الثانى من أغسطس. يوم من أيام العام. ولكن لمن يتمعن قليلا فسيجد أنه يوم هام من أيام العالم العربى والشرق الأوسط بل والعالم أجمع دون مبالغة. فقد شهدت الساعات الأولى من ذلك اليوم الكئيب من عام 1990 تحرُك مدرعات القوات العراقية وتحليق طائراته العسكرية مخترقة الحدود الدولية التى تفصل بين العراقوالكويت. وحتى اليوم السابق على ذلك اليوم كانت الدولتان عربيتان وشقيقتان والمشترك بينهما وبين شعوبهما أكثر وأعمق بكثير مما يمكن رصده بينهما من خلافات، والتعاون بينهما عميق ومؤثر يصل إلى مستوى مساهمة الكويت مع عدد من الدول العربية فى إنقاذ العراق من تهديد وجودى تمثل فى إجتياح القوات الإيرانية لجانب من أراضيه قبل ذلك اليوم بعدة سنوات. ولكنها "ملاعيب" اعداء العرب التى قلبت الطاولة على الرؤوس وجعلت الأشقاء يتبادلون الطعان حتى الموت. فمنذ عقود سابقة كانت أعين صقور أعداء العرب فى أركان الأرض تتابع تطور التعاون العربى. وفوجئ الغرب بأن الحرب العراقيةالإيرانية تتجه إلى منعطف أزعجهم كثيرا بعد أن كانت تلك الحرب مخطط لها الإستمرار لعقود من الزمان حتى تستنزف قوى العراقوإيران وتنهكهما معا تمهيدا لإفراغ الساحة امام قوة وحيدة فى المشرق العربى هى إسرائيل. لقد فوجئ أعداء العرب والسلام والاستقرار باتحاد العرب خلف العراق ودعمهم له ماديا وعسكريا بل وفنيا وبشريا حتى يصمد أمام جحافل إيران التى استقوت بسلاح ومعلومات وتعاون الغرب بوجه عام وامريكا وإسرائيل تحديدا (فضيحة إيران كونترا) التى كان بطلها جورج بوش الأب، وهو والد جورج بوش الابن الذى غزا العراق بشكل كامل عام 2003. وقف العرب إلى جانب العراق حتى تمكن من إجبار إيران على "تجرع المر" والقبول بوقف إطلاق النار. وبنهاية الثمانينيات، وبعد التأكد من إفلات العراق من الفخ الغربى والتهديد الإيرانى العسكرى، بدأت تظهر محاولات عربية سريعة ولاهثة من أجل تحقيق الوحدة بين عدة دول وأجنحة. رصد الغرب تلك المحاولات وسرعان ما بدأت المؤامرات. وكانت البداية بخدعة ساذجة تستند إلى روح الغدر حيث تم استدراج صدام حسين زعيم العراق فى ذلك الوقت، للقيام بعمل غير مشروع على المستوى الدولى تمهيدا لتصفية قوته. وتمثلت الخدعة فى إظهار موافقة واشنطن على قيام العراق بغزو الكويت لتعويض خسائره من الحرب الإيرانية بل وإقامة إمبراطورية عراقية تشمل دول الخليج العربية ! وصدق الرجل الكذبة الكبرى ووقع فى الفخ. ودفع دباباته لاجتياح دولة عربية شقيقة وحليفة أجارته وقت الشدة أمام إيران. وهدد السعودية وظهر فى التليفزيونات وهو يتحدث إلى العالم عن إمبراطورية العراق القادمة. وكان ذلك كافيا لأن يفقد العراق مصداقيته أمام العرب وأن ترتمى تحت أقدامه أطراف قصيرة النظر تتسم سياساتها وتوجهاتها بالإزدواجية وبالتأثر بما كان يصل إلى جيوبهم وخزائنهم من أيادى زعيم العراق. أيام وأسابيع مرت على الاجتياح، الذى لا يمكن وصفه فى الثقافة العربية إلا بالعمل الغادر، وشهد العرب بأم أعينهم قادة الغرب وإسرائيل وهم يجتمعون ويعلنون أمام العالم أجمع دخولهم إلى المنطقة العربية، الخليج العربى تحديدا، بقواتهم وعتادهم للقضاء على العراق وحماية إسرائيل. وهو ما حدث فعلا فقد فوجئ العراق بأن ما يملكه من سلاح مستورد لا يفى بالغرض حيث تم تبادل أسرار تلك الأسلحة العراقية بين الحلفاء الغربيين لتفقد قدرتها. ولم تمر سوى شهور إلا والعراق قد انهزم وانسحب بالقوة من الكويت بعد تدمير قوته وتقسيمه إلى 3 أقاليم لا يستطيع الزعيم العراقى فرض سيطرته إلا على واحد منها فقط. ولم تغادر قوات الغرب المنطقة منذ ذلك اليوم. وزادت قوة إيران "الحليف السرى للغرب" أضعاف ما كانت عليه، واتسعت دوائر هيمنتها فى المنطقة، وحققت ما هو أبعد بكثير من الانتصار العسكرى على العراق. وبحلول عام 2001 أى بعد عقد واحد من انتهاء أزمة الكويت وتحريرها، بدأت أزمة جديدة على يد بوش الابن الذى أخرج الخطط مجددا من الأدراج واجتاح العراق فى 2003 وشنق صدام حسين لينقسم العالم العربى بشكل أكبر وتتسع الفجوات. وبعد عقد إضافى أصبحت إيران قوة نووية وصاروخية معترف بها، لها نفوذها وتدخلاتها المعلنة فى العالم العربى. وتمكن الضعف من القوى العربية الرئيسة وساد الانقسام العميق لدرجة أن تنظيم مسلح (داعش) تمكن من إقامة دولة كاملة لها تبادلاتها التجارية والمالية والبترولية مع دول الجوار الكارهة للعرب وظل صامدا على مدار سنوات!! وأصبحت لكل دولة كبرى قاعدة أو اثنتين فى دول المنطقة، بل إن دولة مثل قطر فتحت أبوابها وأروقة اتخاذ قرارها أمام قاعدة أمريكية وأخرى تركية بالإضافة إلى تعاون أمنى عميق مع إيران (والثلاثة أمريكا وتركيا وإيران يتنافسون على التهام العالم العربى). لقد أقدمت قطر على ذلك هربا من التزامات "منطقية" بعدم التدخل فى شئون الأشقاء العرب!! وهكذا كان يوم 2 أغسطس 1990 بداية تدهور الأمة العربية وتفككها، وللأسف مازال العرب يصارعون للنجاة من تبعات هذا اليوم المشئوم حتى تلك اللحظة. ألم يحن وقت إنهاء تلك المهزلة، أم أن قرار وضع نهاية للأزمة لم يعد بيد العرب أصلا؟!!