وضمن ما سجلت من ملاحظات عما حفل به التليفزيون خلال رمضان، كانت واحدة تتعلق ببرامج الطهي، إذ قدم لنا أحد تلك البرامج يوميا شيف مصري يقوم بإعداد الطعام، وتصاحبه في الظهور واحدة من المذيعات في حين تتعاقب عليه مذيعة في كل يوم. والحقيقة أنني لم أفهم تلك الصيغة رغم أن لها مثيلا في برامج الخارج، فعند الأجانب يعرف المذيع أو المذيعة حدودهم ولا يتدخلون إلا بمقدار. ولكن في الحالة المصرية وجدت الشيف وهو شخص ظريف وخفيف الدم بجوار مهاراته الكبيرة في الطهي.. تتناوب عليه مذيعات القناة ويقتصر دورهن علي المقاطعة السخيفة المستمرة للشيف، ومحاولة جذب انتباهه وتشتيته بأسئلة ليس لها معني أو بنفاق الشيف المبالغ فيه حتي يعطيهن فرصة لاستعراض تفاهتهن وتعلية أصواتهن بغية السماح لأنفسهن بمزيد من المقاطعة، أو تأدية العمل الوحيد الذي يجيدونه في هذا الموقف وهو التقليب في الحلل والتظاهر بالانهماك المغالي فيه. هؤلاء المذيعات تبدين متطفلات سخيفات إلي أبعد حد، ووجودهن في المشهد مقحم لا معني له سوي تقليد البرامج الأجنبية دون احترام فكرة مراقبة الآخر وبرامجه والتعلم منها أو حتي إجادتهن للطهي. وفي كثير من الأوقات لاحظت أن الشيف لا يرد علي ملاحظاتهن إطلاقا، لأن الرجل يبدو قد يئس من محالة السيطرة علي جنوحهن الجارف للظهور، بينما كانت المذيعات تمضين إلي الحديث عن إعجابهن بمهارة الشيف في تفصيص الثوم أو تقطيع الخضار بسرعة، أو التظاهر بإعجابهن بأم الشيف التي يذكرها دائما كصاحبة الفضل في تعليمه مهنته، ويندمجن أكثر في نفاق الشيف فيدعون لأمه التي لا يعرفنها بتأثر حقيقي وانفعال.محاولة زرع هؤلاء المذيعات مع الشيف هي نزوع إلي خطف وسرقة مجهود الرجل أو مساحته المستحقة للظهور ودفعه مضطرا إلي مجاراة موقف لا يمكن التماشي معه فيبدأ في مداهنة المذيعة ومحاولة خلق دور لها عسفا في موقف هي أصلا مقحمة عليه.الموهبة لا تحتاج إلي وسيط بين الموهوب والجمهور، وبالذات إذا كان هناك جمهور حاضر في الاستوديو، وينبغي أن يكون ذلك الجمهور حقيقيا يتفاعل بجد مع الشيف وليس بتعليمات المخرج والمعدين.أريد من كل طباخ تتفق معه قناة علي الظهور فيها أن يفرض شروطا تحمي إبداعه بحيث لا تقاسمه فيه مذيعة أو تختطفه منه. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع