزير خارجيته الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء ووزير الإعلام بالوكالة الشيخ محمد العبد المبارك الصباح فى جولة إلى كل من السعودية ومصر وسلطنة عمان والإمارات والبحرين وقطر، وحمل الوفد الكويتى رسائل إلى قادة هذه الدول تحمل المبادرة الجديدة التى تحظى بالدعم الأمريكي. وتزامن مع تحركات الكويت وصول مبعوثى الولاياتالمتحدة للمنطقة لحل الأزمة وهما الجنرال السابق أنطونى زينى ونائب وزير الخارجية تيموثى ليندر كينج. ومما يثير «الآمال الجديدة» أن أمير الكويت سيقوم بزيارة رسمية إلى واشنطن يلتقى خلالها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى أوائل سبتمبر المقبل. ويبدو الآن السؤال الخاص بشأن «الثقة فى الوساطة الكويتية» ليست فى محلها على الإطلاق، لأنه لا أحد يمكنه أن يشكك فى حكمة وخبرة الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، كما لا يمكن لأحد أن ينكر حكمة أمير دولة الكويت الذى يعدأحد «حكماء القادة العرب»، وعميد الدبلوماسية العربية. كما أنه ليس واردا أيضا أن يذكر الكويت بما سبق أن فعله قادة الدول الأربع من أجل تحرير الكويت من غزو قوات صدام حسين، وأحسب أن الكويت على مدى تاريخها قدمت لأمتها العربية ولمجلس التعاون الخليجى الكثير، كما أن الكويت كانت ولا تزال عنصرا فاعلا، وطرفا يسعى للم الشمل العربي.. إلا أن السؤال الحقيقى ينبغى أن يثار بشأن «أوهام قطر»، ومراوغاتها وإصرارها على الادعاء بأن الدول الأربع تفرض عليها «حصارا» وليس «مقاطعة». ولعل الدليل القاطع على أن مصر والسعودية والإمارات والبحرين لم تذهب بعد إلى فرض «المقاطعة» على الدوحة، وذلك لأن الحركة لا تزال مفتوحة من وإلى قطر عبر مطاراتها وموانئها البحرية. وفيما يبدو أن الدوحة لا تزال تعيش فى «أوهام كبيرة» تتعلق بقدرتها على «شراء الوقت» أو «شراء التأييد الدولي» أو «تزييف الحقائق»، إلا أن الدوحة عليها ألا تسيء قراءة صبر الدول الأربع، أو تتخيل أن القاهرة سوف تتسامح مثلا بشأن الدماء التى أريقت من قبل جماعات الإرهاب المدعومة من قطر سواء فى مصر أو ليبيا، كما أن الدوحة عليها أن تستعد من الآن «للحظة حساب» من قبل دول عربية أسهمت قطر فى العبث بأمنها واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها. وهذا العبث استمر حتى مع تغير الأنظمة الحاكمة القديمة، واختارت الدوحة والقوى الأجنبية الأخرى أن تساند جماعات إرهابية متطرفة مثل داعش والنصرة وفتح الشام والجماعة الليبية المقاتلة والقاعدة والإخوان... إلخ. وأحسب أن «فرصة أخيرة» لن تتكرر أمام قادة الدوحة «لإعادة توفيق أوضاعها»، والخروج من المأزق الحالى «بأقل الأضرار».. إلا أن ذلك سوف يتطلب منها القيام «بالخطوة الأولي»، وتقديم «خطوة ملموسة» من بين المطالب ال 13 التى سبق أن تقدمت بها الدول الأربع. وأحسب من جانبى أن الخطوة الأولى هى أن تقوم قطر بتسليم «الإرهابيين». والذين جرى تصنيفهم كذلك ليس فقط من قبل الدول الأربع بل من قبل دول أخرى مثل الولاياتالمتحدة، وتجمعات مثل الاتحاد الأوروبى ومنظمة الأممالمتحدة. كما أعتقد أن «توقف الجزيرة» لفترة عن أعمال التحريض، والتوقف عن توفير المجال «لدعاية الإرهابيين» سيكون إسهاما عمليا فى توفير «الجو الملائم» للتفاعل بين أطراف الأزمة، وإعطاء الفرصة للمبادرة الكويتية أن تنجح. ويبدو أن المرء عليه أن يؤكد وبوضوح أن «الخطوة الأولي» المطلوبة لبناء الثقة، ومساعدة الكويت فى مهمتها الصعبة يجب أن تأتى من قطر، كما أن قادة الدوحة عليهم أن يدركوا أنه فيما لو فشلت «جهود الوساطة» للكويت والمدعومة من الولاياتالمتحدة فإن قطر ستكون هى وحدها من يتحمل المسئولية. ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن قائمة الإجراءات الأشد قسوة لم يتم تفعيلها بعد، إلا أنها جاهزة للعمل فورا ضد قطر. ومن بين هذه الإجراءات التى يتم تداولها: سحب الأموال السعودية والإماراتية والبحرينية الموجودة لدى المصارف القطرية (تقدر ب 20 مليار دولار)، فرض حظر على التعامل مع البنوك القطرية، فرض حصار حقيقى على دولة قطر، وطرد قطر من مجلس التعاون الخليجي، وتجميد عضويتها فى الجامعة العربية. وربما هناك خطوات أشد تتعلق بوقف التعامل وشراء الغاز القطري. وأحسب أن هذه إجراءات موجعة، ولكنها ليست آخر المطاف، ولعل أخطرها أن تشعر الدول الأربع بأنها مجبرة على عدم التعاطف أو «فقدان الثقة» فى إمكان تغير سلوك النظام القطري، وإذا ما حدث ذلك فإن هذه الدول «لن تحرك ساكنا» إذا ما واجه نظام قطر أى تهديدات، ولن يكون لديها أى دافع فيما لو جرى تغييره من داخل النخبة القطرية. ويبقى أن ادعاء الدوحة بأن «المقاطعة» لم ولن تؤثر فيها هى مجرد ادعاءات فارغة، ويكفى للدلالة على ذلك أن وكالة موديز للتصنيف الائتمانى قد عدلت نظرتها المستقبلية للنظام المصرفى القطرى من «مستقرة» إلى «سلبية»، وأوضحت الوكالة فى مذكرة بحثية أخيرا أن التصنيف يعكس «ضعف» قدرة الحكومة القطرية على دعم المصارف. وأحسب أن الأزمة مرشحة لأن تطول وتستمر لفترة قادمة وربما تتعقد ليس لأن وساطة الكويت لم تبذل «كل ما هو مطلوب»، وليس لأن الدول الأربع لم تتمهل. ولكن لأن «أوهام قطر» أكبر من أى جهد للحل، وربما لأن قطر «تورطت» فى مستنقع الإرهاب ولم يعد «بمقدورها الخروج» لأن الإرهابيين ومن يحركونهم سوف يجعلون الدوحة تدفع «ثمنا أفدح»!. سنرى ماذا سيحدث قريبا؟! لمزيد من مقالات محمد صابرين