«الإخوان قادرون على أن يصلوا للحكم ويقيموا دولتهم لكن عيبهم الوحيد انهم مستعجلون».. كانت هذه كلمات القيادي الإخواني عمر التلمساني، أحد أعمدة الجماعة ومرشدها الثالث، الذي أعاد تنظيم صفوف الإخوان بعد «محنة السجون» التى استمرت قرابة ربع قرن من الزمان، وكانت خطته تعتمد على تغلغل الإخوان داخل كل مؤسسات الدولة تمهيدا للسيطرة على الحكم، وهو ما ظهر في الانفتاح والانتشار القوى التى شهدته الجماعة في عهده. لم تكن هذه الخطة بدعة مستحدثة من التلمساني، سبقه إليها حسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، وسار على نهجه المستشار حسن الهضيبي، المرشد الثاني، لكن عيبهم الوحيد كما ذكر التلمساني هو التسرع والاستعجال في الوصول للحكم ما أوقعهم في خلافات مع الأنظمة الحاكمة والقوى السياسية، أودت بهم إلى السجن والحظر. وقع المعزول محمد مرسي في خطأ البنا والهضيبي، عندما سعى في بداية حكمه عام 2012 إلى تمكين الإخوان في جميع قطاعات الدولة المختلفة فيما سُمي بمصطلح «أخونة الدولة»، الأمر الذي أثار سخط الشعب وأدى إلى عزله من الرئاسة بعد عام من الحكم. يتمتع الإخوان بقدرة فائقة على التنظيم والتغلغل، وإن كانت هذه القدرة تقلصت حاليا نظرا للحصار الذى تعرضت له الجماعة أخيرا بعد عزل «مرسي»، إلا أن هذا لا ينفى وجود هذه القدرة التى مازالت قائمة، ما يجعلنا نتساءل: هل يعود الإخوان للمشهد عن طريق الجهاز الإداري؟، وكيف تتم مواجهة هذا التغلغل داخل مفاصل الدولة؟ وهل نحتاج إلى تشريعات وقوانين يسنها البرلمان لمواجهة هذا الخطر الذى يهدد بنيان المجتمع مع ظهور الجيل الثالث لجماعة الإخوان الإرهابية؟. الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أنه يجب التسليم بداية بوجود عناصر الجماعة الإخوانية فى بعض القطاعات بمؤسسات الدولة والجهاز الإدارى، خصوصا التى تتعامل مع الجماهير ومنها بعض الوزارات الحيوية التى تهم ملايين الأسر مثل وزارة التربية والتعليم وبعض الوزارات الخدمية الأخرى، وهذه العناصر تتبنى الفكر الإخوانى ولن تحيد عنه، وتستمر فى إرسال ونقل رسائل الإحباط، ولا تتوانى فى تأكيد على فشل بعض مؤسسات الدولة فى إنجاز المهام المنوطة بها، رغم حجم الإنجازات التى تتم على الأرض فى ظل تركة ثقيلة على مدى ثلاثين عاما مضت. وأكد فهمى أنه من الضرورى التعامل بحزم مع هذه العناصر وكشفها وتحييد دورها وهو ما حدث فى حالات مشابهة فى تجارب التحول السياسى والتنموى فى بعض الدول فى أمريكا اللاتينية، التى شهدت تحولات سياسية وأيضا فى جنوب شرق آسيا، التى شهدت إصلاحات سياسية واقتصادية وتنموية كبيرة، وأوضح فهمى أن الحل ليس أمنيا فقط بل يجب أن تعمل معها حلول اجتماعية للكشف عن هذه البؤر الإخوانية والمتعاطفين معها خصوصا أن المرحلة القادمة تحتاج إلى الكشف عن الشخصيات التى تتبوأ مناصب قيادية فى الجهاز الإدارى للدولة. ويرى ثروت الخرباوى دون تضخيم فى جماعة الإخوان الإرهابية لكنهم يعملون على الانتشار فى كل مواقع الدولة منذ أن خرجوا من السجون عام 1971 حتى الآن، حيث استطاعوا بالتوافق مع نظام الرئيس الراحل أنور السادات على العودة إلى أعمالهم السابقة قبل سجنهم، ومن بعدها أصبح هناك قانون داخل الإخوان أن كل شخص ينتمى لجماعة الإخوان يصل لموقع قيادى فى مؤسسات الدولة عليه أن يقوم بتعيين عدد من الإخوان فى الوزارات والمؤسسات وكانت أولى هذه الوزارات التربية والتعليم، والتعليم الجامعى وجامعة الأزهر بهدف نشر أفكار الإخوان فى الشباب وتربية أجيال مهيأة لاستقبال أفكار الجماعة ومن ثم يسهل تجنيدهم، ولم يقف الأمر عند ذلك فقط بل كانت النقابات المهنية وأيضا وزارة الإعلام وماسبيرو والبترول والمالية والكهرباء وغيرها مستهدفة. ويرى الخرباوى أن خطورة هذا الأمر تكمل فى أنهم يتعاملون مع الجمهور بشكل طبيعى وعندما يتلقون أوامر من قيادات الإخوان بتعطيل مصالح الناس أو استنزاف موارد المؤسسة التى يعملون بها أو القيام بأعمال تخريبية مستترة فى المخازن أو غيرها، وطالب بضرورة سن تشريعات وقوانين تستهدف