بدأ العد التنازلي لختام رمضان، ونستقبل ليلة السبت، آخر ليلة وِترية، هي ليلة التاسع والعشرون منه، التي يُؤمَّلُ أن تكونَ ليلة "القدر"، التي هي "خيرٌ من ألف شهر"، (أكثر من ثلاثة وثمانين عاما)، بحسب تعبير القرآن الكريم. وفي الدعوة إلى الاهتمام بخواتيم الأعمال، جاء في صحيح البخاري، من حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار. الأعمال بالخواتيم". وفي رواية للإمام أحمد في المسند (صححها الأرناؤوط): "وإنما الأعمال بالخواتيم"، أي بخواتيمها. كما رد في مسند الإمام أحمد أيضا، وصححه الأرناؤوط والألباني، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته. قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه". وفي دعاء الصالحين: "اللهم ارزقني حسن الخاتمة". وإذا كان "رمضان" أوشك على الانتهاء فإن العمل الصالح لا ينقضي بانقضائه، إذ لا تنقضي حياة المرء إلا بالموت. قال تعالى: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ".(الحجر: 99).(أي: الموت). قال القرطبي: "المراد استمرار العبادة مدة حياته"، كما قال العبد الصالح: "وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً". والأمر هكذا، يحرص المسلم الحق؛ على دوام الطاعة، وعدم انقطاعها، سواء كانت الصدقة أو قيام الليل أو قراءة القرآن أو الاعتكاف بالمساجد أو العطف على الفقراء والمساكين، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الجهاد في سبيل الله بأشكاله كافة، أو التماس الرزق الحلال، وغيرها من الأعمال الصالحة. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: "سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ". (رواه البخاري). ومن أسف أنه بمجرد اختتام رمضان، ينقلب البعض على عقبيه، فلا يكتفي بالتفريط في الطاعات التي اكتسبها طيلة الشهر، لكنه قد يعود إلى ارتكاب المعاصي، وربما مع أول ليلة لشهر شوال (ليلة عيد الفطر)، مخالفا بذلك قول الله تعالى: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". (البقرة:185). ومعناها، في قول الجمهور: "الحض على التكبير في آخر رمضان". وجاء في الأثر: إن من ثواب الحسنة الحسنةَ بعدها، وإن من عقوبة المعصية المعصيةَ بعدها. كما أن الانتقال من الطاعات إلى المعاصي نذير بعدم قبول الله تعالى للطاعة الأصلية، إذ تنقلب شؤما على صاحبها. وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: "رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ، وَالنَّصَبُ". والأمر هكذا، لا بأس بالفرح في العيد، سواء بإكمال العدة، أو إتمام الصيام، لكنه الفرح المشروع، بفضل الله وبرحمته، الذي لا يكدر صفوَه مجون عابث، ولا إنفاق محرم، ولا تفريط في "جنب الله". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;