جُبلت الفطرة البشرية على جعل المناسبات فرصة لإظهار الفرح والسرور والبهجة، فكانت سُنَّة الناس منذ القدم وإلى يومهم هذا تخصيص أيام للاحتفال والاجتماع وإظهار الفرح لإحياء ذكرى مُناسَباتٍ أو أحداث وقعت في مثل تلك الأيام، كأيام النصر والمناسبات الدينية والاجتماعية. ولقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكةالمكرمة على ذلك، وبعد الهجرة الشريفة وجد أهل المدينةالمنورة على ذلك، فشهد لها صلى الله عليه وسلم بالاعتبار من حيث أصل الفكرة، فأباح اتخاذ المناسبات عيدًا تحصيلا لمزاياها القومية والاجتماعية والدينية، خاصة تلك الأيام المرتبطة بشعائر الإسلام كيوم الجمعة ويومي الفطر والأضحى. ويشتق العيد لغة من العود، بمعنى الرجوع والتكرار، والأصل في مشروعيته ما رواه أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر»(سنن أبي داود). والعيد في الإسلام له شعائره المخصوصة به كابتداء هذا اليوم المبارك باجتماع المسلمين في مكان واحد يُكبِّرون ويهللون شكرًا لله تعالى على نعمه، ثم يؤدون صلاة العيد ويستمعون إلى خطبة الإمام، ويكثرون فيه من تبادل التهاني والتزاور بين الأهل والجيران، مع العطف على إخوانهم الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات، ومن ثَمَّ يكون المسلم قد جَمَعَ في هذا اليوم بين اتصاله بالله تعالى من خلال العبادة، والاتصال مع الخلق من خلال التراحم والتكافل. ويتميز عيد الفطر بميزات خاصة، فالمسلم يشعر في هذا اليوم المبارك بفرحتين عظيمتين لهما أثر كبير في حياته وآخرته، وهما: فرحة أداء ركن من أركان الإسلام الخمسة وهو الصيام، وفرحة اليقين بجزيل الأجر وحسن الجزاء من الكريم المتعال، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ». وليلته تسمى بليلة الجائزة لما يعقبها في الصباح من توزيع أجور الصائمين، لذا استحب العلماء إحياءها بالذكر والصلاة والتلاوة والتكبير والتسبيح والاستغفار، لما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلتي العيدين محتسبا لله، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(سنن ابن ماجه)، والمراد بموت القلوب حب الدنيا. ويحصل أصل قيامها بصلاة العشاء فيها جماعة والعزم على صلاة الصبح كما ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وتتأكد النظافة في هذا اليوم، فيستحب من المسلم الاغتسال والتطيب قبل صلاة العيد، كما يستحب لبس الثياب الجديدة وتحسين الهيئة، فقد ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد.. وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار»(المعجم الكبير للطبراني). وليسارع من لم يخرج زكاة فطره بإخراجها قبل الصلاة، وهي زكاة يجب إخراجها على المسلم قبل صلاة عيد الفطر بِمقدار محدد - صاع من غالب قُوتِ البلد- على كُلِّ نَفْسٍ تلزمه نفقتها، ويجوز إخراج قيمة ذلك نقودا، بل هو الأولى في عصرنا هذا، ولا مانع شرعًا من تعجيلها من أول دخول رمضان، كما هو الصحيح عند الشافعية؛ أو في أي يوم من رمضان، لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان والفطر منه، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر، بل ويمتد وقت الأداء لها عند الشافعية إلى غروب شمس يوم العيد، ومن لم يخرجها لم تسقط عنه وإنما يجب عليه إخراجها قضاء. وبذلك غرس الإسلام في نفوس أتباعه المعاني الفاضلة التي تجعل العبادة مناسبة حقيقية لمراجعة صادقة مع النفس، وعادة متكررة تغذي في القلوب صلة الأرحام والتئام العلاقات والأواصر بينهم، فتتصافى القلوب وتتصافح الأيدي وتتبادل التهاني مما يُدخل البهجة والسرور على النفوس والأرواح. صوم مقبول وأجر موصول وعيد مبارك سعيد على مصر والأمة العربية والإسلامية. لمزيد من مقالات د. شوقى علام