الاختلاف محمود في أمور كثيرة لأنه يثري الآراء, ويعدد الرؤي, ويشجع أجواء الاجتهاد.. ولكننا كرهنا جميعا هذا الاختلاف عندما شعرنا بأننا نتخبط ونتردي بسببه في الظلمات.. نتابع فلا نفهم.. ونقرأ ولا نعي.. ونسمع ولا نقتنع.. فهؤلاء فقهاء دستوريون.. وأولئك فقهاء قانونيون.. وما بينهما الكثير والكثير من الخبراء والمحللين والمفسرين.. يطالعوننا ليل نهار أحدهم ينفعل رافضا.. وآخر ينفعل مؤيدا.. ولا نعلم هل يحتمل حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب, أو حكم رئيس الجمهورية بإعادته, كل هذا الاختلاف في التفسير والتأويل, أليست النصوص القانونية واضحة وثابتة ولماذا نسمع كلاما ونقرأ عكسه!! الحقيقة أن اختلاف فقهاء الدين رحمة.. ولكن اختلاف فقهاء القانون جعل الشعب كله في عذاب. اختلاف وجهات النظر في الموضوعات القانونية أمر ليس بجديد, فهو من قبيل المبادئ الني ندرسها للطلاب في كليات الحقوق, لندربهم علي كيفية إعمال العقل في الاختيار والتفسير.. ولكن مايحدث الآن من اختلافات حول الأصول المستقرة وليست الفرعيات أمر أصبح مستفزا للغاية حسبما قال لنا الدكتور نور فرحات الفقيه أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة الزقازيق, والذي يضع لنا تفسيرات لما اسماه تطاول الفقهاء السياسيين علي الأحكام القضائية, فإذا كان لمصلحتهم يرحبون به ويثنون عليه, وإن لم يكن في مصلحتهم هاجموه وهاجموا المحكمة التي أصدرته, وأهالوا التراب علي السلطة القضائية, فرجال السياسة للأسف زجوا بأنفسهم في علم القانون, وأصبح كل شخص ينتمي لطريق سياسي معين يرغب في تطويع تفسيرات القانون وأحكام القضاء لمصلحته الشخصية ولتوجهه السياسي. ووجه الدكتور نور فرحات إتهاما صريحا لبعض الفقهاء القانونيين بأنهم تابعون للأحزاب السياسية, وأن منهم من يقدم عربونا للسلطة الجديدة طمعا في أي منصب أو منفعة, أما ما يستطيع المواطن المصري أن يفعله ليخرج من دائرة التخبط إلي دائرة الفهم فنصيحة الدكتور فرحات دارت حول معني الحديث الشريف:( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات..) مضيفا: علي المواطن أن يبحث عن تخصص ومؤهل من يفسر ويحلل ليري هل يقبل مايقوله أم يرفضه, والشعوب بصفة عامة تتعلم بالتدريج ومع الوقت فيمن تضع ثقتها. هل المشكلة في النص القانوني أم في التفسير وهل نحن بحاجة لوضع نصوص قانونية مستقبلا واضحة المعاني والدلالة عن الموجودة حاليا؟ إجابة المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة كانت نافية لوجود غموض في النص القانوني وإن كان ذلك لا يمنع الاعتراف بأن القانون( حمال أوجه) وبالنسبة للمادة49 من قانون المحكمة الدستورية رقم48 لسنة79 فهي تنص وبوضوح علي الآتي:( أحكام المحكمة في الدعاوي الدستورية في قراراتها ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم). ويضيف أنه حال حدوث منازعة حول تفسير أو فهم نص قانوني, فهناك مختصون داخل المحكمة يدرسون الأمر, وليست هذه الدراسة من اختصاص العوام أو بعض الجاهلين بالقانون الذين تبرزهم وسائل الإعلام, والذين ينقصهم العلم بالأصول القانونية الصرفة, فالقانون علم ومهنة وله قواعد في التفسير والتأويل, ويري د. العطار أن الإعلام مسئول بشكل أساسي عن الترويج لما اسماه فقهاء المقاهي, ويحذر من تبعات مايقوله هؤلاء علي أحوال البلد التي كانت علي وشك الاستقرار بعد وجود رئيس منتخب للبلاد, وتأثيرها السلبي كذلك علي ثقة الكثيرين في القضاء, وكذلك علي الحركة الإسلامية التي بدت لدي البعض في صورة من يسعي للقفز فوق القانون, ويضيف: الكل يخرج خاسرا من هذه الفوضي القانونية, والواجب علي أصحاب المصالح الشخصية الابتعاد عن تأويل القانون ومحاولة تطويعه لمصلحته أو مصلحة فريقه. الإعلام الخاص مغرض ولأن أصابع الاتهام أشارت بقوة إلي الإعلام... ولأن كل مانسمعه من اختلافات وتضاربات تصل إلينا من القنوات الإعلامية مطبوعة أو مرئية فكان لابد أن نسأل عن تشخيص الحالة الإعلامية, الدكتور عادل عبد الغفار أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة ينضم إلي قائمة المهاجمين للدور الإعلامي في قضايا القانون وأحكام القضاء واصفا إياه بالآتي: أنه إعلام متربص يسعي لتهييج الرأي العام, ويدعم الانقسام بين فئات المجتمع, ولا ينظر للمصلحة العامة, ولا يركز علي المشترك بين القوي السياسية, ويؤجج الصراع بين مؤسسات المجتمع كالصراع بين السلطتين القضائية والتنفيذية, وباختصار وبكل أسي يضيف محدثنا: الإعلام بهذه الصورة سيؤدي إلي حرق الوطن!! أما الحل كما يراه د.عبد الغفار فيكون في إعادة الإطار الأخلاقي والمسئولية المهنية إلي الإعلام الخاص الذي يعمل حاليا دون كود مهني محترم,ونظرة واحدة إلي أنماط الملكية في الفضائيات والإعلام الخاص تجعلنا نكتشف بسهولة من الذي يوجه كتيبة الإعلام من معدين ومقدمين للبرامج, فمن يملك هذا الإعلام له مصالح في الداخل والخارج وهو يبحث لاستخدام البوق الإعلامي الذي يملكه لخدمة مصالحه بالدرجة الأولي, بالإضافة لوجود شكوك حول تمويلات خفية لدي بعض هذه القنوات تساعدها علي الاستمرار رغم خسائرها, كذلك هناك من فريق العمل الإعلامي من يسعي للإثارة علي حساب جودة المضمون وموضوعية التناول, فيختار ضيوفا يتشاجرون ويختلفون بشدة علي الشاشة وأغلبهم مغرض أو غير متخصص, والمخرج للمشاهد الذي يقع عليه عبء كبير في الانتقاء وعدم الاستسلام لسموم الفضائيات, أن يحرص أكثر علي متابعة المواد الإخبارية لكونها بعيدة عن التلوين والتوجيه, وأن يحاول اكتشاف الأقلام المغرضة والبرامج الكاذبة ليقاطعها وهو قادر علي ذلك بخبرته وطبيعته, ولكن ذلك لا يمنع ضرورة التدخل لترشيد أداء الإعلام وتقييم ومتابعة عمله, ذلك أننا في مصر لدينا فعلا نقص تشريعي في هذا الجانب لدرجة أننا لا نتأكد من الالتزام بمضمون الرخصة الصادرة, ولا نعرف كيف نتعامل مع الخارجين علي المهنية الإعلامية.