تتجه الأزمة القطرية مع الدول الخليجية السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر نحو مسارات متصاعدة فى ظل انتهاج النظام القطرى سياسة التحدى وتعثر جهود الوساطة الإقليمية والدولية. وهناك مجموعة من العوامل الحاكمة لتلك الأزمة والذى سوف تحدد بشكل كبير مستقبلها وتتمثل فى: أولا: مارست قطر بالفعل خلال العقدين السابقين سياسة عدائية سعت من خلالها للعب دور إقليمى يتجاوز بشكل كبير قدراتها الفعلية السياسية والعسكرية والجغرافية والبشرية, واعتمدت بشكل أساسى على القوة الاقتصادية والفائض المالى الكبير الذى تملكه من النفط والغاز والقوة الإعلامية المتمثلة فى قناة الجزيرة, أن تلعب هذا الدور من خلال دعمها التنظيمات والحركات الإرهابية سواء باستضافة قادتها على أراضيها أو دعم وتمويل تلك التنظيمات وتوجيه مسار التفاعلات فى المنطقة بعد ثورات الربيع العربى عبر توظيف دور الفاعلين من غير الدول مثل تنظيم داعش والإخوان المسلمين وحماس وغيرها فى ممارسة الحرب بالوكالة وتدعيم نفوذها عبر المراهنة على التيارات الإسلامية التى برزت عقب تلك الثورات مع انهيار الدولة الوطنية فى الكثير من الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن. ثانيا: ارتكبت قطر بالفعل ممارسات عدائية ضد السعودية حيث تحالفت مع بعض العناصر فى شرق المملكة وتحريضها على حكومتها, وكذلك ضد البحرين وزعزعة الاستقرار فيها عبر تحالفها مع التنظيمات الشيعية والعناصر الموالية لإيران, كما مارست سياسات عدائية ضد مصر واستضافتها قادة جماعة الإخوان المسلمين التى تصنفها الحكومة المصرية كمنظمة إرهابية بعد ارتكابها العديد من جرائم القتل والحرق ضد الأجهزة الأمنية المصرية وضد المسيحيين المصريين, وبالتالى فإن الإجراءات التى اتخذتها هذه الدول الأربع والتى تمثلت فى قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية مع قطر تأتى فى سياق الدفاع الشرعى عن النفس ضد سياستها العدوانية, كما تجسد سيادتها فى اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية أمنها القومى. ثالثا: الإجراءات التى اتخذتها الدول الأربع لاتستهدف الشعب القطرى أو حصاره أو حتى إسقاط النظام, وإنما تستهدف بالأساس ردع هذا النظام وإثناءه عن سياساته التخريبية الداعمة للإرهاب ولحالة عدم الاستقرار فى المنطقة والتدخل فى شئون تلك الدول. كما أن حل الأزمة ينبغى أن يكون فى إطار عربى بما يحافظ على وحدة الصف الخليجى ومنع مجلس التعاون من الانهيار, والكرة الآن فى الملعب القطرى من خلال قيامه بإحداث تغيير جذرى فى سياساته والتخلى نهائيا عن سياسة دعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية ووقف كل أشكال التحريض الإعلامى لقناة الجزيرة التى تحولت لبوق للعناصر المتطرفة, أما المراهنة على عامل الوقت والتراجع التكتيكى لتبريد الأزمة, كما حدث فى أزمة سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين 2014 وتم حلها بعد الوساطة الكويتية واتفاق الرياض الذى التزمت بموجبه قطر بخطوات محددة لم تف بها, فإنه لن يجدى فى حل الأزمة الحالية, ولن تنجح الوساطة الكويتية والعمانية إلا إذا كان هناك تغير فعلى من جانب النظام القطرى. رابعا: المراهنة القطرية على الأدوار الإقليمية والدولية للخروج من الأزمة لن تفلح, فإيران تسعى لتوظيف الأزمة لتعظيم نفوذها ودورها الإقليمى وشق الصف الخليجى عبر التقارب مع قطر وتزويدها بالمواد الغذائية وفتح موانئها البحرية لها, كما أن رهان قطر على إيران يفتقد إلى الرشادة ويزيد من تعقد الأزمة, باعتبار أن الموقف القطرى من إيران وعدم اعتبارها عدوا وراعيا للإرهاب, وهو ما أجمعت عليه القمة الأمريكية الإسلامية, كان المحرك الأساسى وراء اتخاذ السعودية الموقف المتشدد من قطر وفرض العقوبات عليها. كذلك فإن رهان قطر على الموقف الأمريكى رهان خاسر, فالموقف الأمريكى الذى بدا متناقضا ما بين تصريحات وزير الدفاع ماتيس ووزير الخارجية تيلرسون واللذين يميلان فيها إلى التهدئة, وما بين موقف الرئيس ترامب الذى اتهم قطر بدعم الإرهاب وطالبها بوقف تلك السياسة, يعكس الإطار العام الذى يحكم السياسة الأمريكية القائمة على البراجماتية وتغليب المصالح الاقتصادية والعسكرية من خلال نظرية تبادل الأدوار والانفتاح على كل الأطراف, لضمان مصالحها العسكرية المتمثلة فى قواعدها العسكرية فى العديد والسيلية وفى ذات الوقت التوافق مع المواقف السعودية والإماراتية والمصرية, لكن غالبا ما تنحاز الإدارة الأمريكية لمصالحها وهو ما يدفعها إلى التضحية بالنظام القطرى فى نهاية المطاف. النظام القطرى أمام خيارين لا ثالث لهما, إما أن يعود لرشده ويحدث مراجعة وتغييرا حقيقيا لسياساته والعودة إلى الصف الخليجى ويقوم بطرد العناصر الإرهابية من على أراضيه والتوقف تماما عن دعم التنظيمات الإرهابية فى الدول العربية, وهو ما يسهم فى حل الأزمة وتغيير الدول الأربع مواقفها، وإما انتهاج سياسة التحدى والارتماء فى أحضان إيران واللعب بالنار, وهو ما يعنى مزيدا من التصعيد للأزمة واتجاهها نحو مسارات قد لا تكون فى مصلحة النظام القطرى خاصة أن المقاطعة قد أثرت بشكل كبير على الاقتصاد القطرى, كما زادت من حالة الغليان الداخلى سواء من جانب الشعب أو من جانب التيار المعتدل فى الأسرة الحاكمة, وقد تقود لسيناريوهات درامية فى قطر. لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد