بعد ما يقرب من شهرين فقط من بداية الأزمة وصل النظام الحاكم فى قطر إلى مرحلة الهذيان، وهو أمر يستحق الإشارة إليه على اعتبار أن أحدا غير ذلك النظام لم يصل إلى تلك الحالة فى تلك المدة البسيطة، وبكل تأكيد فإن ما وصل إليه النظام القطرى قد جاء تحت ضغط الأزمة الناشئة عن مقاطعة الدول الأربع لقطر منذ الخامس من يونيو الماضى وإصرارها على وقف السياسات القطرية الداعمة للإرهاب فى المنطقة. وكما هو معروف فإن الهذيان هو أحد أهم أعراض معاناة الشخص من اضطرابات نفسية شديدة، وهو عبارة عن خلل فى الوعى ينعكس فى الشعور بعدم القدرة على التركيز والانتباه، وعدم القدرة على إدراك الأشياء بشكل صحيح، ومع حالة الهذيان يصل الشخص إلى قمة التفكير التآمرى أو قمة الاعتقاد فى نظرية المؤامرة، فيتصور أن الجميع يستهدفونه ويحاولون القضاء عليه. وفى حالة قطر بدأ النظام الحاكم بتصوير الأمر وكأنه مؤامرة كبيرة تستهدف الشعب القطري، ومن ثم حاول تصوير المقاطعة من الدول العربية وممارستها لكامل سيادتها على أراضيها وأجوائها بما يتيحه لها القانون الدولى على أنها حصار لقطر وللشعب القطرى وتقدمت بشكاوى عديدة لمنظمات دولية منها منظمة الطيران المدنى الدولى (إيكاو) التى رفضت تلك الشكوي، ومنظمة التجارة العالمية ضد السعودية والبحرين. ومع زيادة الضغوط على قطر بدأت فى سياسة تحويل مسار القضية من خلال خلق مشاهد أو قضايا أخرى لصرف النظر عن القضية الرئيسية. وبدأت تلك السياسة بمحاولة لخلط الأوراق ومحاولة توريط دول أخرى فى المنطقة لتخفيف الضغط الدولى عليها وذلك من خلال تصريح وزير الخارجية القطرى بأن بلاده وإن كانت تدعم الإرهاب فإنها ليست وحدها التى تفعل ذلك، بل إنها تأتى فى آخر قائمة داعمى الإرهاب، وحين فشلت تلك الورقة وتم استخدامها لتأكيد إدانة قطر بدعم الإرهاب، لجأ النظام القطرى أخيرا لاختلاق أزمة جديدة يستفز بها المملكة العربية السعودية والشعوب العربية والإسلامية، إذ طرح النظام القطرى أو بالأحرى أعاد إحياء فكرة تدويل الحج من خلال شكوى تقدم بها للأمم المتحدة بشأن ما يزعمه من تضييق من جانب السعودية على الحجاج القطريين الذين لا يتجاوز عددهم ألفى حاج، زاعما أن السعودية تعمل على تسييس الحج! ومع أن النظام القطري حاول التملص من تلك الخطوة بنفيه بيان اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، الذي أكد مخاطبة اللجنة للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية العقيدة والدين، فإن النقطة المحورية هنا هي أن السلوك القطري المتمثل في إطلاق تصريحات ثم نفيها، والإصرار على الاصطفاف مع المحور الإيراني التركي لا يدع مجالا للتشكك في حقيقة إقدام قطر على تلك الخطوة على الأقل خدمة للسياسة الإيرانية ودعما لها في صراعها مع المملكة. ذلك أن إيران اعتادت منذ سنوات على طرح فكرة ضرورة تدويل المشاعر المقدسة وعلى التشكيك في قدرات المملكة على تأمين الحجاج, خاصة منذ حادثة التدافع التي وقعت في «منى» عام 2015 وأسفرت عن مقتل عدة مئات من الحجاج أغلبهم من الإيرانيين. كما أن إيران هي التي سعت مرارا لتسييس الحج من خلال توجيه حجاجها لممارسة أعمال سياسية بل وإجرامية أثناء أداء الفريضة منذ عام 1987 وحتى اليوم. وأخيرا دعا المرشد الأعلى في إيران حجاج بلاده إلى تسييس الحج واستغلال موسم الحج هذا العام لإبداء المواقف السياسية في المنطقة تجاه القضية الفلسطينية، فقال «الحج هو فرصة تعلن من خلاله الأمة الإسلامية عن مواقفها». وجدير بالذكر هنا أن القذافي كان قد دعا هو الآخر لتدويل الحج ومثله فعل صدام حسين كلما ساءت علاقتهما بالمملكة، أما تركيا فقد باركت ودعمت هي الأخرى فكرة تدويل الحج، ومع ذلك تظل إيران هي الدولة الوحيدة التي لم تتخل عن تلك الفكرة. باختصار فإن قطر لم تفعل أكثر من ترديد ما يريده كفيلاها الإيراني والتركي. وفي هذا السياق، جاء رد الفعل السعودي قويا وحازما، إذ اعتبرت السعودية الموقف القطري بمثابة «إعلان حرب» عليها، مؤكدة أن ذلك الموقف يضع قطر في خانة الأعداء، فمثل تلك الأفكار لا تخرج إلا من الأعداء، وأنها تحتفظ لنفسها بحق الرد على تلك الخطيئة القطرية. وانطلاقا من إدراكها لخطورة محاولات «تديين» الصراع السياسي ليس مع قطر ولكن بالأساس مع إيران ومشروعها التوسعي، كان على المملكة أن تقطع الطريق على تلك المحاولة، فأكدت أنها ترحب تماما بالحجاج القطريين وأنها لم تسع يوما لتسييس الحج وإدخاله دائرة الخلافات السياسية, بدليل أنها لم تعارض أو تضيق يوما على الحجاج الإيرانيين رغم الخلافات السياسية الشديدة بينها وبين النظام الإيراني، وأنه في الوقت الذي تطلق قطر تلك الإدعاءات فإن الحجاج الإيرانيين قد وصلوا بالفعل إلى أراضي المملكة دونما أي تضييق. وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن رفض فكرة تدويل الحج و«تديين» الصراعات السياسية لم يكن موقف السعودية فقط، إذ عبر الأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية عن رفضهما تلك الفكرة، ليس الآن فحسب بل كلما طرحها الإيرانيون في السنوات الماضية، واعتبر الأزهر أن تلك الفكرة تعد تدخلا في الشأن الداخلي للمملكة باعتبارها المسئول عن تنظيم الحج. وفي هذا الإطار لابد من التأكيد على النقاط التالية: أولا: أن طرح فكرة تدويل الحج من قبل قطر هو مجرد جزء من المقابل الذي يجب أن تتحمله أو تدفعه قطر تأمينا للدعم الإيراني في مواجهة الدول العربية الأربع. إذ تنظر إيران إلى قيام دولة عربية خليجية بالمطالبة بتدويل الحج باعتباره ورقة مهمة للغاية في السياسة الإيرانية الرامية لممارسة أكبر قدر من الضغوط على السعودية. ومن جانبه فإن النظام القطري توهم أن الهجوم على المملكة ربما يخفف الضغط الذي يتعرض له ويساعد في توجيه بعض سهام النقد للمملكة من قبل الشارع العربي والإسلامي. ثانيا: أن ما قام به النظام القطري يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن فكرة المصالحة والتهدئة والعودة إلى البيت الخليجي ليست ضمن أولوياته. فإذا كان ممكنا تجاوز الخلافات السياسية الراهنة فإنه سيكون من الصعب جدا تجاوز تداعيات طرح فكرة تدويل الحج ومهاجمة المملكة بهذا الشكل الذي يصر عليه النظام القطري. ثالثا: أن طرح فكرة تدويل الحج لن تكون على الأرجح آخر تداعيات حالة الهذيان التي يمر بها النظام القطري. فمن المؤكد أن النظام القطري تحت وطأة تلك الحالة سيقدم على خطوات ومواقف أخرى سيكون من شأنها تعميق الجرح الخليجي والعربي من ذلك النظام. رابعا: أن تداعيات حالة الهذيان القطري ربما تتسع لتطال دولا أخرى سواء من الرباعي العربي الساعي لمكافحة الإرهاب أو من داخل الدائرة العربية سعيا وراء توسيع نطاق الأزمة وإقحام دول أخرى في المشهد. خامسا: أن جامعة الدول العربية ومن قبلها مجلس التعاون الخليجي مطالبون بضرورة اتخاذ موقف واضح وحاسم تجاه التجاوزات القطرية التي تتفاقم يوما بعد الآخر ضد الدول الأعضاء، فالجامعة والمجلس لن يكونان بمنأي عن تداعيات حالة الهذيان القطري. أخيرا، فإن اضطرار قطر على لسان وزير خارجيتها لنفي إقدامها على المطالبة بتدويل الحج لن ينهي الأزمة. فإطلاق التصريح كان كافيا لإحداث الأثر والتأكيد على أن قطر ماضية في اتجاه التصعيد، وأنها بمثل تلك