الجزائر و اعوام ( 1979 – 1991 – 2003 ) كما اشرت فى الجزء الاول انه اذا كانت حرب أكتوبر 73 هى التجسيد الحقيقي للتضامن العربي كذا بجانب المساعدات المادية التى قدمها العرب لهذه الحرب المجيدة فقد كشفت وثيقة سرية مسربة من مكتب البحوث الاقتصادية فى المخابرات المركزية الأمريكية مؤخراً نشرها موقع المكتبة الإليكترونية التابع للمخابرات في أغسطس 2012 عن حجم التمويل الذى تلقته كل من مصر وسوريا من الدول العربية منذ يوم 6 أكتوبر 1973 حتى 23 نوفمبر من العام نفسه يقدر بنحو 2 إلى 3 مليارات دولار. وكشفت الوثيقة تلقى مصر مبلغا يقدر ب 920 مليون دولار منها 100 مليون دولار من الإمارات و250 مليون دولار من الجزائر و170 مليون دولار من ليبيا و100 مليون دولار من قطر و300 مليون دولار من السعودية ليبلغ إجمالى المساعدات التى تلقتها كل من القاهرة ودمشق 2 مليار و40 مليون دولار. هذا بخلاف كم القوات العربية التى شاركت خلال حرب اكتوبر المجيدة من الدول العربية . وكما اشرت فى الجزء الاول فأن الدول المشاركة فى الحرب العربية الاسرائيلية هى : ( مصر - سوريا - العراق – السعودية – الامارات – الكويت – الجزائر - فلسطين – تونس – ليبيا – السودان – الاردن – المغرب ) واصبح الهدف الاسمى لدى الكيان الصهيونى العالمى بقيادة امريكا واسرائيل هو هدم وتشتيت هذا التضامن العربى ولقد اشرت فى الجزء الثانى لما ال اليه الحال الى دولة من اعظم الدول التى ناضلت مع مصر فى حرب اكتوبر وهى الجزائر ..وتم التركيز خلال الجزئين الاول والثانى على ما بعد عام 73 للوصول الى هدف تشتيت هذا التضامن والذى تم التجهز له خلال خمس سنوات حتى الوصول الى عام تشتيت العرب وهو عام 1979 . وفى هذا الجزء احتاج الى تركيز اكثر على العراق .هذا البلد العظيم الذى سقط ضحية مخطط تم التخطيط له بدقة كاملة عقب حرب اكتوبر . فالجمهورية العراقية هي احدى الدول المشاركة في حرب أكتوبر ضد إسرائيل في 6 أكتوبر 1973 وشاركت فى الحرب على جبهتين ..الجبهة السوريا والجبهة المصرية . فحينما اندلعت الحرب في 6 أكتوبر 1973 أصدر العراق أمرا إلى قواته الجوية والبرية بالتحرك فورا إلى الجبهة السورية حيث بدأت بالتوافد إلى دمشق منذ الاسبوع الاول للحرب في حين اشتركت طائرات الهوكر هنتر العراقية المتواجدة في مصر بالضربة الجوية الأولى التي سبقت عبور القوات المصرية للقناة. وتعد المشاركة العسكرية العراقية هي الأكبر في الحرب من حيث العدد والعدة بعد مصر وسوريا. لذا فقد وجب ان يكون لها النصيب الاكبر من مخطط تدميرها عسكريا واقتصاديا لتبقى فى حروب اهلية فترة ليست بالهينة ليبرز اوائل تنفيذ هذا المخطط عام 79 بتولى الرئيس العراقي السابق صدام حسين السلطة خلفا للرئيس أحمد حسن البكر عن طريق انقلاب هذا فى نفس توقيت قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عقب الثورة الايرانية ليتولى بعدها الخميني منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وهو المنصب الأعلى في النظام السياسي الإيراني وكأن الثورة الايرانية وتولى صدام تنفيذا متقنا لمخطط اسمى وهو تدمير الدولة العراقية بأكملها جيشا واقتصادا واجتماعيا . وفى اقل من عام كما ذكرت فى الجزء الثانى اشتعلت الحرب العراقية الإيرانية من سبتمبر 1980 حتى اغسطس 1988 لأشرس واسوأ 8 سنوات للبلدين وبعد خسائر راح ضحيتها اكثر من مليون قتيل ومليوني جريح ومليونى ونصف لاجىء و120 الف اسير وخسائر زادت عن 400 مليار دولار لم يكتف المخطط بذلك فبدأ بتنفيذ المرحلة الثانية من تدمير العراق . المرحلة الثانية من تنفيذ مخطط تدمير العراق كانت حرب الخليج الثانية تسمى كذلك عملية "عاصفة الصحراء "أو "حرب تحرير الكويت " ومن عجائب الامور ان خلال الحرب العراقية-الأيرانية دعمت الكويت والسعودية العراق اقتصاديا ووصلت حجم المساعدات الكويتية للعراق أثناء الحرب العراقية-الأيرانية إلى ما يقارب 14 مليار دولار وطبقا لمخطط عجيب فقد تم بعد عامين