عاني المصريون الحرمان من الانتخابات الحرة النزيهة عقودا من الزمن.. ثم فجأة ومنذ قيام ثورة25 يناير وجدوا أنفسهم مطالبين بالنزول إلي صناديق الانتخاب مرة كل بضعة أشهر.. استفتاء علي الدستور ثم انتخابات مجلس شعب ثم انتخابات مجلس شوري ثم انتخابات رئاسة ثم إرهاصات مرعبة ومخيفة بإعادة كل ذلك بعد وضع الدستور الجديد! وكأن هناك مخططا لإنهاك المصريين انتخابيا لعلهم يلعنون الديمقراطية وسنينها.. ظروفنا العصيبة لا تحتمل إهدار المليارات والأوقات في انتخابات جديدة وهو ما دفعنا لاستطلاع آراء بعض المواطنين والرجوع إلي خبراء وضع الدساتير لاستبيان رؤيتهم وخبراتهم في كيفية وقف هذا النزيف الانتخابي: ظروفنا صعبة يقول وجيه عاشور- محاسب بنقابة المهندسين- سعادتي كانت بالغة بممارسة حقي وحريتي في انتخاب من يمثلني في الرئاسة والبرلمان وتحملت مثل ملايين الناخبين الوقوف في طوابير طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة في عز الصيف لكن ما ينغص علي حياتي الآن هو دعوات إعادة الانتخابات مرة أخري.. كيف يحدث ذلك مثلا مع مجلس الشعب تكلف المليارات و انتخبه30 مليون مصري في أنزه انتخابات شارك بها الشعب المصري وأشرف عليها القضاء ورعاها الجيش والشرطة وشهد لها العالم أجمع ؟ أما حسام الأزرق طالب ببكالوريوس تربية رياضية فيري أنه لابد من وجود مواءمة سياسية ودستورية في التعامل مع الهيئات التي انتخبناها بإرادتنا الحرة وكلفتنا الجهد والمال, فهناك دول أبقت علي مجالسها المنتخبة برغم الحكم بعدم دستورية وعوار القوانين التي انتخبت علي أساسها, وظروفنا الصعبة في مصر تستوجب ذلك. وقال محمد سعد الجزار من شباب الثورة- أن دعوات إعادة الانتخابات بعد وضع الدستور بدأت تنطلق الآن من أفواه من سخروا أنفسهم وفضائياتهم في خدمة مخططات إهدار موارد مصر وعدم استقرارها وإنهاك شعبها في وقت لم نعد نمتلك فيه رفاهية فعل ذلك. بشري للمصريين الدكتور رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستوري وعضو الجمعية التأسيسية لوضع الدستورالجديد يشير إلي أنه عند وضع دستور جديد قد يتم تغيير القواعد التي تم علي أساسها انتخاب المجالس التشريعية أو الرئيس, فمثلا قد ينص الدستور الجديد علي إلغاء نسبة50% للعمال والفلاحين في البرلمان مما يحتم إعادة الانتخابات فور إقرار الدستور الجديد لتغيير القواعد والأسس التي تم بناء عليها انتخاب المجالس الحالية, وفي هذا إنهاك للمصريين وخزينة الدولة المنهكة أصلا, ولذا فإن المتبع في مثل هذه الأحوال هو اللجوء إلي ما يسمي ب( الأحكام الانتقالية) في الدستور, أي أن ينص الدستور الجديد علي استمرار الهيئات المنتخبة حتي تستكمل مدتها, سواء رئيس الجمهورية أو مجلسي الشعب والشوري أو المجالس المحلية. ويؤكد الدكتور بطيخ أن هذا ليس بدعة بل هو عرف مستقر في غالبية دول العالم, وتؤيده السوابق التاريخية, فعلي سبيل المثال اشتمل دستور71 علي حكم انتقالي باستكمال الرئيس السادات لمدته الرئاسية. ويلفت أستاذ القانون الدستوري إلي أن الأحكام الانتقالية لا تقتصر علي الإبقاء علي الهيئات المنتخبة فحسب, بل قد تنص علي عدم المساس نهائيا بإحدي مواد الدستور- كالمادة الثانية مثلا- أو لفترة زمنية محددة. وفي نهاية حديثه يزف بطيخ البشري لجموع المصريين بأن هناك اتجاها بالفعل داخل الجمعية التاسيسية لوضع باب للأحكام الانتقالية في نهاية الدستور تخفيفا عن كاهل المصريين وميزانيتهم المنهكة, مبديا سعادته بكم التوافق الكبير الموجود في اللجنة الحالية لوضع الدستور. التكلفة10 مليارات اما الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية فيشير إلي أن الدراسات الاقتصادية تقدر تكلفة الانتخابات وإعادتها بما يقارب العشرة مليارات جنيه, فانتخابات مجلسي الشعب والشوري والرئاسة كلفت ميزانية الدولة3 مليارات جنيه فإذا تمت الإعادة يكون إجمالي التكلفة6 مليارات جنيه, تشمل مستلزمات العملية الانتخابية بملايين الجنيهات إلي جانب مكافآت القضاة في كل مرة(7 آلاف جنيه لكل قاض من13 ألف قاض), بالإضافة إلي تعطل الجهاز الإداري للدولة( نحو6 ملايين عامل يحصلون علي أجازة علي مدي يومين في كل انتخابات) إلي جانب خسائر تعطل القطاع الخاص التي قدرها البعض ب5 مليارات جنيه, بل إن أحد الخبراء قدر تكلفة الانتخابات في يوم واحد بما يعادل ميزانية التعليم والبحث العلمي في مصر في عام كامل! ويدعو غباشي المصريين إلي المثابرة والصبر و عدم الضجر والضيق من طول و تقلبات المرحلة الانتقالية وتكلفتها, فهذه طبيعة المراحل الانتقالية بعد الثورات في كل دول العالم, فقد استغرقت كتابة الدستور في بولندا3 سنوات, وفي كينيا20 سنة, وفي رومانيا امتدت المرحلة الانتقالية من1989 حتي2004 أي قرابة15 عاما وهي أطول المراحل الانتقالية في تاريخ أوروبا الشرقية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتشرذم القوي السياسية وضعفها الشديد. ويشدد غباشي علي أنه في غالبية دول العالم ينص علي إكمال البرلمان والرئيس لمدتيهما خصوصا إذا كان اختيارهما تم بناء علي انتخابات نزيهة, مما يتطلب ضرورة أن ينص دستورنا الجديد علي أن يستكمل الرئيس المنتخب مدته الرئاسية, محذرا من محاولات يعد لها الآن لإدخالنا في دوامة الجدل حول تفسيرات دستورية جديدة بهذا الشأن. عرف دولي الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان وعميد حقوق الزقازيق سابقا يؤكد أن ثورة25 يناير قامت لتغيير مسار مصر إلي الأحسن ولذلك تم إسقاط الدستور السابق71 وتعديلاته81 و2005 و2007 لكي يتم وضع دستور جديد يلبي طموحات المصريين ويحقق العدالة القانونية والعدالة الاجتماعية ويراعي حقوق الإنسان المستقرة دوليا في الحياة الكريمة وتوفير الخدمات الأساسية. ويري حلمي أن يتبع دستورنا المقبل ما استقرت عليه الأعراف الدولية من ضرورة أن يشتمل الدستور الجديد علي نصوص وأحكام انتقالية تضمن إكمال الهيئات المنتخبة بإرادة شعبية حرة كرئيس الجمهورية والمجالس التشريعية مدتها القانونية ترشيدا للجهود والنفقات وتحقيقا للاستقرار في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلاد والعباد.