التصريحات «الطائشة» تهدف أولا وقبل كل شىء لتدعيم حالة «المظلومية» التي تحاول تصديرها للعالم وإقناعه بأنها تتعرض لحصار من الدول الأربع حتى فيما يتصل بحرية ممارسة الشعائر الدينية المقدسة، وثانيا لإزعاج دول المقاطعة واختبار قوة ومدى رد الفعل الذي يمكن أن تصل إليه. واعتقادي أنه لولا قوة رد الفعل السعودي والعربي الذي وضح خلال مؤتمر المنامة ما كانت قطر قد تراجعت واضطرت لنفي قيامها بطلب التدويل. ويبقى في النهاية التأكيد على أن رد الفعل السعودي والعربي لم يكن انزعاجا من إمكانية تحقق فكرة التدويل بقدر ما كان محاولة ل «فرملة» تفاقم حالة الهذيان التي يعاني منها النظام القطري.
طارق عامر وصول حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى ما يزيد على 36 مليار دولار للمرة الأولى منذ عام 2010 يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الرهان على السيد طارق عامر محافظ البنك المركزي كان في محله. فعندما تولى عامر منصبه محافظا للبنك المركزي في السابع والعشرين من نوفمبر عام 2015 كان حجم الاحتياطي حوالي 16.4 مليار دولار. وهو ما يعني أن السياسة التي اتبعها محافظ البنك بالتعاون مع الحكومة حققت زيادة في حجم الاحتياطي بنسبة 120% في غضون 20 شهرا تقريبا. أعرف أن ذلك لم ينعكس بعد بالشكل الكافي على مستوى سعر الصرف ولا على الأسعار، ولكن المؤكد أن ذلك سوف يحدث، فالجزء الصعب من الطريق قد انتهى. ولأننى ممن يعتقدون أن استمرار حالة التربص بل والعداء أحيانا تجاه كل من يتولى مسئولية في هذا البلد لن تؤدي بنا إلى اجتياز العقبات التي تواجهنا، فقد ساءني غياب الإشادة بما تحقق خاصة ممن شككوا في جدوى الرهان على طارق عامر وسياساته. فكما أن محافظ البنك المركزي وغيره من المسئولين ليسوا فوق مستوى النقد، فإنهم أيضا ليسوا أقل من أن توجه لهم التحية عندما يجيدون. ومن هنا وجبت الإشادة بالسيد طارق عامر والحكومة على ما تحقق بشأن الاحتياطي من النقد الأجنبي. وزير التعليم والاعتماد الأمريكى حسنا فعل وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي بوقفه تراخيص المدارس الأمريكية الجديدة في مصر، مؤكدا أن الوزارة لن تسمح مرة أخرى بشهادات مضروبة. والشهادات المضروبة التي تحدث عنها الوزير هي الشهادات التي تمنحها منظمة AdvancED . الأمر يحتاج إلي وقفة من الوزير لأن بعض موظفي الوزارة سمحوا باعتماد تراخيص هذه المنظمة في الوقت الذي سبقتنا دول عربية في وقف التعامل مع هذه المنظمة غير المعروفة . هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الاعتماد الأمريكي محل شك، فهناك 6 منظمات معتمدة تعطي الاعتماد لكل دول العالم طبقا لمعايير التعليم الأمريكي، تختص منظمتان منها بمنح التراخيص المعتمدة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا وهما منظمة الولايات الوسطى للكليات والمدارس (MSA) ومنظمة نيو انجلاند للجامعات والمدارس (NEASE)، وكل منهما تعتمد أهم المدارس الدولية الموجودة في القاهرة والإسكندرية. باختصار فإن وقف العمل بتراخيص المنظمات المشبوهة للاعتماد الأمريكي هو بداية موفقة تماما لضبط وضع المدارس الدولية في مصر والقضاء على الفساد المستشري في ذلك القطاع. وكلي أمل أولا في أن تواصل الوزارة تلك السياسة وعدم الانجرار لمتاهة الحديث عن مسائل فرعية مثل مصروفات تلك المدارس التي لا تستوعب سوى نسبة ضئيلة للغاية من الطلاب ولا تمثل تلك المصروفات مشكلتهم الأهم، وثانيا في أن تكون تلك السياسة بداية لتوجيه جهد واهتمام الوزارة صوب المدارس الحكومية التي تستوعب الغالبية العظمى من الطلاب.