في الوقت الذي انشغلت فيه مصر بانتخابات الرئاسة التي ترسم وتحدد معالم حاضر ومستقبل مصر والذي يطمح المصريونفيه إلي التحول إلي الديمقراطية والعيش بحرية وكرامة وحصاد ثمار ثورة25 يناير, كانت قطر علي موعد مع إحدي الفاعليات التي تسعي إلي ترسيخ ثقافة الحوار البناء وتبادل الأفكار والرؤي في العالم العربي. . فقد شهدت قطر في الفترة الأخيرة إحدي أهم حلقات برنامج الحوار الشهير مناظرات الدوحة والتي ناقشت حرية التعبير والفكر والفنون والإبداع في عالمنا العربي وخاصة في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة التي تتلمس طريقها نحو الديمقراطية وترسيخ مجتمع الحريات والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان. وقد كان النقاش في مناظرات الدوحة ساخنا بنفس مستوي سخونة الأجواء في قطر, حيث تجاوزت درجة الحرارة الأربعين واشتدت الرطوبة. ففي جامعة جورج تاون بالمدينة التعليمية بضواحي الدوحة نظمت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع الحلقة الثامنة من مناظرات الدوحة بعنوان هل الرقابة علي الفنون تسفه تلك الفنون؟ والتي تبث عبر تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي وورلد ويديره الإعلامي البريطاني المخضرم تيم سيباستيان. وقد تعرض النقاش إلي الرقابة علي الفنون والإبداع في زمن الربيع العربي والذي ثار فيه بعض شعوب المنطقة من أجل حريتهم وكرامتهم الإنسانية وقد انتصر الحضور لفكرة حرية الإبداع علي اعتبار أن الرقابة هي نوع من فرض الوصاية علي الفكر والفن وتقييد لحرية الإبداع,. وقد أصرت الأكاديمية العراقية الأمريكية ندي شبوط, مؤرخة الفنون ومديرة وأستاذة معهد الدراسات الثقافية العربية والإسلامية في جامعة نورث تكساس بقطر, علي ضرورة احترام الاطار المحلي والحساسية الثقافية, لاسيما في جامعات الخليج التي استحدثت أخيرا برامج لتعليم الفنون الحديثة, علي اعتبار أن الحساسية الدينية والثقافية لايمكن غض الطرف عنها في مجتمعاتنا العربية وحتي في بعض السياقات الغربية مثل قضية العداء للسامية والترويج للفكر النازي علي سبيل المثال. وقد اعتبر بيترفلورنس, مؤسس ومدير مهرجان هاي للثقافة والفنون. وقال: يمكنك قتل الفنان, لكن لايمكنك قتل الفن, فهو يحيا في أذهان الجمهور. وقد كانت نات موللر الناقدة الفنية ومديرة أحد المتاحف والمقيمة في مدينة روتردام بهولندا من أشد المعارضين من بين ضيوف الحلقة الأربعة للرقابة باعتبار أنها تضر بالإبداع وشاركها الرأي الموسيقي وعازف البيانو السوري المقيم بأمريكا مالك جندلي. ورأي مالك- والحائز علي جائزة حرية التعبير عام2011 من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية عن أغنيته الشهيرة وطني أنا والتي انتقم النظام السوري من والديه بضربهما مبرحا بسببها- أن الفن تعبير عن الحياة وأن الرقابة هي حجب للمعرفة التي كفلها الله للإنسان بشكل كامل وغير منقوص أو خاضع للرقابة, حيث كانت أول كلمة في القرآن الكريم هي اقرأ وقد رفض مالك بشدة المنطق الذي يري أن الرقابة تحمي الناس من الصور غير الملائمة, وأوضح أن الطبيعة لاتعرف عدم الاحتشام, لافتا إلي أن عدم الاحتشام موجود فقط في عقول الناس ونحن اخترعناه. ويبدو أن قطر تشغلها في الفترة الحالية ملفات أكبر من مجرد الوقوف عند ملف الفن وحرية الإبداع علي رغم أهميته أو قضية الرقابة التي تمارسها الدولة هناك بصرامة في التليفزيون والإذاعة والصحف والمجلات. فذلك الدور الرقابي ذو دلالة رمزية تعكس رغبة قطر في الحفاظ علي هويتها الثقافية والتقاليد والعادات المحافظة علي رغم تطلعاتها إلي الحداثة واستغلال عائدات ثرواتها من النفط والغاز الطبيعي لتحقيق طفرة اقتصادية كبري وتنمية علي الطراز الغربي سواء في اسلوب العمران مع انتشار ناطحات السحاب والأبراج في أفق الدوحة بدرجة تتصور فيها أنك في نيويورك وليس في دولة ظلت إلي عهد قريب تعتمد علي صيد اللؤلؤ والأسماك والرعي وحرف البداوة والتجارة المحدودة. فقد قررت قطر أن تحقق لنفسها مكانة ربما ينظر إليها البعض باعجاب وينتقدها آخرون لكون طموحات ذلك البلد أكبر من حجمه في التاريخ والجغرافيا ولكنه اعتمد نهجا خاصا في عالم لايعرف سوي روح التحدي والرؤي للمستقبل علي رغم محدودية امكانياته البشرية وصغر المساحة فقد كان الطموح كبيرا والتحديات هائلة لذا فقد تشعبت اهتماماتها من السياسة والاقتصاد والرياضة والإعلام وهو ربما ما ضايق البعض كونه يحاول وينجح ربما فيما يفشل فيه الآخرون. فالمتابع يجد أن قطر تجيد اللعب والعزف علي أوتار سياسية متناقضة تجمع فيها بين أعداء وفرقاء فعلاقتها قوية بالولايات المتحدة بحكم وجود القوات العسكرية الأمريكية في قواعد السيلية والعيديد علي أراضيها وفي المصالح المتعلقة بشركات النفط والغاز وعلي رغم ذلك تجد علاقتها قوية مع إيران بوصفها من أقوي دول الجوار ووجود قطريين من ذوي الأصول الإيرانية ومنهم رجال أعمال ذوي شأن, وتجد قطر أيضا من الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل وفي نفس الوقت تحتفظ بعلاقات ممتازة مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية وتجدها لديها علاقات قوية مع كل الطوائف والتكتلات السياسية اللبنانية سواء حزب الله و8 آذار و14 آذار, كما تجدها تلعب دورا في السودان أيضا. كما أنها لاتقف عند الحاضر بل تنظر بثقة للمستقبل عبر وضع رؤية قطر الوطنية لما ستكون عليه البلاد في عام2030 وتجدها تعلن تلك الرؤية بفخر عبر لوحات ضخمة في قلب العاصمة الدوحة ولعل مصر بمكانتها وامكانياتها وطاقاتها الهائلة سواء البشرية والجغرافية والاقتصادية عقب ثورة25 يناير تحتاج أيضا إلي رؤية واضحة وشاملة للتنمية وإعادة بناء مصر بما يليق بمكانتها وحجمها في التاريخ والجغرافيا رؤية تنقلها إلي عالم أكثر تطورا وازدهارا تجعلها مثل الدول التي حققت طفرات في النمو في كل المجالات مثل تركيا والبرازيل وجنوب افريقيا وكوريا الجنوبية والصين. ومن هذا المفهوم انتقلت رؤية قطر لتحقيق التنمية التي تعود علي مواطنيها بالتقدم والازدهار وتقوم محاور تلك الرؤية علي التوازن بين التحديث والحداثة في نفس الوقت الذي تحافظ فيه علي التقاليد والتراث العربي والإسلامي للمجتمع وتحدد من خلالها احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال المقبلة, والنمو المستهدف ومسار التنمية وحجم ونوعية العمالة الوافدة المستهدفة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها.