لا يدرى المرء السبب فى أنه كلما قرأ نعيا فى صفحة الوفيات بالأهرام، أوصى فيه المتوفى أو المتوفاة بأن يقتصر العزاء على تشييع الجنازة، يجد النفس وقد حملت مشاعر من التقدير والإجلال والاحترام تجاه الفقيد أو الفقيدة، دون سابق صلة أو معرفة، وتلقائيا يتجاوب مع الوصية دعاء له أو لها بالرحمة والجنة والغفران.... هل السبب لأن سرادق العزاء أصبح اليوم وكأنه ملتقى أو منتدى للمعزين، نراهم عند دخولهم إليه، وقد ارتسمت على الوجوه مسحة من الحزن والأسى، وهم يصافحون أهل المرحوم أو المرحومة المصطفين لتلقى العزاء، ويتكرر نفس المشهد عند الخروج والانصراف من السرادق، أما فيما بين وبين، فحدث ولا حرج، فالمشهد متناقض تماما، حافل بالسلامات والأحضان والقبلات، وتبادل أحاديث وحوارات، وتبادل الشائعات، بل وقد تعقد صفقات وتجرى توصيات ووساطات! وكثيرا، ما يستفز الضجيج المقرئ، وهو مستغرق فى التلاوة، ليتوقف هنيهة وينبه إلى قوله تعالى فى سورة الأعراف: «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون» فيتوقف البعض إلى حين، بينما يستمر آخرون فيما هم فيه!. وقد يكون السبب فيما أوصى به المتوفى أو المتوفاة، هو انهما أرادا أن يجنبا المعزين مشقة الحضور فى خضم الأزمة المرورية الخانقة، خاصة مع ارتفاع أسعار الوقود، علاوة على غوغائية بعض السائقين، وتعذر العثور على مكان لركن السيارة... إلخ، بينما الونش بصوته الجهورى المزعج يهدد ويتوعد، وقد يكون هناك سبب آخر مهم يبعث بالمزيد من الاحترام والإجلال والتقدير، وهو أن مراسم العزاء وإقامة سرادقات أصبحت باهظة التكلفة والمصاريف، وأولى بها هؤلاء الذين أوعزتهم الحاجة إلي لقمة عيش تشبع، أو بلسم دواء يشفى، أو سقف سكن يؤوى مسكينا محتاجا يلتحف بالسماء. وكثيرا ما يتساءل المرء هل إقامة سرادقات العزاء، أمر أوجبه الشرع والدين أو السنة أم لا؟! وإذا لم يكن كذلك فلماذا لا تكون هناك توعية من رجال الدين والإعلام للحد منها، تخفيفا من المعاناة والاستفادة من النفقات الباهظة، لصرفها فى أوجه الخير على روح المتوفى أو المتوفاة، عونا ومساعدة للفقراء والمساكين وذوى الحاجة، وما أكثر هؤلاء وأولاء فوق أرض الكنانة؟!. جلال إبراهيم عبد الهادى مصر الجديدة