كثيرة هي المصطلحات التي غادرت مواقعها واخرجت من سياقاتها بفعل التطور سواء كان علميا او اجتماعيا وسياسيا، والفاشية لم تعد اسيرة معناها الدقيق كما هي السادية والماسوشية والنازية والمكارثية، وقد وجدت هذ الاوضاع في التاريخ منذ بواكيره لكن تحت اسماء اخري، فالتعصب ليس وليد عصرنا وكذلك التلذذ بالتعذيب وفقه السطو علي اختلاف اساليبه، والامبراطوريات التي سادت ثم بادت كانت تتمدد بفضل فائض القوة وشهوة التوسع، لكن ما اعنيه بجذور التعصب بالمعني الذي نتداوله اليوم هو سعي مفكرين وفلاسفة واباطرة في التاريخ الي تصنيف الشعوب في خانات، بحيث تحكمها تراتبية عرقية، وبالرغم من ان علماء الانثربولوجيا برهنوا علي بطلان هذه الاطروحة، الا ان ظلالها مستمرة، فقد تخلو منها الدساتير المكتوبة لكنها ذات نفوذ من خلال عرف موروث، والمثال الذي غالبا ما يرد في هذا السياق هو الواسب الامريكي، اي الرجل الابيض البروتستانتي، والانجلوساكسوني، وهذا النموذج يهجع احيانا ويتعرض لتدجين ديموقراطي بحيث يفوز في انتخابات الرئاسة الامريكية رجل اسود كيني النشأة ومن اسرة اسلامية هو اوباما ، الذي قال عنه الاستاذ هيكل يأنه ينتسب الي عائلة افريقية مسلمة اسمها ابوعمامة، وتم تحوير الاسم بحيث اصبح علي ما هو عليه الان وهو باراك اوباما . ويضم الملف الاستشراقي خصوصا الفرانكفوني والانجلوساكسوني صفحات سود تم الحكم فيها علي شعوب العالم بشكل جائر بحيث كانت ثقافة الاستشراق في الحقبة الكولونيالية من مبررات السطو والتمدد وامتصاص دماء ونخاع الشعوب عديمة الحول والقوة في ذلك الزمن، وينسب الي مستشرق انه قال بأن الدماغين العربي والفرنسي اذا طبخا في اناء واحد فإن الحساء سوف يتجمع حول كل منهما بطريقة مختلفة، وحين زار المستشرق طومسون لبنان وشاهد شجرة الصبير، وحاول ان ينقبها من البذور ، وما ان انتهي من ذلك حتي قال ان الدماغ العربي يشبهها فهو ليس سوي هلام يحيط بالبذور التي يجري التخلص منها ! وقد سبق هؤلاء مستشرقون من طراز ارنست رينان الذي أنكر علي العرب اي دور في تاريخ الفلسفة وهذا ايضا ما قاله دي بور حين اعتبر واحدا من اهم شعراء والعرب والذي اطلق عليه لقب فيلسوف الشعراء وهو أبو العلاء المعري مجرد ثرثار، حتي العلماء ومنهم جابر بن حيان تعرضوا لانكار وجودهم اصلا، هذا اضافة الي حمولة كبيرة من المزاعم التي اثبت العلم بطلانها حول التفوق العرقي وثنائية العقل السامي والاري، وهذا شجن مزمن يطول الكلام فيه، لكن ما استوقفني هو كتاب حمل عنوان » روح الشعوب » لمؤلفه اندريه سيغفريد والذي كرّسه مؤلفه المولود في فرنسا عام 1875، لكن الكتاب صدر عام 1956 اي عام الحسم في تاريخنا العربي وهو عام العدوان الثلاثي علي مصر، تبعا لمنهج المؤلف ورؤياه، فان ارقي ما عرف البشر من حضارات هي اللاتين والانجلوساكسون والالمان والروس واخيرا الامريكيون، وحين حاول البحث عن التحولات التي طرأت علي تلك الشعوب بعد الحربين العالميتين في القرن الماضي