تطهير الجهاز الإدارى للدولة من الأشخاص التى يثبت بأى وسيلة أنهم ينتمون لكيانات الإخوان الإرهابية أو غيرها من الجماعات المتطرفة وهذا يتفق مع القانون والدستور. ويتفق الدكتور سعد الزنط، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والاتصال، فى أن خطورة تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية الآن أكبر مما مضى، رغم انكساراتهم الظاهرية فى الجيل الأول لأن هناك الجيل الثانى والثالث الذي يمثل خطورة أكبر من الأجيال السابقة لأن فكرهما الدموى أعلى من فكرهما السياسى الذى كان يتمتع به الجيل السابق. وأوضح الزنط أن هناك خطأ شائعا عن تقدير نسبة الإخوان فى المجتمع فهناك المنتمون للجماعة، وهناك المتعاطفون معهم، وهناك السلفيون والجماعة الإسلامية، فكلهم خرجوا من رحم واحد ومنبت واحد والأهداف النهائية واحدة وخطورة هذه الجماعة على المجتمع فى رفضهم الآخر، وهذا الرفض مرتبط بعقيدة تكررت محاولة إذابتها وفشلت، فهم يعتبرون الآخر أيا كان، مسيحى أو حتى من المسلمين غير المتماهين معهم فى الفكر خارج دائرة الإسلام الصحيح، والخطورة الثانية على البنية السياسية، فالهدف النهائى لهم السعى إلى السيطرة على نظام الحكم وإقامة نظام من وجهة نظرهم دينيا خالصا لا يرتبط إطلاقا بالدولة الحديثة، فهم لا يؤمنون بمسمى الدولة أو الوطن بحدوده الجغرافية والتاريخية التقليدية بل يعون إلى دولة الخلافة، ويؤكد الزنط أنه لا حل سوى المواجهة مع هذه الجماعة وضرورة توافر إرادة دولة وشعب وحشد إعلامى وشعبى واعتباره مشروعا وطنيا الهدف منه ليس التخلص من هؤلاء الخارجين عن الاصطفاف الوطنى بقدر ما هو تطهير فكرهم وإعادتهم إلى الرشد الوطنى وقطع الطريق على خلق أجيال جديدة ينتمون لهذا الفكر المتطرف بدوره قال النائب محمد أبو حامد، عضو مجلس النواب، إن الإخوان متغلغلون بشكل قوى داخل مؤسسات الدولة وجميع الوزارات باستثناء وزارة الدفاع لما لها من طبيعة عسكرية تمنع دخول مثل هذه العناصر، مؤكدا أن الإخوان ينتظرون الفرصة للعودة مرة أخرى للمشهد بعد إعادة بناء صفوفهم. وأضاف «أبو حامد» أن الدولة لم تستطع حتى الآن تفكيك الجماعة والقضاء على توغلهم المؤسسي بشكل نهائي بدليل نشاطهم المهني والنقابي والطلابي الذي مازال مستمرا، مشيرا إلى أنه يعد مشروع قانون لتطهير مؤسسات الدولة من الإخوان عن طريق العزل وتطبيق عقوبة انضمامه لجماعة إرهابية محظورة. وأوضح أن القانون سيتعرف على الموظفين الإخوان عن طريق تقارير الأجهزة الأمنية التي ستثبت إذا كان الموظف أو العامل منضم لجماعة الإخوان أم لا، فإذا ثبت انضمامه أُحيل الأمر للقضاء وطُبق عليه القانون والعقوبة اللازمة. بينما يرى خالد الزعفراني الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إن تغلغل الإخوان داخل الجهاز الإداري لن يشكل خطرا على الدولة ولن يعيد الإخوان مرة أخرى، مؤكدا أن الخطر الحقيقي يتمثل في وجودهم السياسي لا الإداري. وأوضح «الزعفراني» أن نظام حسني مبارك سمح للإخوان بممارسة نشاطهم السياسي داخل الدولة، وارتقاء المناصب ودخول النقابات المهنية، فضلا عن السماح لهم بالدخول في الحياة النيابية والترشح في انتخابات مجلس الشعب ودخول المجلس، حيث كان لهم تواجد سياسي قوى على الساحة بعكس الآن. سامح عيد، الباحث السياسي، أكد أن التغلغل والانتشار داخل أجهزة ومؤسسات الدول جزء من منهج وخطة الإخوان للوصول إلى الحكم تحت مسمى (الدعوة إلى الله). وأضاف عيد أن الإخوان يسعون لشغل الوظائف الحكومية والتغلغل داخل أجهزة الدولة. كما يسعى أفراد الجماعة إلى إلحاق أولادهم بالكليات العلمية كالطب والهندسة بعيدا عن الكليات النظرية الأخرى وذلك ليتمكنوا من الدخول إلى القطاع الحكومي وتبؤ أماكن ومناصب حساسة تمكنهم من السيطرة وفرض نفوذهم فيما بعد، مضيفا أن فكرة «الإقصاء الكامل» ليست الحل نهائى لكن يجب أن ترافقها المواجهة الفكرية وإعادة النظر فى المناهج والعلوم الأساسية وإضافة مناهج مقارنة الأديان فى التعليم الثانوى لتغيير نظرتهم للعقيدة والتعامل مع الآخر.