من انتهاء الحرب العراقية الايرانية وتحديدا عام 1990 اتهام العراق الكويت بسرقة النفط عبر الحفر بطريقة مائلة. هذا بعدما فشلت جهود صدام حسين عن اسقاط هذه الديون متعللا بان حربه على ايران خلال 8 سنوات كانت بمثابة دفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي حسب تعبيره وأن على الكويت والسعودية التفاوض على الديون أو إلغاء جميع ديونها على العراق. وبالتالى اتخذ لنفسه ذريعة لاجتياح الكويت وقد اجتاحها بالفعل ... بعد اجتياح الكويت بدأت السعودية تبدي مخاوفها عن احتمالية حدوث اجتياح لأراضيها، وهذه الاحتمالية لعبت دورا كبيرا في تسارع الاحداث والإجراءات والتحالفات لحماية حقول النفط السعودية التي إن سيطر العراق عليها كانت ستؤدي إلى عواقب لم يكن في مقدرة الغرب تحملها. خلال ذلك قام الرئيس العراقي بإضافة كلمة "الله أكبر" على العلم العراقي في محاولة منه لإضفاء طابع ديني على الحملة ومحاولة منه لكسب الأخوان المسلمين والمعارضين السعوديين إلى جانبه بل وزاد حجم هذا الطابع الديني في الحملة الدعائية على السعودية عندما بدأت القوات الأجنبية تتدفق عليها. فى الجانب الاخر للمخطط كانت امريكا قد صرحت عن طريق الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بأن الهدف من الحملة هو منع القوات العراقية من اجتياح الأراضي السعودية وليس الدفاع عن اجتياح الكويت . وطبعا لاضفاء جوانب الشرعية فقد صدرت سلسلة من قرارات مجلس الأمن والجامعة العربية وكانت أهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678 والذي أصدر في 29 نوفمبر سنة 1990 والذي حدد فيه تاريخ 15 يناير من سنة 1991 موعدا نهائيا للعراق لسحب قواتها من الكويت وإلا فإن قوات الائتلاف سوف "تستعمل كل الوسائل الضرورية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660". وتشكل إتلاف عسكري مكون من 34 دولة ضد العراق وقد وصل العدد الإجمالي لجنود قوات الائتلاف إلى 959,600 مقاتل . وكانت أربع دول قد أرسلت وحدات من طيرانها الحربي لينضم إلى سلاح الجو السعودي، القطري، والكويتي، بالإضافة إلى الأمريكي، البحرية الأمريكية، وسلاح طيران البحرية الأخيرة، مما جعل عدد المقاتلات الجويّة ثابتة الجناح يصل إلى 2,430 مقاتلة . تشكلت قوات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة من الدول التالية:( الأرجنتين، أستراليا، البحرين، بنغلاديش، بلجيكا، كندا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمارك، سوريا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، إيطاليا، اليابان، الكويت، المغرب، هولندا، نيوزيلندا، النيجر، النرويج، عُمان، باكستان، بولندا، البرتغال، قطر، المملكة العربية السعودية، السنغال، كوريا الجنوبية، إسبانيا، مصر، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة ) فبدأ العراق محاولات إعلامية لربط مسالة اجتياح الكويت بقضايا "الأمة العربية" فأعلن العراق أن أي انسحاب من الكويت يجب أن يصاحبه انسحاب سوري من لبنان وانسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وامريكا كما قلنا اقنعت العرب انها للدفاع عن السعودية وللشارع الامريكى انها للدفاع عن مصادر نفطها وللدفاع عن الديمقراطية . تباين موقف الدول العربية من حرب تحرير الكويت داخل الجامعة العربية بموقفها من الحرب، فالأردن أعلن رسميا تأييده للعراق واعتبر الحرب عدوانا على الأمة العربية كما ورد في البيان الأردني، ومثلها فعلت اليمن. والدول التي تحفظت في موقفها هي الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية وموريتانيا والسودان وليبيا. أما الدول التي ساندت الكويت وقامت بالمساعده كانت: السعودية والأمارات والبحرين وقطروعمان ومصر وسوريا والمغرب. أمين الجامعة العربية، السيد الدكتور الشاذلي القليبي، وهو تونسي، أعلن استقالته ساعة بدئ الحشد للحرب على العراق. لذا فأن كان من وجهة نظرى عام 79 هو عام تفكك العرب الاول