وجد أنها لم تتغير لأن لها طبائع ثابتة واخطر في هذه الاطروحة أنها تنكر دور التاريخ والتطور في تغيير انماط التفكير والسلوك لدي البشر، وهذا ما اعتمدته الصهيونية منهجا حين قال روادها انها عاشت رغما عن التاريخ وليس بفضله وذلك ردا علي ما قاله كارل ماركس وهو ان اليهود عاشوا بفضل التاريخ وليس رغما عنه، والارجح ان مصطلح روح الشعوب يعود الي جذر الماني ومعناه الدقيق السّمات القومية الثابتة والخاصة بكل شعب، وبالطبع لم تعدم النازية ما يبرر مزاعمها في مرجعيات فكرية ألمانية، ومن هنا كانت اعادة قراءة الفيلسوف مارتن هايدجر تستهدف البحث عن هواجس التفوق، وكذلك كتابات الفيلسوف فريدريك نيتشة حول السوبرمان ولم يسلم حتي الموسيقار فاجنر من هذا الالتباس، لكن ما يهمنا من هذه الاطروحة او ظلالها في الغرب المعاصر، هو ما ادي اليه الارهاب الذي يرتدي قناعا اسلاميا او بمعني ادق اسلامويا من ردود افعال في الغرب، خصوصا بعد استهدافه دور عبادة وحفلات موسيقية وفعاليات ثقافية ومتاحف ودور علم، فقد اتاح هذا الارهاب الذي يذبح الاسلام من الوريد الي الوريد باسم الدين لمن ورثوا الثقافة الاستشراقية ان يجدوا المناخ الملائم للخروج من القمقم، بحث اوشكت هوية التطرف والارهاب ان تصبح عربية اسلامية، رغم انها ليست كذلك، فالارهابيون من مختلف الجنسيات والثقافات واللغات لكن البوتقة التي يتم صهرهم فيها ملفقة من فِقْه اعمي وبالعودة الي روح الشعوب، نتساءل هل كانت الالفيات السّبع علي الاقل من تاريخ الانسانية حكرا علي خمسة شعوب هي التي ذكرها المؤلف في كتابه ؟ وأين اختفت حضارة مصر القديمة وحضارة الرافدين وسائر حضارات الشرق ؟ وهل قرأ صحفي امريكي هذا الكتاب وتشبع به حين قال ان العرب ليس لهم علاقة برقائق الكمبيوتر بل برقائق البطاطا او الشيبس !! وهل كان تصنيف جورج بوش الابن للبشر علي انهم اخيار واشرار فقط يعني ان الاشرار هم الذين لم يرد ذكرحضاراتهم في الكتاب ؟ الاسئلة لا آخر لها في سياق كهذا، لكن الواقع لا يعبأ بالرغائب, كما يقال، فالحضارة المصرية القديمة بمنجزاتها سواء كانت عمرانية او فلسفية بدءا من الاهرام وكتاب الموتي ، منجم شبه اسطوري ولا ينفد لمؤرخين من مختلف القارات . وهناك اطروحات مضادة للتفوق الغربي اللاتيني والانجلوساكسوني بالتحديد، كالتي قدمها ارنولد توينبي الذي التقاه الزعيم الراحل عبد الناصر في ذروة الاحتدام مع بريطانيا وسمع منه اعترافات بفضل الشرق علي الغرب. ان الظهور الخجول الي حدّ ما لفلول الفاشية في الغرب احد اسبابه وربما اهمها الارهاب المتأسلم، من هنا كانت الدعوة الي تجديد الخطاب الديني او بمعني ادق تحديثه بمثابة الدفاع عن جوهر جري تهريبه وتجريف محتواه . ومن وصفوا العقل العربي بأنه ما قبل منطقي ، ولا يدرك الكليات لأنه حبيس الجزئيات عليهم ان يعتذروا لعلماء عرب نالوا اعظم الجوائز والاعتراف بالفضل من الولاياتالمتحدة ومجمل دول الغرب المعاصر !! لمزيد من مقالات خيرى منصور;