فقد اصبح عام 91 هو عام شرزمة القرارات العربية اى بعد ما يقرب من 12 عام من تخطيط عجيب وانتهت الحرب بفوز قوات الائتلاف بقيادة امريكا لكن لم يكن فوزها شيئا بجانب مقارنة الخسائر بين الطرفين وهو ما يجدر الاشارة اليه. حسب إحصاءات قوات التحالف فإن الخسائر البشرية في صفوفها كانت كالتالي: - الولايات المتحدة - قُتل 294 جنديا (114 منهم بنيران العدو - 145 في حوادث و 35 بنيران صديقة) وجُرح 467. - المملكة المتحدة - 47 قتيل (38 بنيران العدو و 9 بنيران ودية) - اجمالى القتلى من ( السعودية ومصر والامارات وسورياوالكويت وفرنسا ) 40 قتيل فقط اربعون قتيل كما تعرضت 75 طائرة للتدمير منها 27 طائرة تعطلت لأسباب غير حربية. وتكبدت الولايات المتحدة معظم الخسائر في الطائرات بمجموع 63 طائرة و 23 مروحية . نأتى على الجانب الاخر تٌسعق عند دراسة الخسائر :- فقد اختلفت التقارير في إحصاء الخسائر العراقية. لكنها بالمتوسط شملت على ما بين 70,000 إلى 100,000 قتيل و 30,000 أسير. بالإضافة إلى تدمير 4,000 دبابة و 3100 قطعة مدفعية و 1856 عربة لنقل القوات. كما تم تدمير حوالي 240 طائرة. ولا توجد إحصائيات تحدد مدى حجم الخسائر في صفوف المدنيين. ومعضم التقارير تقدر عدد خسائر المدنيين بين 20,300 إلى 200,000 قتيل . وسبب الاختلاف الواضح في الأعداد يعود إلى اختلاف المعطيات في التقدير وخاصة أن عدد كبير من المدنيين تم استعمالهم كدروع بشرية لمنع قوات التحالف من قصف المواقع العسكرية كما ادعت المصادر الامريكية وان كنت اشك فى ذلك الامر. هذا بالاضافة الى خسائر اقتصادية تخطت 160 مليار دولار كأقل تقدير وفقا لمجموع التقارير. فى النهاية فقد سقطت العراق فى الفخ مرتين فى حرب الخليج الاولى بينها وبين ايران وفى حرب الخليج الثانية فى حرب تحرير الكويت . ولم يتوقف الامر عن هذا الحد مع الاسف فقد كان المخطط ( أطرق الحديد وهو ساخن ) ولكنه كان يحتاج الى مخطط اخر يبلغ 12 عام اخرى وبعدما تم المخطط . فقد وقع الغزو الأمريكي للعراق أو حرب الخليج الثالثة أو (حرب العراق أو احتلال العراق أو حرب تحرير العراق أو عملية حرية العراق) هذه بعض من أسماء كثيرة أستعملت لوصف العمليات العسكرية التي وقعت في العراق سنة 2003 والتي أدت إلى احتلال العراق عسكريا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة دول مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا حسب تعريف مجلس الأمن لحالة العراق في قانونها المرقم 1483 في 2003 . وبدأت عملية غزو العراق في 20 مارس 2003 من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية وأطلقت عليه تسمية ائتلاف الراغبين وكان هذا الائتلاف يختلف اختلافاً كبيرا عن الائتلاف الذي خاض حرب الخليج الثانية لأنه كان ائتلافاً صعب التشكيل واعتمد على وجود جبهات داخلية في العراق متمثلة في الشيعة في جنوب العراق بزعامة رجال الدين والأكراد في الشمال بزعامة جلال طالباني ومسعود برزاني. شكلت القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية نسبة %98 من هذا الائتلاف. ولقد تسببت هذه الحرب بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق بخلاف خسائر اقتصادية لم يتم تقديرها واحصاءها بعد وخسائر عسكرية دمرت الجيش العراقى كما كنا نعلمه بأكمله بعد ان كان اقوى جيش برى فى المنطقة ويكفي لتخيل الامر ان نقول ان البنية التحتية لدولة العراق القديمة التى نعلمها فى حرب اكتوبر المجيدة تم تدميرها بالكامل ... كل هذا كان يهون لولا ما خلفته الحرب من حروب اهلية (سنية سنية ) و (سنية شيعية ) و (قبائل وعصابات متناحرة ) بالاضافة الى صراع سياسى متناحر وان افضل خبراء العالم تفائلا لا يجد نهضة لدولة العراق لعودتها كما كانت الا بعد 20 سنة من الان . فبهذا خرجت دولة من اكبر دول المنطقة من المعادلة الحسابية بعد تنفيذ ما خٌطط لها بحرفية مشتركا فى تنفيذ مخططها ابناء الوطن ذاته . والى اللقاء فى الجزء القادم .